توحيد مواعيد الأعياد!
منير بشاي
٢٩:
١١
ص +02:00 EET
الاثنين ١٦ ابريل ٢٠١٨
بقلم منير بشاى
أجد نفسى منساقا إلى أن اضم صوتى لجوقة من يؤلمهم مظاهر الانقسامات التى نراها بين صفوف المسيحيين ومن يشتاقون إلى الوحدة. هذا الشعور عبّر عنه السيد المسيح فى صلاته الشفاعية عندما قال "ولست اسأل من أجل هؤلاء فقط (أى التلاميذ) بل ايضا من أجل الذين يؤمنون بى بكلامهم (أى المسيحيين فى كل العصور) ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت ايها الآب فىّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتنى." يوحنا 17: 20
ومع ذلك لا أنكر ان الوحدة الكاملة من السهل الكلام عنها ولكن من الصعب تنفيذها. ولذلك أرجو ان يوحد الرب الأفكار قبل الصفوف حتى تتحقق الوحدة المرجوة فى يوم من الأيام.
ولكن ما دامت هناك صعوبة فى توحيد العقيدة لأسباب لاهوتية لها جذور تاريخية قديمة فعلى الأقل يجب البدء بالشكليات التى لا تمس جوهر الإيمان وعلى رأسها توحيد مواعيد الأعياد بين الشرق والغرب. فمن المخجل أن نتبع مسيحا واحدا ثم نحتفل بميلاده وقيامته فى تواريخ مختلفة. وقد برزت المشكلة بعد التواصل بين الشعوب عن طريق وسائل الاتصالات الحديثة بل ان كنيسة واحدة وهى القبطية الارثوذكسية أصبح لها اليوم كنائس كثيرة وشعب منتشر فى كل بقاع العالم
لماذا هذا التردد حول تحديد موعد للحدثين الرئيسيين وهو ميلاد المسيح وقيامته خصوصا ان هذا مسألة حساب وتواريخ ولا صلة له بالعقيدة؟ هذا خاصة ان التاريخ الصحيح لا يمكن تحديده بالدقة المتناهية، ورغم ما لدينا من معلومات تتعلق بطول السنة غالبا ستكون هناك بعض الفروقات. فلنحاول ان نبحث فى ادق الحسابات المتوفرة لنا ونتبعها. ولكن الأهم من هذا ان تتوحد هذه التواريخ بين جميع الطوائف المسيحية فى الشرق والغرب.
ولعله من المفيد ان نبدأ بسرد لمحة تاريخية لكيف بدأ الخلاف. كان الناس جميعا يتبعون تقويما واحدا اسمه التقويم اليوليانى الذى أقره يوليوس قيصر. وكان هذا التقويم يحسب السنة على انها 365 يوما وربع يوم. ولإضافة ربع اليوم كان التقويم يضيف يوما للسنة كل اربع سنوات فتصبح 366 يوما فيما سميت بالسنة الكبيسة التى يكون فيها شهر فبراير 29 يوما بدلا من 28.
طوال سنوات العمل بالتقويم اليوليانى كان كل المسيحيين يعيدون عيد الميلاد معا فى 25 ديسمبر. ولكن فى سنة 1582 اكتشف علماء الفلك ان السنة ليست 365 يوما وربع بالضبط كما هو معمول به فى التقويم اليوليانى ولكنها تقل عن ذلك بمقدار 11 دقيقة و 14 ثانية. ولكى يصحح هذا الخطأ فى التقويم لجأ البابا غريغوريوس الثامن بابا الكاثوليك (1572- 1585) باعتباره القائد الدينى والدنيوى حسب مفهوم العصر، لجأ الى محاولة ضبط السنة منذ بداية التقويم وحتى يوم الخميس 4 أكتوبر 1582 فأسقط عشرة أيام ليصبح اليوم التالى الجمعة 15 أكتوبر 1582.
وحتى يضمن عدم حدوث أخطاء فى المستقبل امر البابا العمل بما سمى التقويم الغريغورى وهو 365 يوما وربع تنقص 11 دقيقة و 14 ثانية كل سنة. وحتى يتم تضبيط السنة اعتبروا السنة 365 يوما فى السنوات البسيطة و366 يوما كل اربع سنوات فيىما سميت السنوات الكبيسة (وهى التى تقبل القسمة على 4). ولإستيعاب الفروقات التى اكتشفها العلماء اعتبرت السنوات القرنية (مثل 1200- 1400- 1600 الخ) اعتبرت كبيسة (366 يوما) فقط اذا قبلت القسمة على 400 وان لم تقبل القسمة على 400 اعتبروها بسيطة (365 يوما). وبذلك يتم اقتطاع 3 ايام كل 400 سنة.
بناء على ذلك التقويم الغريغورى تراجع طول السنة وبالتالى قفز التاريخ للامام عشرة ايام فى سنة 1582 وزاد التاريخ يوما كل 128 سنة. ولذلك فمن يعملوا بحساب عيد الميلاد بالتقويم اليوليانى وجدوا نفسهم فى 5 يناير ثم 6 يناير و 7 يناير وسيصبح العيد 8 يناير ثم 9 يناير وهكذا.
25 ديسمبر و 7 يناير رقمان حسابيان لا قداسة لواحد فوق الآخر. ولكن اختيار 25 ديسمبر لعيد الميلاد ربما يكون الادق بحسب رأى علماء الفلك. هذا والمعروف ان التقويم الغريغورى الذى تحول اسمه الى التقويم الميلادى اصبح هو التقويم المعترف به عالميا فليس من الحكمة تغافله. أما الميزة الأهم فهى استخدامه لتوحيد مواعيد الأعياد بين مسيحيى العالم.
هذا كما ان العمل بحسابات التقويم الغريغورى سيضبط مواعيد الاعياد الأخرى ومنها عيد القيامة وسيساعد على توحيدها. وقد تم تحديد موعد عيد القيامة منذ مجمع نيقية سنة 325 بناء على شروط منها ان يقع بعد فصح اليهود وان يقع فى الاحد التالى بعد اكتمال القمر وحدوث ما يسمى الاعتدال الربيعى الذى حسب التقويم الغريغورى يوافق 21 مارس وبحسب التقويم اليوليانى يوافق الآن 3 ابريل. ولذلك فالاختلافات بين التقاويم تتسبب فى اتساع الفجوة بين المواعيد المحتملة للعيد.
وفى سنة 2015 حدثت خطوة ايجابية فى هذا الموضوع عندما قام البابا فرنسيس بمبادرة لتوحيد موعد عيد القيامة واقترح ان يكون الأحد الثانى من شهر إبريل ووافق عليها البابا تواضروس كما وافق البطريرك افرام الثانى وبطريرك القسطنطينية لكن هذه المبادرة تعطلت فجأة.
بالتاكيد التغيير ليس سهلا فمع التغيير لابد من تضبيط أمورا كثيرة تتعلق بالاعياد الأخرى والقراءات الكنسية وغيره. ولكن المجهود يستحق ان يبذل فى ضوء المزايا العديدة التى ستجنى منه وعلى راسها اقرار تاريخ موحد لميلاد السيد المسيح وتاريخ موحد لقيامته.