الأقباط متحدون - مصر في إجازة
  • ٢٢:٥٧
  • الخميس , ٢٦ ابريل ٢٠١٨
English version

مصر في إجازة

مقالات مختارة | سوزان حرفي

٠٩: ١١ م +02:00 EET

الخميس ٢٦ ابريل ٢٠١٨

سوزان حرفي
سوزان حرفي

أهلا بك في القاهرة الجديدة، المنطقة التي تم تصميمها لتوفر مساحة أعلى من الخصوصية، ودرجة أقل من التنوع الطبقي، وتم تخطيطها لتكون سكنا ل��لية القوم رجال أعمال وأبنائهم، ومَّن انضم لهم هربا من ضوضاء العاصمة وزحامها، أو طمعا في شوارع واسعة ومرافق جيدة وخدمات عالية المستوى.

وبديهي في منطقة هذا حالها، أن تكون نموذجا يتفادى أزمات المدن السابقة، لكن الواقع لا يحمل فارقا كبيرا، فأمطار مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء جعلتها وساكنيها حديث الخاصة والعامة، فها هي أغلى وأغنى الأحياء تغرق كما غيرها، وتعاني ما تعانيه المناطق العشوائية.

فيها يسقط سقف بأحد أكبر الجامعات الأجنبية وتتسرب لغرفه المياه، ويتهاوى آخر بمركز تجاري فخم ويهرول زواره خوفا، وتنهار إحدى جدران نفق بثاني لا يقل رفاهية، سيارات غرقت في مواقفها، ومجمعات غاصت مداخلها وأخرى أصبحت بركا وأنهارا جارية.

تحولت منازل ومطالع كباري إلى بحار عاتية، تقف السيارات وسائقوها أمامها مفزوعين بلا حول ولا قوة، غير قادرين على اجتياز المانع المائي، فتوقفت الحركة وتكدس الزحام، وحبس كل حيث كان، وساد فزع من الأسوأ، حدوث ماس كهربائي أو سقوط مبنى أو لافتات وأشجار على الرؤوس.

إنها ليلة عصيبة كشفت حجم الفساد وامتداده وتوغله، وغياب الدولة وعدم كفاءة مسؤوليها، لكن ما لا يعرفه إلا قاطني القاهرة الجديدة أنها أزمات يومية، وما يخفف منها أنها أفضل حالا من غيرها، وأن هناك محاولات لتعديل ما يمكن تعديله، إرضاء لساكنيها المهمين وتخفيفا عن ذويهم، على عكس باقي المناطق المهملة والمتروكة لساكنيها يتدبروا أمرهم مع أي جديد.

فالشخص الذي دفع مئات الآلاف لينعم بسكنه يواجه إغلاق الشوارع بشكل دائم، والبحث عن مخارج بديلة سلوك يومي، فالمنطقة تشهد توسعة نهر الطريق مرة بعد أخرى، كما أن أوقات خروج المدارس والشركات الخاصة التي تكدست مقراتها بالتجمع مأساة دائمة، يخوض خلالها حربا للمرور في ظل فوضى لا يحكمها قانون؛ ولا يظهر فيها ممثل للدولة إلا ليغلق الطريق لمرور مسؤول كبير.

وهو ما حدث أثناء كارثة الأمطار، حيث تكرر الغياب نفسه، لا شرطة ولا دفاع مدني، لا مطافئ ولا أجهزة إغاثة، أنت والسماء الراعدة والبرق والمطر، فـ«مصر» في إجازة الاحتفال بـ«تحرير سيناء»، لكن الواقع أنها بأجهزتها ومسؤوليها إجازة منذ عقود عن القيام بواجبها تجاه رعاياها.

ليصبح المواطن لا سند له ولا معين، يدفع وحده ثمن أزمة بلد بإدارته وسياسته ومؤسساته وموظفيه، بلد لا يعنيه إرضاء الشعب ولا التخفيف من أعبائه، بلد مشغول عن هموم مواطنيه بلد لا يعرف آليات البناء للغد، ولا يملك ميزة الاستعداد لأي طارئ أو محتمل، كل حدث بسيط يمثل بالنسبة له مفاجأة، الكثافة السكانية مفاجأة، زيادة أعداد السيارات مفاجأة، ضيق الشوارع وعدم استيعابها للتطور العمراني مفاجأة أخرى، بلد وأجهزته العتيقة ليسا حمل مفاجآت.

من المسؤول؟ سؤال تضيع عنده الإجابات ويضيع في غياهب المجهول، كيف سيتم تعويض خسائر المواطنين؟ سؤال لا محل له أصلا، ولا مجال للتفكير فيه، كيف سيتم علاج ذلك؟ السؤال الأكثر واقعية والأكثر كارثية أيضا.

لا خيار مطروح إلا الهدم والبناء من جديد، أو القبول بأن القاهرة الجديدة كما مثيلتها القديمة، وعلى الطامع في حياة أفضل البحث عن مكان بالعاصمة الإدارية وما حولها من مناطق خيالية الأسعار، ولا ضامن في أن تتلافى نفس الأزمات.

فالأزمات هي تبعات وحصاد عيوب نظام وليس عيوب منطقة، نظام لا يفرق بين غني وفقير، مسؤول أو عامل، يملك أو لا يملك، يعيش بالتجمع الخامس أو بأحد أكواخ العشوائيات، فالجميع عنده سواء في المعاناة، وله من تدني البنية التحتية وسوء التخطيط وغياب الكفاءة، كل حسب نصيبه وحسب مكانه.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع