بقلم: إسحق إبراهيم
في كل دول العالم المتحضرة يقدم الوزير استقالته عندما يخفق ويفشل في تنفيذ سياسيته، وكذلك عندما يحدث فساد في الوزارة التي يتولى إدارة شئونها، فهناك مسئولية تضامنية يتحملها الوزير باعتباره المسئول الأول في وزارته. وأمتدت هذه الثقافة في دول مجاورة فمنذ أيام قليلة قدم وزير التجارة العراقي "عبد الفلاح السوداني" استقالة على خلفية الادعاءات باتساع نطاق الفساد في الوزارة، وقبلها استقالت الحكومة الكويتية بسبب تقديم استجوبات في مجلس الأمة تدينها.
لكن لم يؤمن الوزراء وكبار المسئولين في بلدنا حتى الآن بهذه الثقافة، فالفساد موجود وينخر في الإقتصاد المصري دون رادع، وإن اكتشف تبرأ الجميع منه ليتم تقديم كبش فداء غالبًا من صغار الموظفين، وبالطبع محاكمة الوزارء وهم في مناصبهم حلم ما زال بعيد المنال.
أمس وجّه النائب العام المستشار عبد المجيد محمود صفعة قوية لوزيرين بالحكومة كانت كفيلة بإسقاط الحكومة، كشف النائب العام عن التحقيقات في صفقة القمح الروسي الفاسد وطالب بإعادة شحنة القمح الروسي الفاسد ورد قيمته للدولة. وصرح النائب العام أن التحقيقات قد كشفت عن الإختلاف في تقرير اللجنة المنتدبة من النيابة العامة لفحص محتويات الصفقة لبيان مدى صلاحيتها للاستعمال الآدمي مع تقارير وزارة الصحة والحجر الزراعي بشأن نسبة الحشرات والشوائب والمعادن الثقيلة في القمح، تحقيقًا للصالح العام وتأكيدًا على أن صلاحية غذاء الإنسان هو أمر يجب أن ينطوي على أدنى احتمالات بشأن سلامته.
وأمر النائب العامة بتكليف مسئولي شركة "التجار المصريين" بإعادة تصدير الشحنة البالغ كمياتها 52.5 ألف طن قمح إلى خارج البلاد ورد قيمتها البالغة 9.6 مليون دولار إلى الهيئة العامة للسلع التموينية، والتي سبق للمستورد أن قام بصرفها من حساب الهيئة العامة للسلع التموينية. كما أمر النائب العام بتشكيل لجنة من الإدارة العامة لشرطة التموين ومندوبي الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات والحجر الزراعي وأحد أعضاء اللجنة التي سبق وأن أمرت النيابة العامة بتشكيلها، للمتابعة والإشراف على جميع إجراءات إعادة الشحنة، والتأكد من إعادة تصدير القمح السابق استيراده خارج البلاد، مع استمرار النيابة العامة في تحقيقاتها.
بطبيعة الحال لا يأكل الوزيران "رغيف العيش" الذي يُصنّع من هذا القمح الفاسد، ومن ثم دافع وزيرا التجارة والصناعة والتضامن الإجتماعي عن الصفقة بضراوة وأكدا أنها لا تضر بصحة المصريين، ثم كشف تحقيقات النيابة عكس ذلك، وكان على الوزيرين أن يقدما استقالتهما أو تتم إقالتهما؛ لكن لأننا في بلد لا يُحاسب فيها المسئولين فقد اكتفى وزير التجارة بالتفضل والتكرم بعدم شراء القمح مرة أخرى من شركة المصريين التي استوردت الشحنة، ولم يعلن عن معاقبة الموظفين الذين سمحوا للقمح بالدخول وما أسباب اختلاف مواصفات شحنة القمح المعتمدة من أجهزة الوزارة عن تلك التى اعتمدتها النيابة العامة؟ وما يضمن عدم حدوث هذا الفساد من قبل في صفقات أخرى؟