المطر والفساد
د. مينا ملاك عازر
الأحد ٢٩ ابريل ٢٠١٨
د. مينا ملاك عاز
انتظر من فضلك، لا ترحل سريعاً، فما ستقرأه هنا ليس الكلام المكرر من حيث أن المطر كشف عن منظومة من فساد إداري تسببت في تقليل عدد وسائل الصرف للمطر أو بناء المدن الجديدة على أماكن لا يصح البناء عليها أو أن الرصف سيئ أو أن المسؤولين عن الطوارئ في بلادنا في غيبوبة، أو أن بلادنا ليس بها إدارة للأزمات لسبب بسيط، لأن هؤلاء المفاجئين بهذا كله هم أنفسهم فاسدين، فهل لدينا إدارة جيدة أصلاً حتى يصبح لنا رفاهية وجود إدارة للأزمات؟ هل فوجئتم اليوم بسوء مستوى الصرف والرصف؟ لا بالطبع، فهذا كان موجود ورأيناه في رأس غارب والإسكندرية من قبل، هل فوجئتم يا سادة بأن السيول ليس لها مكان في بلادنا تصرف إليه، وأنها تهدر بلا قيمة ككل قطرات المياه لتي تبكي عليها الحكومة الآن، وتسن لها القوانين بداعي الاهتمام بها، وقيمتها الغالية بعد تورطها وتوقيعها على اتفاقية مبادئ في الخرطوم أضاعت علينا حقوقنا التاريخية بمياه النيل، مش مهم كل ده خلينا في السيول.
حضرتك منزعج بوصفي هؤلاء المتفاجئون بما فعلته وكشفته السيول بأنهم فاسدين، عذراً فلم أجد لفظ يصف صمتهم على الفساد المستشري في البلاد، ورؤيتهم الطرق العديدة الغير مرصوفة جيداً طوال الوقت السابق دون أن يتحدثوا إلا اليوم إلا بأنه فساد.
عذراً، لم أجد وصفاً إلا الفساد ينطبق على من يتحدثون عما جرى بالتجمع الخامس فقط وغضوا البصر عما جرى بالسويس وأسوان والأقصر وغيرها، حتى أن رئيس الرقابة الإدارية لم يتابع ما جرى إلا ما جرى في التجمع، لم ينزل بنفسه ليرى ما جرى إلا في التجمع، بيان الرقابة نفسه لم يصدر إلا عما جرى في التجمع والقاهرة الجديدة، وكأن السيول لم تغمر مكان آخر من قبل، الرقابة الإدارية لم تتحرك فتتابع وتصدر بيان لما جرى في الإسكندرية ورأس غارب من قبل، فكان تحركها الآن وبخصوص التجمع والقاهرة الجديدة فقط مفاجأة مذهلة.
عذراً يا سادة، لا أجد وصف يصف ما فضحه الإعلامي عمرو أديب حين قال أنه لو لم يصدر بيان الرقابة الإدارية بهذه الشاكلة لكان سيخرج علينا يختار ألفاظه وكلماته، يعني أن ما دفعه لقول الحق وكشف المستور - ولعل يشاركه في هذا الموقف الكثير من وسائل الإعلام التي تهادن الدولة وتأخذ التعليمات من جهاتها العليا، وتراضي مؤسسات الدولة، فهذه الدولة المأسوف على شعبها وحالها-هو بيان الرقابة الادارية، المطر يا سادة كشف فساد إعلامنا الموجه بشكل أو بآخر، نعم كنت أعرف أن هذا جاري ويجري، ولكن كنت أظنه بتعليمات مباشرة لكن الآن اتضحت لي كيفية قراءة الإعلاميين المصرين لموقف من خلال موقف الدولة، فالدولة لا تستعني أن توجههم كما كنا نظن، فقط هي تفعل وهم يطبلون على نفس رتم تطبيل الدولة وبنفس وقع إيقاعها.
المختصر المفيد المطر كشف فساد إداري، وضميري وإعلامي وإنساني وللأسف كنا نعرف أن هذا الفساد موجود، لكننا لا نعرف أنه منظومة تكشف عن الجزء الفاسد الذي فقط تريد الكشف عنه، وأننا أمام تمثيلية كبيرة لا تتحرك وتخرج عن النص إلا إذا مُس علية القوم.