تراحيل مصر للطيران
فاروق عطية
٢٣:
١١
ص +02:00 EET
الاربعاء ١١ ابريل ٢٠١٨
فاروق عطية
بداية أود أن أقدم اعتذاري لقُرّائي الأعزاء لتوقفي عن الكتابة خلال الشهر الفائت وذلك لسفري إلي وطني العزيز مصر الذي لم تطأه قدماي منذ أكثر من عشرين عاما. وفي هذا المقال سأحدثكم عن معاناتي سفرا علي متن طائرات مصر للطيران.
حين قررت السفر دخلت علي الإنترنت للبحث عن أفضل وأرخص خط طيران ينقلني مباشرة إلي مدينة الغردقة، فوجدت الخطوط السويسرية هي الأرخص، السفر من مطار بيرسون إلي زيوريخ والبقاء بها خمس ساعات ترانزيت ثم من زيورخ إلي الغردقة مباشرة. كما وجدت مصر للطيران لها خط طيران من مطار بيرسون للقاهرة والبقاء بها ترانزيت لمدة خمس ساعات ثم الطيران إلي الغردقة، ولكن سعرها أغلي من سعر الخطوط السويسرية بمائتي دولار كندي. رغم ارتفاع سعر تذكرة الطيران علي خطوط مصر للطيران عن تذكرة السفر علي الخطوط السويسرية لكنني فضلت السفر علي طائراتنا الوطنية، ربما ارتياحا نفسيا أو ربما تشجيعا أوحبا للوطن من منظور قومي.
توجهت للصديق رفيق بقطر صاحب مكتب الأقصر للسياحة الذي قام بمساعدتي في الحصول علي تذكرة السفر مع تأكيد خدمة الكرسي ذو العجل لإتمام الراحة في السفر مع ابتسامته المميزة وسرعة الخدمة (لمُدة شهر من 21 فبراير حتي 22 مارس). وفي الوقت المحدد للسفر توجهت للمطار، وللحقيقة كانت الخدمة ممتازة داخل المطار وقام الشباب المعين بنقلي حتي الطائرة بالكرسي ذو العجل بكل احترام. وداخل الطائرة أيضا كانت الخدمة ممتازة من طاقم الضيافة، وعند بدء قيام الطائرة الاستعداد للطيران تُلي علينا دعاء السفر، ولا اعتراض لدي في ذلك، فقط أعتقد أنها بدعة إخوانية لم أشهدها في سفرياتي السابقة علي الخطوط المصرية قبيل عشرون عاما، مما يؤكد أن مصر أصبحت دولة دينية وهابية ولا عزاء للمدنية أوالعلمانية. وأشهد أيضا أن الوجبات المقدمة علي الطائرة كانت جيدة وكافية والمشروبات الساخنة والعصائر طازجة ولا وجود لأي مشروبات كحولية، وكان الهبوط بمطار القاهرة الدولي مثاليا كعادة الطيارين المصريين.
وعند الوصول لمطار القاهرة بدأت الفهلوة المصرية تتكشف ، سألت عن الكرسي ذو العجل لنقلي إلي مكان الترانزيت، قيل لي سر حتي نهاية النفق الواصل بين الطائرة ومحطة المطار ستجد الكرسي في انتظارك. وعندما وصلت لنهاية النفق وجدت سيارة كهربية تسع 8 أفراد أقلّتني مع 7 أفراد آخرين، طلبت من قائدها أن يوصلني لمكان الانتظار ترانزيت بالقرب من بوابة الخروج للطائرة المتجهة للغردقة. أوصلني حتي ضابط الجوازات، طلبت منه قبل أن يغادرني أن يعود إلي أو يرسل آخر بكرسي لتوصيلي فأومأ برأسه وانطلق دون رجعة.
نظر ضابط الجوازات إلي باسبوري الكندي وفال:عليك أن تدفع رسم الدخول لأنك كندي الجنسية. أعطيتة الباسبورت المصري وقلت له: أنا مصري أولا وكندي ثانيا. تصفح سيادته باسبوري المصري وقال: باسبورك منتهي الصلاحية منذ 18 سنة، ولا بد من دفع الرسوم. قلت له: الباسبورت وإن كان منتهي الصلاحية ولكنه يثبت الجنسية بما عليه من أختام وتوقيعات وهذا ما أفتت به هيئة الأمم المتحدة، وإذا كنتم لا تعترفون بمصريتي وأنا جئت خصيصا لأداء واجبي الوطني في الانتخابات الرياسية، يبقي بلاها انتخابات. سألني: منذ متي لم تحضر إلي الوطن ؟ أجبته: منذ عشرون عاما. نظر إلي بابتسامة عريضة وقال: أهلا بك في مصر وحمد الله علي السلامة وختم بسبوري الكندي (سرّ الانتخابات باتع ).
ورغم أنني قادم من كندا وتم الكشف علي شنطة يدي ومررت خلال البوابة الالكترونية قبيل الصعود للطائرة، ولم أخرج من المطار منذ وصولي، طُلب مني المرور خلال البوابة الالكترونية والكشف علي حقيبة يدي مع خلع الحذاء أيضا. بعد ذلك أشار إلي المصعد وقال لي إصعد للدور الرابع وانتظر خمس ساعات حتي ميعاد إقلاع طائرة الغردقة.
في الدور الرابع مكان انتظار للنقل بالطيران الداخلي، لم يكن هناك غير أفراد قلائل سألت أحدهم عن بوابة الدخول لطائرة الغردقة، قال لي ستجد رقم البوابة علي التذكرة، ولم نجد ذكر لهذا الرقم علي التذكرة، ولا يوجد مكتب أو موظف يمكن الاستفسار منه. ظللت أكثر من أربع ساعات حائرا لا أدري شيئا ولا أجد من أسأله، ولا يوجد كافيتيريا أو مقصف يمكن أن نجد به بعض المشروبات أو السندوتشات، ولكن والحمد لله يوجد دورات للمياه وإن كانت غير كاملة النظافة.
وقبيل ميعاد الطائرة بحوالي 50 دقيقة أعلن بالإذاعة الداخلية ميعاد طائرة الغردقة ورقم الرحلة ورقم بوابة الدخول (ف 32)، تنفست الصعداء وتوجهت إلي البوابة مع العديد من المنتظرين وكان معظمهم آسيويين. هبطنا درجات للدور الثالث وهناك كان مكان للتفتيش مرة آخري للحقيبة والمرور من البوابة الإلكترونية مع خلع الأحذية والساعات والأحزمة، بعدها هبطنا مرة أخري إلي أرض المطار حيث وجدنا حافلة كبيرة نقلتنا إلي عرض المطار حيث تقبع طائرة صغيرة هي التي سوف تقلنا للغردقة، وكان علي أن أصعد الدرج الحديدي إلي الطائرة بما فيه من خطورة لحالتي الصحية رغم أن بالتذكرة مدرج خدمة المقعد، والحمد لله وصلت الطائرة وأنا أنهج متقطع الأنفاس، وعند الوصول للغردقة كان علي أن أهبط السلالم الحديدية مرة أخري وأنا أبتهل لله ألا أقع فتحدث كارثة.، ولكن الحمد لله ربنا سلّم. وبعد استلام حقائبي والمرور علي الجمارك خرجت من المطار لأجد إبني في انتظاري.
قضيت بالغردقة شهرا ممتعا سيكون للحديث عنه بمقال آخر. قبيل ميعاد السفر بثلاث ساعات توجهت إلي مطار الغردقة وهناك سألت عن مسؤول المطار، رجل مهذب إسمه الأستاذ مصطفي، شرحت له معاناتي الصعود والهبوط علي السلم الحديدي، طمأنني بابتسامة ودودة وقال لي سوف أجهّز لك اللودر لرفعك إلي مدخل الطائرة وسوف أتصل بمطار القاهرة ليعدّوا لك لودر للهبوط، وكما وعد الرجل مشكورا فعل. وعند ميعاد ارتقاء الطائرة حضر بنفسه واصطحبني إلي اللودر وظل معي حتي مقعدي بالطائرة. وعند هبوط الطائرة في مطار القاهرة الدولي كان لودر في انتظاري هبط بي لأرض المطار حيث ارتقيت مع باقي الركاب حافلة حتي محطة المطار الدولي رقم 3، وهناك وجدنا السيارة الكهربية ذات الثمان مفاعد، أخذتني مع آخرين وبعد أن أنزل الآخرين إلي صالة الخروج سار بي إلي مكان الترانزيت لانتظار طائرة مصر للطيران المتجهة إلي كندا بجوار البوابة (ف 6)، طلبت منه الحضور بعد ساعات الترانزيت أو يرسل آخر بمقعد لتوصيلي حتي الطائرة، فأومأ لي بالإيجاب ولكنه أختفي ولم يعد.
كان المفروض أن ساعات اللترانزيت المدون علي التذكرة خمس ساعا، ولكن التوقيت الكندي تغير إلي التوقيت الصيفي وميعاد الوصول إلي كندا في الساعة السابعة صباحا فصار الترنزيت ستة ساعات، فبدلا من إقلاع الطايرة في الساعة الثانية عشرة مساء صار الإقلاع في الواحدة صباحا بتوقيت القاهرة. مكان الانتظار أمام البوابة (ف 6) به فقط خمس مقاعد، كانت خالية حين وصلت فجلست علي إحداها، وبعد أربعة ساعات من الانتظار بدأ قدوم العديد من المسافرين، فقط جلس أربعة أفراد ممن قدموا أولا وافترش الباقون الأرض، ومع مرور الزمن صار المكان مكتظا بالجالسين علي الأرض بحقائبهم، ذكروني بعمال التراحيل في القري المصرية انتظارا لفرصة عمل. وقبل إقلاع الطائرة بحوالي الساعة فتحت صالة الانتظار (ف 6) في مدخلها بوابة التفتيش الإلكترونية التي مر خلالها الركاب للانتظار بالمقاعد الوثيرة حتي ميعاد الإقلاع. ولا أدري لماذا لا تحترم شركة مصر للطيران آدمية ركابها وتفتح لهم صالة الانتظار وتوضع البوابة الإلكترونية في نهاية الصالة عند مكان الخروج للطائرة، ولكني تذكرت الحكمة المصرية التي تقول: إذا كنت أقدر أتعبك أريحك ليه ؟
وبعد الصعود للطائرة وقبيل الإقلاع إذيع علينا دعاء وعثاء السفر فتوجست شرا، وتذكرت الطيار البطوطي الذي انتحر بطائرته وأضاع مئات الركاب معه دون ذنب جنوه. وحين خرجت من الطائرة بعد الهبوط وجدتني أتذكر قول الراحلة عقيلة راتب وهي تقول في آخر كل حلقة من حلقات القاهرة والناس القديمة: توبة والنبي توبة. فرددت كلماتها: توبة للسفر علي متن مصر للطيران والنبي توبة ..!!