الحكومة تنذر سكان «الأسمرات» بالطرد.. والأهالي: «رجعونا بيوتنا»
أخبار مصرية | .tahrirnews
الاربعاء ٢٥ ابريل ٢٠١٨
«الدفع أو الطرد».. شعار عام رفعته الحكومة هذه الأيام في مواجهة مئات المنتفعين من مشروع الإسكان الاجتماعي بحي «الأسمرات» الواقع في منشية ناصر، غرب القاهرة المعروف باسم «تحيا مصر»، بعد أن رفض الأهالي تسديد قيمة الإيجارات المتأخرة عليهم للوحدات السكنية التي تم تسكينهم فيها قبل 8 أشهر.
يضم المشروع السكني ما يقرب من 18 ألف وحدة سكنية تم تمويلها من خلال صندوق «تحيا مصر»، بالتعاون مع محافظة القاهرة والهيئة الهندسية للقوات المُسلحة وفي سبتمبر الماضي تم افتتاح المرحلتين الأولى والثانية من المشروع ونقل سُكّان المناطق العشوائية الخطرة وغير المُخططة بمحافظات القاهرة الكبرى إلى مدينة «الأسمرات» الجديدة.
«بلوكات» سكنية متجاورة، في كل منها نحو 10 عمارات سكنية، يزداد عددها أو يقل حسب التصميم الهندسي وفي كل عمارة 6 أدوار، جميعها بها ست شقق بنفس التصميم والمساحة، التي تبلغ 62 مترًا مكونة من غرفتَي نوم، وصالة صغيرة ومطبخ وحمام.
إنذار بالطرد
في سبتمبر الماضي تسلم الأهالي وحداتهم السكنية الجديدة على المفتاح من المحافظة وهي تشتمل على جميع الأجهزة الكهربائية والأثاث وغرفتي نوم وأطفال وسجاد ومطبخ وسخان بأنبوبة الغاز وغسالة كهربائية وثلاجة 10 قدم وبوتاجاز، ولكن بمرور الوقت سرعان ما تبدل الحال داخل المدينة الجديدة التي تحمل اسم «تحيا مصر» وتحولت المساكن إلى ما يشبه العشوائيات، والتكسير يملأ الطرقات وانطفأ ذلك الشعور الشعبي القديم الذي كان يحمل مظاهر البهجة والإشادة بجهود الدولة المضنية لإنقاذ سكان العشوائيات من مصير -تراه الدولة- غير آدمي كان يدفعهم نحو الانحراف الأخلاقي والعشوائي ويضر بصحتهم إلى المواجهة مع الدولة والخروج في تظاهرات احتجاجية رافضة وغاضبة مما وصفوه بـ"التهديد" لهم على ترك وحداتهم التي تسلموها بدلا من منازلهم العشوائية التي تركوها لخطورتها عليهم. تهرب عدد كبير من دفع القيمة الإيجارية المستحقة عليهم مقابل الشقة الجديدة والتي تُقدر بـ300 جنيه شهريا، ومطالبتهم بدفع الإيجارات بأثر رجعي منذ تسلمهم تلك الوحدات في سبتمبر الماضي وإلا كان مصيرهم الطرد والتخييم في الشارع.
«التحرير» كان هناك داخل مقر مشروع «الأسمرات» السكني، والتقى عن قرب عددا من السكان، المهددين بالطرد والإخلاء لعدم سدادهم الإيجارات المتأخرة، والوقوف على أسباب رفضهم.. وتضم المرحلتان الأولى والثانية من «الأسمرات» نحو 140 محلا تجاريا، موزعة على «البلوكات» السكنية المختلفة.
الأهالي يتضررون
عند وصولنا تجمع الأهالي حولنا حين رأوا الكاميرا التي تلتقط صورا للمشروع وقاطنيه.
«كنت بادفع 20 جنيه في الشهر ودلوقتي عاوزين يدفعوني 300 جنيه».. يحكي المواطن الستيني محمد أحمد السيد، موظف على المعاش جزءًا من المعاناة بعد أن ترك منزله السابق الذي ولد وعاش فيه لسنوات طويلة داخل منطقة المواردي في حي السيدة زينب للعيش هنا منذ شهر سبتمبر الماضي و"منذ انتقالي لم يطالبني أي مسؤول بإيجار".
خلال الأسبوع الماضي فوجئ ابن السيدة زينب بمطالبته بدفع قيمة الإيجار بأثر رجعي، منذ تسكينه في حي «الأسمرات» والتي تزيد على ألفي جنيه، بالإضافة إلى 1515 جنيهًا فوريا لدخول الغاز، وهو ما لا يستطيع تحمله مع نفقات ابنتيه، إحداهما متزوجة وتقيم معه بالشقة والثانية في الدراسة، وأنه لن يدفع ذلك المبلغ الذي يراه كبيرًا مقارنة بما كان يسدده في مسكنه القديم، بدعوى أن تشطيب الوحدات التي انتقل إليها غير جيدة و«أي كلام».
عند تسليم الحكومة تلك الوحدات السكنية للأهالي لم تمنحهم أية أوراق رسمية تفيد ملكيتهم لها باستثناء إيصال حق الانتفاع «الوصل الأحمر» الذي تسلمه كل منتفع بالمشروع، وذلك بعد سداد 4 آلاف و270 جنيهًا قبل التسليم.
آلاف أسرة قادمة من المناطق الخطرة 8
أكثر من 8000 أسرة مصرية تقطن الحي الجديد قادمة من مناطق متفرقة (مثلث ماسبيرو، ومنشأة ناصر، والدويقة، وعزبة خير الله، وإسطبل عنتر وغيرها من المناطق الخطرة)، وتسلم المنتقلون وحدات سكنية مفروشة.
وانحصرت مطالب السكان في تخفيض قيمة الإيجار الشهرية لتكون 100 جنيه مع تقسيط قيمة الغاز، نظرًا لأن عددا كبيرا منهم يعيشون فقط على معاش الضمان الاجتماعي بـ360 جنيهًا مع مدّ فترة السداد لعدد من السنوات لتتراوح بين 5 أو 10 سنوات على أقصى تقدير وتكثيف الأمن على المشروع.
تنتظر ماجدة مسعد أحمد، على سلالم عمارة تحمل رقم 54 بمربع النخيل، وهى التي تركت بيت والدها التمليك في منطقة إسطبل عنتر، وانتقلت مجبرة إلى حي «الأسمرات» وتتساءل في تعجب: لماذا أدفع 300 جنيه مدى الحياة وأنا قادمة من بيت لم أكن أدفع به جنيهًا واحدًا؟، مطالبة بأن تجدول القيمة الإيجارية على عدد من السنوات ولتكن 5 أو 10 سنوات على أقصى تقدير، بخلاف تخفيض قيمة الإيجار، مناشدة المسؤولين إلغاء بند أن الشقة لا تورث، حتى يتمكن نجلها بعد وفاتها من أن يرث الشقة.
تزداد معاناة الأهالي حسب ماجدة، في عدم وجود سوق للخضار بالمدينة ومن ثم فإن أي سيدة تحتاج لشراء خضراوات عليها أن تستقل وسيلة مواصلة بـ3 جنيهات ذهابا وعودة لمدة نصف الساعة، أو تتحمل مشقة السير على الأقدام لمدة ساعة كاملة على الأقل، فضلًا عن أن الحي بمرحلتيه الأولى والثانية يخدمه فرن عيش واحد، والمعاناة مستمرة مع أنابيب الغاز وإعادة استبدالها، تقول: "ذل وقلة قيمة ومهانة من العمال تخيل لما أمك تشيل أنبوبة على راسها مسافة 500 أو 600 متر علشان تغيرها وقت ما العربية تييجي.. ده يرضي ربنا".
رجعونا بيوتنا
قطعت الحديث سيدة أخرى تُدعى صفاء على محمد، وهي أم مُطلقة لأربعة أبناء انتقلت إلى شقة بالدور السادس في المشروع بعد أن كانت تقيم بمنزل تمليك مكون من دورين وتحصل على معاش الضمان الاجتماعي بقيمة 320 جنيها.
بعبارات حزينة تتذكر حياتها السابقة وتقول إنها إذا سددت الـ300 جنيه ثمن إيجار الشقة التي تطالبها بها الحكومة سيتبقى لها ولأبنائها الأربعة 20 جنيها فقط، ومن ثم اضطرت للعمل في تصنيع الأحذية من أجل سد حاجة ذويها بعد أن كانت "متستتة في ملكها" على حد قولها، ورفضت الدفع قائلة: "هجيب منين؟"، واختتمت كلماتها بـ"لو عاوزين الإيجار.. يرجعونا بيوتنا التمليك وياخدوا شققهم الإيجار".
خلود محروس طالبة بكلية الحقوق، وتقطن بشقة بحي الأسمرات انتقلت إليها في شهر سبتمبر الماضي، تعيش برفقة أمها وأخيها، لافتة إلى أنهم تلقوا خطابا بدفع الإيجار المتأخر أو الطرد خلال اليومين الماضيين، ولا مفر من الدفع، هذا بخلاف المعاملة السيئة من قبل رئيس الحي ومعاونيه للأهالي، كونهم يوصلون لهم إيحاء بأن سكان الأسمرات "وباء" -على حد قولها- تم استقطاعه من جسد المجتمع.
عقد انتفاع
غالبية من يقطنون حي «الأسمرات» من أرباب المهن الحرة و"الأرزقية" وعمال اليومية و"الفواعلية" وقبل التسلم وقع أسر «المناطق الخطرة» على عقود حق انتفاع للوحدات التي انتقلوا إليها في «الأسمرات»، في حين وقعت عائلات مثلث ماسبيرو على عقد تمليك شخصي، والطرفان ملزمان بسداد 300 جنيه شهريا مقابل الوحدة السكنية.
احتجاجات غير مبررة
في المقابل وصف اللواء محمد عبد التواب، نائب محافظ القاهرة للمنطقتين الشمالية والغربية، أن احتجاجات سكان حي الأسمرات غير مبررة، فالقيمة الإيجارية الشهرية التي يدفعونها زهيدة للغاية -300 جنيه- بالمقارنة بتكلفة الوحدات السكنية، بخلاف الأثاث، والأجهزة.
وأضاف، مافيش حاجة ببلاش.. ولازم يدفعوا علشان يحسوا بقيمة الحاجة"، خاصة أن القيمة التي يدفعها السكان يتم استغلالها في أعمال الصيانة والتجميل، من أجل استدامة الخدمات الموجودة بالمشروع.
ومن جانبه طالب المهندس خالد صديق، المدير التنفيذي لصندوق تطوير العشوائيات لسكان حي الأسمرات بالاستمرار في دفع القيمة الإيجارية، وذلك لمصلحتهم حتى تستمر الدولة في تقديم الخدمات بجودة مرتفعة، وصيانة المرافق في سبيل الحفاظ على مستوى حياة جيد للمواطنين.
المرحلة الأخيرة
كما تفقد المشروع اليوم كل من الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، يرافقه الدكتور عاصم الجزار، نائب وزير الإسكان للتخطيط العمرانى والتطوير الحضري، والمهندس خالد صديق، المدير التنفيذي لصندوق تطوير المناطق العشوائية، بعد الانتهاء من تنفيذ 7440 وحدة سكنية، بمشروع الأسمرات 3، الذى يتم تنفيذه بمنطقة المقطم.
وأضاف أنه يتم تنفيذ 7440 وحدة بمشروع الأسمرات 3، ومن المقرر الانتهاء من تنفيذها نهاية يونيو المقبل، للبدء فى تسكين المستحقين بها، موضحا أن العمارات تتكون من أرضي و9 أدوار متكررة، وتحتوي كل عمارة على 60 وحدة. وكلف الوزير بسرعة صرف أى مستحقات مالية للانتهاء من أعمال تنسيق الموقع، والتشطيبات وكذا المبانى الخدمية بأقصى سرعة.
مكتمل الخدمات
وأوضح المهندس خالد صديق، المدير التنفيذي لصندوق تطوير المناطق العشوائية، أنه يوجد بالمشروع 176 محلا تجاريا متنوع الاستخدام، بجانب تنفيذ عدد من المبانى الخدمية، ومنها (4 ملاعب متعددة الأغراض وملعب كرة قدم، وحماما سباحة، ومبنى اجتماعى، وحديقة أطفال، و4 حضانات على مساحة 460 مترا لكل حضانة، و4 وحدات صحية بالمساحة نفسها، وساحة انتظار سيارات تسع ألف سيارة، ومخبز ينتج مليونا و250 ألف رغيف يومى)، علاوة على إنشاء مسجد وكنيسة لخدمة أهالي المنطقة.
وطلب المهندس اللواء هاني شنيشن، مدير مديرية الإسكان والمرافق بالقاهرة، من وزير الإسكان ضرورة إضافة نحو 350 مليونا لميزانية المشروع، حتى يتم الانتهاء من المشروع قبل يونيو المقبل، مشيرًا إلى أن موازنة المشروع الحالية مليار و400 مليون جنيه، تم صرف ما يقرب من 364 ألف جنيه حتى الآن.