أبناء الطبقة الوسطى يترقبون "غلاء يوليو".. المراوغة من أجل العيش
اقتصاد | مصراوى
الثلاثاء ٢٤ ابريل ٢٠١٨
ينتظر طه علي، باحث وأكاديمي في إحدى المؤسسات البحثية، أن يمر شهر يوليو المقبل بسلام بدون أية زيادة في الأسعار، لأنه لم يعد يحتمل المزيد.
فعلى مدار العام والنصف الماضية عانى "علي" الذي يصنف نفسه كأحد أبناء الطبقة المتوسطة، من ارتفاع الأسعار بعد تعويم الجنيه، وهو ما كلفه الكثير.
ورغم أن دخل "علي" يقترب من 17 ألف جنيه شهريا، إلا أن هذا المبلغ لم يعد يساوي شيئًا أمام احتياجاته الحالية هو وأسرته بعد تعويم الجنيه، على حد قوله.
"بقالي كذا شهر بحسبها قبل ما اشتري أي حاجة"، يقول علي، الذي يعمل في وظيفتين إحداهما بدخل ثابت والأخرى حرة، ولم يعد يتحمل المزيد من الزيادة في الأسعار.
ومن المتوقع أن ترفع الحكومة أسعار بعض السلع والخدمات مع بداية العام المالي الجديد مثل البنزين والسولار والكهرباء، كما تخطط لرفع سعر تذكرة المترو ولكنها لم تحدد موعدًا حتى الآن، لاستكمال خطتها للإصلاح الاقتصادي.
في نوفمبر 2016 قررت مصر تعويم الجنيه، كبداية لخطة إصلاح اقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وتسبب هذا القرار في رفع أسعار السلع والخدمات، نظرا لارتفاع سعر الدولار.
كما قفزت معدلات التضخم بنسب كبيرة حتى تخطت في يوليو الماضي نسبة 34.2%، بعدما رفعت الحكومة أسعار البنزين والكهرباء والمياه.
وبعد التعويم بدأ "علي" يشعر بارتفاع الأسعار عندما اكتشف أنه لم يعد يدخر أي مبلغ من دخله الشهري، نظرا لأن ارتفاع الأسعار التهمه جميعا، "كنت بدخر 30% من دخلي الشهري، دلوقتي مبقاش"، حسب قوله.
لدى "علي" أسرة مكونة من زوجة و3 أبناء جميعهم في مراحل تعليمية مختلفة، وخلال الفترة الماضية ارتفعت مصروفاتهم المدرسية.
يقول علي "خلال السنة إللي فاتت بس ارتفعت مصروفاتهم المدرسية حوالي 35%، ولبس المدرسة لابني وبنتي أقل حاجة 3 آلاف جنيه".
كان علي يقدر مصروف بيته قبل التعويم بنحو 5 آلاف جنيه "دلوقتي مصروف البيت أقل حاجة 8 آلاف جنيه، ده بس علشان أأكل ولادي وأشربهم كويس".
شملت الزيادة في الأسعار كل مستلزمات أسرة علي "لو ابني عيان، كنت بروح أكشف عليه بـ 70 جينها عند أفضل دكتور دلوقتي الكشف عدى 250 جنيها"، وفقا لقوله.
مع ارتفاع الأسعار أكثر تراجعت أنشطة أسرة علي الترفيهية "كنا بنروح خروجات أو ملاهي مرتين في الأسبوع، دلوقتي بنروح مرتين أو مرة في الشهر بس لأن الخروجة الواحدة ممكن تكلف 3 آلاف جنيه، وده مبلغ ما يشتريش حاجة حاليا".
كما اضطر علي أمام ارتفاع الأسعار أن يخفض نفقاته الشخصية هو الآخر، "أنا معنديش عربية كنت بركب تاكسي كل يوم لكن بعد ارتفاع البنزين بقيت بركب تاكسي مرتين بس في الأسبوع، علشان أوفر".
منذ قرار تعويم الجنيه، قررت الحكومة رفع أسعار البنزين مرتين واحدة في نوفمبر 2016 والأخرى في يونيو 2017، ومن المقرر أن تستمر الحكومة في رفع الأسعار ضمن خطتها لرفع الدعم عن الطاقة بنهاية 2019.
يستبعد علي فكرة شراء سيارة خاصة خلال الفترة المقبلة بعدما قفزت أسعار السيارات في أعقاب التعويم، ويقول "الأسعار غليت والبنزين غلي ولسه هيغلي".
وتخطط الحكومة لخفض مخصصات دعم المواد البترولية بنسبة 26% إلى نحو 89 مليار جنيه، ودعم الكهرباء 47% إلى نحو 16 مليار جنيه، في موازنة العام المالي المقبل الذي سيبدأ في يوليو المقبل.
ومن المتوقع أن يتسبب هذا الخفض في رفع أسعار البنزين والكهرباء وهو ما سيتبعه ارتفاع في أغلب السلع.
مع اقتراب الحكومة من استكمال خطتها لإصلاح الاقتصادي يقول علي إن "من بداية خطة الإصلاح وإحنا تأثرنا جدا، رغم أن جزء من دخلي كان مقوم بالدولار لكن ده لا يساوي شيء قدام المصروفات اللي زادت".
"الطبقة المتوسطة في مصر تأثرت بشكل أكبر من إصلاحات مصر الاقتصادية(...) حينما تلغي الدعم عن الوقود، كل الذين يقودون سيارات سيتأثرون"، بحسب ما قالته مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، قبل أيام خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي.
ووفقا لبيانات بنك كريدي سويس المتخصص في تقدير الثروات في ديسمبر 2016، تقلصت الطبقة المتوسطة في مصر بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000، إلى 2.9 مليون بالغ في 2015.
وتوقع التقرير أن تكون هذه الطبقة معرضة لمزيد من التأثر نتيجة الإجراءات التقشفية التي تبنتها الحكومة في برنامجها للإصلاح الاقتصادي.
ضربة قاسمة
"الإصلاحات الاقتصادية، كانت ضربة قاسمة للطبقة المتوسطة في مصر"، وفقا لما تقوله رئيس قسم الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، هويدا عدلي.وتضيف هويدا، التي أعدت من قبل دراسة تفصيلية عن الطبقة الوسطى في مصر أن "الإصلاحات الأخيرة تسببت في انزلاق الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة إلى تحت خط الفقر".
ووفقا لهويدا فإن نسبة كبيرة من الطبقة المتوسطة غير محمية اجتماعيا، فلا هي تحصل على دعم نقدي أو دعم سلع أو تموين.
وفي أعقاب قرار التعويم قررت الحكومة رفع الدعم التمويني مرتين حتى وصل إلى 50 جنيها للفرد الواحد، كما توسعت في معاشات الدعم النقدي "تكافل وكرامة"، في محاولة لتخفيف الأعباء على الطبقات الفقيرة.
وتدعم مصر نحو 68.8 مليون مواطن من خلال حوالي 20.8 بطاقة تموين، وفقا لبيانات لوكالة رويترز.
ولأن أنماط نفقات الطبقة المتوسطة مختلفة عن الطبقة الفقيرة، فالضغوط عليها تكون كبيرة جدا مع ارتفاع الأسعار، بحسب هويدا.
وتضيف "مثلا الطبقات المتوسطة تصرف على التعليم أكثر من غيرها، لذلك بعد ارتفاع الأسعار شكل الأمر ضغطًا كبيرًا عليها".
حماية قبل الإصلاح
ترى هبة الليثي، أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الحكومة يجب عليها اتخاذ إجراءات مماثلة لحماية الطبقات الهشة أو المتوسطة من الانزلاق للفقر، قبل أن تشرع في اتخاذ أية قرارات إصلاحية جديدة.
وتضيف لمصراوي "ليس معنى الحماية الاجتماعية أن نوزع أموالا على الفقراء فقط، ولكن يجب أن تكون هناك سياسات واضحة لمنع انزلاق الطبقات الهشة أو المتوسطة للفقر، بجانب مهمتها الأساسية في حماية الفقراء".
وتعتبر هبة الليثي أن الدعم النقدي والسلع التموينية، حلًا مؤقتًا، لكنه لا ينهي مشكلة الفقر أو يحمي الطبقات المتوسطة من الانزلاق للفقر.
وتضيف "على الحكومة أن تُحسن من بعض الخدمات حتى ترفع العبء على هذه الطبقات، مع استمرارها في خطة الإصلاح".
وتوضح الليثي أن الحكومة لو حسنت على سبيل المثال خدماتها الصحية أو التعليمية، سترفع عبئًا كبيرًا عن الطبقات المتوسطة والفقيرة التي عانت من ارتفاع أسعار هاتين الخدمتين وتدني مستواهم خلال الفترة الأخيرة.
السيطرة على الأسعار، يجب أن يكون ضمن الحلول التي تقدم عليها الدولة لحماية هذه الطبقات، وفقا لهبة فـ "الدولة كان لا بد أن تسيطر على الأسعار أكبر من كده علشان الأسعار ما ترتفعش بشكل كبير".
وتنصح الليثي الحكومة بأن تستخدم جزءًا من الوفر الذي تخطط الحكومة له في دعم الطاقة والكهرباء خلال العام المالي الجاري لتوجيهه لحماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة ورفع مستوى الخدمات المقدمة لهم.
ما يأمل فيه "علي" الآن أن تتخذ الحكومة خطوات أكبر للسيطرة على التضخم في الأسعار في أعقاب أي قرار اقتصادي مرتقب "لأن المرتب إللي كنت محسود عليه مبقاش يكفي"، وفقا لقوله.