فَيَاشَدُ مَاَ أَتّعَلَّقْ بِكَ أَيُهَاَ المَسْيِحْ
ماهر عزيز بدروس
السبت ١٤ ابريل ٢٠١٨
"قريبٌ"
"وعصىٌ على الإدراك هو الإله"
"لكن حيث يكون الخطر"
"تلوح كذلك النجاة"
بقلم دكتور مهندس/ ماهر عزيز
وحيث تتربص الذئاب فى العتمة يستطيع – بلا خوف – أن يعبر أبناء اللـه فوق الهاوية على جسور الخلاص.. عندما يتساوى النهار والليل.. وفوق الممرات البطيئة ترف الأنسام مُثْقَلَة بأحلام النجاة، وتمتد إلى الظامئ يدٌ بالكأس المعطرة المترعة بنور سطيع، فتوجد الراحة عندئذ.. ويحلو النوم
فى ظل الإله.
...
...
وحيث يعانى الخاطئ محنة المتجول الوحيد الذى لا بيت له ولا وطن، ويتخبط العاثر فى ظلام التشرد والضياع.. عندما يحتدم الصراع بين ربيع الحرية المقدسة التى يحس أنه يستريح على قمتها وبين شتاء الأغلال القارس الفظيع.. ترف السحابة المقدسة فوقه، وتلمع النجوم المتفتحة اليانعة، وتمتد من بستان الحياة غير المنظورة، ومن حدائق الآب المزهرة، يد حانية رفيقة دائمة الفرحة.. فيفزع قلبه برؤية جديدة حين تصنع له أجنحة أبدية، ليعبر إليها بحس عظيم الوفاء.. ويظل فرحاً فى كل
الأوقات – كأغصان شجرة الصنوبر المخضرة دائماً – عندما يخطر على ضفاف الماء البرىء، مزدانة رأسه بإكليل انتقته اليد الحانية من أعواد اللبلاب.. فيتعلق الحب بالواحد.. ويخرج الغناء فى هذه المرة من صميم القلب..
"نحن الذين تنبأت بهم أنشودة القدماء عن أولاد الله"
"نحن الذين صَدَقَتْ عليهم"
"تحققت فى الإنسان على نحو دقيق وعجيب"
...
...
وحيث يجوس العاصى منهكاً فى السفوح الوطيئة ينوء بحمله العنيد، وتتراكم حول البائس قمم الزمان والهموم.. عندما يفر المتمرد فى ليل الغابات المذعورة، وتنهار التلال حين تراه يعاقر الحيات وهو يضحك من بين أسنانه، ويندفع مخبولاً كالفريسة يشق الأرض، ثم لا يلبث يعود ليجلس بين جدرانه المظلمة فقيراً من بهجة الروح فقر الشحاذين.. تأتى عاصفة الغناء لتبدد السحاب، وينزاح النقاب عن جلال الوجود غير المنظور، وتظهر جوقة الأفراح ساحرة فى رداء سماوى، فيذوب العذاب فى النور والهواء، وتتكسر الأغلال على صوت النشيد ليخرج منها المرذول أشد حرية وجسارة.. فيعمر القلب عندئذ ببهجة الخلاص، ويلتف ذاك الذى كان طريداً بعيداً بردائه القانى مفعماً بالنار الصافية.. فتشع البراءة الأولى ممجدة فى دم الخروف.
...
...
وحيث يظل الشقى سَكِيِنَ صحراء زاخرة بالرؤى هائلة على الدوام تغرى بالموت، وتتفتت شخصية الساقط مُزُقاً متناثرة فقدت المركز والرباط.. عندما تنكسر سفينة الحياة على صخرة اليأس والجنون وتتحول إلى حطام لا يستطيع أن يحمل فكرة أو عاطفة.. تتراءى قوى هائلة تتجول فوق الأرض، ويمتد السمع بعيداً نحو منقذ عطوف يقبل نحوه، وتتجلى ذروة الاعتزاز فى ليل بهيم جامد، فينسكب تيار النعمة عريضاً كالبحر، ويرده للطاعة والوفاء والفعل البرىء مخلص عجيب يعرف كيف لا يبخل وكيف يعطى ويبذل إلى حد الفناء.
...
...
هو ذاك.. أحنى السماء ونزل.. سعى ليقدم كل شئ.. حتى حياته فلم يبخل بها، وكانت التضحية هى الثمن المحتوم الذى يفرضه الحب اللانهائى.. والضرورة العليا التى يقتضيها العطاء المطلق والبذل إلى حد الفناء..
هو ذاك.. جعل الأرض موطئاً لقدميه – ذاك الذى يصالح النهار مع الليل ويوجه حركة الكواكب أبد الدهر هبوطاً وعلواً – ليمنحنا الكلمة المتدفقة التى يهجرها النعاس كما يهجر جفون المصلين، ويهبنا الكأس المترعة والحياة الجسورة والتذكار المقدس أيضاً لنقضى الليل ساهرين..
هو ذاك.. جاء بنفسه وتقمص هيئة إنسان.. هبط فى هذه الأثناء إلى الظلال وهو يهز مشعله، وأتم العيد السماوى، فأشرقت الابتسامة فى النفس السجينة، وصارت النار الإلهية بعد ذلك تحفزنا بالليل والنهار على الانطلاقة المقدسة.. وكانت تلك هى مشيئة رب الأرباب الذى آثرنا بالحب الكبير..
نعم أيها المخلص العظيم.. حنانك البالغ لأعجب مما يتصور عقل ..و"معاملاتك مع الخطاة " لأروع مما يخطر على قلب.. وحبك الهادر لأقوى مما يستطيع أن يجاوبه حب..
"فياشد ما أتعلق بك"
"أيها المسيح".
(دعانى المتنيح رمسيس نجيب عام 1978 لأكتب هذا المقال كمقدمة لكتابه "معاملات المسيح مع الخطاة" (الكتاب الثانى) بعدما شرفنى بمراجعة الكتاب كله.. وكتب تقريظاً يقدمنى به أعلى المقدمة التى ظلت موجودة بصدر الكتاب فى الطبعة الثانية منه، لكن يداً غريبة رفعتها من الطبعة الثالثة.. فآثرت أن أنشرها هنا مستقلة كمقال).
استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ