الأقباط متحدون | قراءة في هوامش الأحداث الطائفية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٢:٠٦ | الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١١ | ٢٣ بشنس ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤١٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

قراءة في هوامش الأحداث الطائفية

بقلم: مصطفى الفقي | الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١١ - ٥٨: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

تلقيت اتصالاً ذات يومٍ في النصف الثاني من شهر ديسمبر/كانون الأول 2010 من نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب في “الكنيسة الأرثوذكسية” المعروف بدماثة الخلق واتساع الأفق يطلب لقاء معي لنتحدث في الشأن العام بعد أحداث “كنيسة العمرانية”، واتفقنا على موعدٍ في منزل صديقٍ مشترك هو منير غبور، ووصلت إلى هناك وبعدها بدقائق دخل الأنبا موسى ومعه مفاجأة هي حضور الأنبا بيشوي أسقف دمياط وتوابعها وهو شخصية بارزة في أركان “الكنيسة الأرثوذكسية” وصديق قديم لي، كما أنه صاحب المساجلة الشهيرة مع المفكر المصري الصديق د . يوسف زيدان .

وجلسنا نتحدث طويلاً، فاستعرض الأسقفان الجليلان شجون الأقباط وشؤون الكنيسة وأحداث “الفتنة الطائفية”، وقالا إنهما سعيا للقائي من منطلق متابعتي المستمرة لقضية الوحدة الوطنية واهتمامي الدائم بحكم الدراسة بالشؤون القبطية، ولصلتي الطويلة بقداسة البابا شنودة الثالث، وإنهما يشعران بأن البابا في حالة حزنٍ شديد وألم زائد بعد الأحداث الأخيرة، وقد استمعت لهما في تلك الأمسية بإنصاتٍ شديد وانتباهٍ كامل، لأنني كنت أشعر ومازلت، بأن تكرار الأحداث الطائفية بوتيرة متلاحقة أمر يثير القلق ويدعو إلى التساؤل عن القوى الخفية المحركة لتلك الجرائم التي ترتكب بحق الدين والوطن في وقتٍ واحد، وحاولت ليلتها إجراء عددٍ من الاتصالات ببعض المسؤولين لطرح القضية والتعبير عن الخطر المستمر للوضع القائم واحتمال استمرار اعتكاف البابا ونحن على مشارف أعياد الميلاد، وخصوصاً أنه قد قيل لي يومها إن “ماكينة الغسل الكلوي” قد انتقلت معه إلى “دير وادي النطرون” بما يشير إلى نيته البقاء طويلاً هناك، ولكن المسؤولين الذين اتصلت بهم أجابوني على نحوٍ شعرت منه بأنهم لا يقدرون حجم الموقف، ولا يدركون مدى المخاطر المنتظرة، وكان تحليلهم لا يخلو من تسطيحٍ للموقف وتبسيطٍ لنتائجه، لاسيما أن قداسة البابا كان عاتباً أيضاً على الدولة تعيين أحد خصوم الكنيسة من الأقباط عضواً في مجلس الشعب السابق وهو مفكر مصري يساري النزعة معروف بانتقاداته للكنيسة والنظام السياسي القائم معاً .

ولقد وعدت ليلتها الأسقفين المحترمين بأنني سوف أواصل بذل الجهود للخروج من ذلك الموقف المحتقن، وقد أجريا اتصالاً معي في اليوم التالي اقترح فيه الأنبا بيشوي أن أقوم بزيارة قداسة البابا في مقر اعتكافه ب”وادي النطرون” للاستماع إليه مباشرةً والتحدث معه، فأجريت من جانبي اتصالاً بالزميل العزيز السفير سليمان عواد سكرتير الرئيس والمتحدث الرسمي للرئاسة حينذاك، وأبلغته بما جرى، فكان رده أنه لا مانع بالطبع من زيارة قداسة البابا على أن يكون واضحاً أنها مبادرة شخصية مني ولست موفداً رسمياً من الدولة، وشرح لي ملابسات تعيين العضو القبطي الجديد محل الجدل في مجلس الشعب، وأن ذلك لا يعني رسالة سلبية موجهة إلى البابا على الإطلاق، فالرجل معارض شديد للنظام مثلما هو منتقد واضح لبعض مواقف كنيسته القبطية، عندئذٍ عقدت العزم على الذهاب لزيارة قداسة البابا الحبر الديني الجليل والصديق العزيز منذ عشرات السنين حين كنت همزة الوصل الرسمية بين الدولة والكنيسة بدءًا من ثمانينيات القرن الماضي وبالفعل توجهت ومعي الصديقان القبطيان منير غبور، ود . نبيل بباوي الذي قام بتحديد الموعد ورافقنا، لأنه كان يريد أن يتحدث مع البابا بشأن تأكيد حضور قداسته للمشاركة في مناقشة رسالة الدكتوراه له بعد أيامٍ من ذلك التوقيت .

وصلنا إلى دير وادي النطرون مع الغروب وكان في انتظارنا الأساقفة موسى أسقف الشباب ويؤانس وأرميا من سكرتارية قداسة البابا إلى جانب مدير الدير، وتخلف الأنبا بيشوي بسبب وعكة “إنفلوانزا” ألمت به، وبعد دقائق دخل علينا قداسة البابا ورحب بنا، ولكنه كان يبدو حزيناً ومهموماً بشكلٍ واضح وبدأ يتحدث عن معاناة الأقباط، ويسرد الأحداث بدءاً من “الخانكة” و”الزاوية الحمراء” حتى “العمرانية” مروراً “بالكشح” و”نجع حمادي”، وعرض علينا فيلماً تسجيلياً لاستخدام الشرطة للرصاص الحي مع متظاهري “العمرانية” الذين قطعوا الطريق العام، ما أدى إلى مصرع بعضهم واعتقال العشرات منهم . وبعد حديثٍ طويل استمر لساعاتٍ لم يخل من روح الود والمحبة وتفضيل البابا للمصالح المصرية العليا على النظرة الطائفية الضيقة، تبلور الحديث في نهايته إلى مطلبين، أولهما الإفراج عن المحبوسين من شباب الأقباط بسبب أحداث العمرانية، وقد عبر قداسة البابا عن أمله في أن يتم ذلك قبل “الكريسماس” القبطي وهو السابع من يناير، والمطلب الثاني هو أن يلتقي قداسته مع رئيس الدولة منفردين، خصوصاً أن ذلك لم يحدث إطلاقاً منذ عصر الرئيس السادات، فلقد تحولت علاقته برئيس الجمهورية في عصر مبارك إلى الاتصالات الهاتفية واللقاءات الجماعية في المناسبات العامة، وقد خرجنا من حضرة البابا ونحن متفائلون بأن الحوار يمكن أن يحطم رأس الأفعى الطائفية، ويضرب القوى الشريرة التي تساندها على أن يكون تطبيق القانون والقانون وحده هو الحكم الفصل في أي حادث طائفي يقع، ونقلت الأمر إلى المسؤولين وقتها . وبالفعل فك قداسة البابا اعتكافه وغادر عزلته وعاد إلى شعبه من مسيحيين ومسلمين، وحضر افتتاح البرلمان المصري بعد ذلك بأيام، ثم توالى الإفراج عن الشباب القبطي الذي شارك في حادث “العمرانية”، كما جرى لقاء منفرد بين قداسة البابا ورئيس الجمهورية أظن أن البابا قد شرح فيه كل ما أراد وخرج مستريحاً حتى حدثت كارثة جديدة بعد ذلك بأيامٍ قليلة وهي تفجير “كنيسة القديسين” بمدينة “الإسكندرية” مع الدقائق الأولى لميلاد العام الجديد، وللقارئ أن يتصور احتمالات تفاقم الأزمة لو أن ذلك الحادث الإجرامي قد جرى والبابا لايزال على اعتكافه، عندئذٍ تأكدت من صواب الخطوة التي اتخذتها واكتشفت تأثيرها في الإقلال من حدة الاحتقان الذي صاحب تلك المأساة المروعة .

وفي عشية الاحتفال ب”عيد الميلاد” في السابع من يناير 2011 اتصل بي الصديق هاني عزيز وقال لي إن قداسة البابا يريد أن يتحدث إليّ هاتفياً وبالفعل جاءني صوته يشرح لي أن توجيه الشكر للدولة ورئيسها في خطبة عيد الميلاد المجيد بعد الصلاة في الكنيسة لن تلقى استحساناً من الحاضرين هذا العام، وفي الأغلب سوف تكون هناك ردود فعل سلبية عند ذكر اسم الرئيس في أعقاب سلسلة من الأحداث الطائفية التي أزعجت المصريين جميعاً، ووجدتني أوافق البابا على قراره في ألا يوجه الشكر لأحدٍ بالأسماء فرداً فرداً كما كانت عادته في خطبة العيد، ثم تمنيت له الصحة وحضرت الصلاة في اليوم التالي وأعجبني كثيراً الإخراج الذكي للبابا في فقرة الشكر العامة مع التركيز على الوطن والشعب وحدهما، وكأنه كان يرى الثورة القادمة بعد أيامٍ قليلة جنيناً يتحرك في أحشاء الوطن . ومضت أيام قليلة بعدها وكنت ضيفاً على حوار “بيت العائلة” برئاسة الإمام المستنير الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر في حضور أسماء لامعة من مستوى المستشار طارق البشري وبعض رموز الكنيسة نتحدث كأسرة واحدة في شؤون الوطن في وجود مستشار الإمام الأكبر د . محمود عزب وزميلي العلاّمة السفير محمد رفاعة الطهطاوي المتحدث الرسمي باسم الإمام الأكبر حينذاك، وتصورت وقتها أن “الفتنة الطائفية” سوف تعود إلى جحورها، وأن الفئة التي تحركها قد أصيبت في نحورها . وعندما قامت الثورة المصرية وارتفعت صيحات التحرير من الميدان الكبير قلت على شاشات التلفزيون إنه لو لم يكن لهذه الثورة العظيمة إلا فضل واحد وهو اختفاء الأحداث الطائفية وسط الحشود المليونية، لكان ذلك سبباً كافياً لعظمتها وسموها . وكانت سعادتي بالغة يوم أن اتصل بي صديقي الأب رفيق جريش راعي “كنيسة الروم الكاثوليك” ب”مصر الجديدة” ليبلغني أن جنود الحراسة اختفوا منذ أيام في غمار أحداث الثورة، وأن أبواب الكنيسة مفتوحة، ومع ذلك لم يحدث تصرف واحد يسيء إلى كنيسته أو يعبث بممتلكاتها! ولكن مضت أيامٍ قليلة وأطلت “الفتنة” بوجهها الكئيب من “قرية صول” في مركز “أطفيح” وتبعتها سلسلة مخزية من الجرائم الطائفية التي تدعونا إلى اليقظة الكاملة والصحوة الحقيقية لاستئصال ذلك الداء اللعين من قلب وطنٍ عظيم لا يفرق بين أبنائه ويحترم كل مقدساته ويقف صفاً واحداً ضد تلك الهجمة التي تستهدف أمن مصر واستقرار الكنانة ومستقبل أجيالها المقبلة .
نقلاً عن دار الخليج




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :