أنا ومحمد صلاح ..والهتيفة!
مقالات مختارة | مفيد فوزي
السبت ٥ مايو ٢٠١٨
زمان، ونحن صغار.. كنا نشجع فريق المدرسة الأميرى لكرة القدم حين يتقابل على أرض نادى بنى سويف مع فريق مدرسة الأقباط أو فريق مدرسة الصنايع، كنا نهتف: «يا محنى ديل العصفورة والأميرية هى المنصورة»، ثم تطور الهتاف من الكرة إلى الشأن العام، هتفنا «مصر والسودان لا ينفصلان»، وهتفنا «اليوم حرام فيه العلم» ولما كبرنا لم نعد نهتف «اليوم حرام فيه العلم»، فالعلم هو العلم ولا يخصع للحلال أو الحرام، فالعلم حلال الشعوب، فهو صانع وعيها ووجدانها وبانى نهضتها.
ذات مظاهرة، سرت إشاعة بين طلبة المدرسة أن اللواء أحمد الحدأة حكمدار بنى سويف أمر بضرب حامل العلم الذى يتقدم المظاهرة، وكبرت الإشاعة عن طريق نقلها فى المدارس والمواصلات والقطارات وخرجت أكبر مظاهرة تهتف «يسقط الحدأة عدو الطلبة» وانفعل الهتيفة فأخذوا يصرخون «الموت الموت للحدأة».
فى المساء كنت أجلس مع المحامى الكبير يواقيم غبريال عضو لجنة الدستور الذى ألقى بقنبلة حين قال «اللواء الحدأة بره مصر من تلات أشهر يعالج فى ألمانيا ولا يزال يعالج من مشاكل فى العمود الفقرى»!!.
وشعرت بخجل، فقد كنت واحداً ممن يرددون الهتاف، وقد طرحت سؤالاً على الأستاذ يواقيم: كيف نتحقق مما تقول؟ فقال: إنه مطلوب للشهادة أمام المحكمة فى قضية أترافع فيها وقد تأجلت القضية خمسة شهور لغياب الشاهد بسبب سفره للعلاج!!. همست لنفسى: ماذا لو صارحت زملائى «الهتيفة» أننا كنا نطلب الموت لرجل يعالج خارج حدود مصر؟. وقلت لنفسى إنهم سوف يصفوننى بالخائن والعميل؟! آثرت الصمت، فليس من السهل إقناع المجموع بالعقل، وعرفت أن الإشاعة وجدت مناخا من الارتياح لأن اللواء الحدأة اشتهر بالحسم وأنه «حقانى ولا يجامل». إن سريان الإشاعة يعتمد على مخاطبة المشاعر ويلعب على وتر التعذيب الشرطى للضحية ويسبق هذا اختراع أو تأليف أو سبك حدوتة أو سيناريو مفبرك وهمى لا أساس له من الصحة، إنما عملية «اختلاق» من الألف إلى الياء تردد دون تبيان أو إيضاح، هكذا منهج الغوغائية وذلك هو بالضبط ما يفعله فى زماننا من نطلق عليهم «ميليشيات الفيس بوك» وهم الإخوان الذين يسوؤهم استقرار مصر أو نجاحاتها السياسية وآخرها «العودة إلى الجذور» مع قبرص واليونان أشقاء البحر الأبيض المتوسط. هذه الميليشيات «تخترع» أحاديث وتصريحات تنسب إلى من يريدون بهدف نشوء معارك تفسد الصفاء وتعتدى على القيم ولا مانع من الانحطاط فى التعليقات فهو بهتان فى بهتان وحكاية منسوجة من الكذب ومطلية بالتزوير والهدف انشغال الرأى العام بها و«الشنكلة» المطلوبة!.
■ ■ ■
أكتب هذه السطور لعقلاء يقرأون الحكايات الإلكترونية بوعى وفهم دون أن يصدقوا «افتراءات» الميليشيات الممنهجة بإتقان شديد وهو إحدى أدواتهم!. أكتب لعقلاء لا يصدقون كل ما يقال على ساحة الباطل، هؤلاء يطلبون الدليل والبرهان قبل أن يستمروا فى القراءة والشحن السلبى. إن العقل هو «المصباح» الذى نكشف به الحقائق، أن ناس مصر عاطفيون يصدقون بسرعة ونياتهم طيبة ولهذا تلعب القنوات الكارهة لمصر على أوتار معينة، لقد شعرت هذه القنوات أن لنا «ابناً مصرياً» قد تفوق عالمياً اسمه محمد صلاح، وأنا من الذين حذرت من لوثة الفرح بمحمد صلاح وقلت إننا رفعنا محمود الجوهرى فوق ثم هبطنا به سابع أرض فالجماهير الكروية لا عقل لها، وقد قالها كابتن محمد لطيف «الكرة اجوان»، قلت فى التليفزيون: أنا أخاف على محمد صلاح من الفشل المحتمل وأتمنى أن يكيد الأعداء ويظل نجمه فى السماء.
لم أكتب عن محمد صلاح سوى فى هذا السياق ولم أقل أكثر من ذلك ولم أنطق بكلمة عنه أو عن هيئته أو عن حجاب زوجته الفاضلة ولم أنطق حرفاً عن تحضر إنجلترا! فجأة، وجدت السباب الرخيص يلاحقنى لأنى تكلمت فى كيت وكيت وأشدت بتحضر الإنجليز مع أنى «أساساً معنديش عدة تليفون علشان التليفونات تحاسبنى» على حد قول عادل إمام فى «شاهد ماشفش حاجة»!!.
أنا بالضبط شاهد مكتبش حاجة ولا نطقش كلمة عن محمد صلاح ولكن الغوغائية كانت المحرك ولا يخفى على الأذكياء هدف فبركة الكلام على لسانى لأنهم يرون أنى أقلل من قيمة أم كلثوم وأشيد بفيروز وماجدة الرومى «القبطيتين»؟!، من غير الكارهين لنا ولأنفسهم يبرز هذا المعنى؟. ولأن الموضوع لا يبعد عن سيكولوجية الهتيفة أى الهتاف دون عقل وترديد أصوات نحاسية، كان لابد من «كعبلة»، لكنى تصديت وقلت ما أعتقد فى نفس الدقيقة وأنا عائد بسيارة قادمة من المطار، وقلت: يا مهابيل ما مختلى العقل يا كارهين لأنفسكم تحققوا أولاً إذا كتبت أو قلت شيئاً عن «مو صلاح»، لكن هذا لا يعنيهم المهم إثارة فتنة ما، المهم خلق تيار عداء فى المجتمع، المهم وجبة نكد!.
الهتيفة هم ببغاوات يرددون وراء واحد صوته ضفدعى ما يقوله، فهم يحرصون على إثارة «حالة من الجدل العقيم» تهدر وقت المصريين. وأعتقد أن وزير الشباب خالد عبدالعزيز من الذكاء والعقل والمقدرة على احتواء كل ما يمس محمد صلاح فى الوسط الرياضى، وأعترف أنى أجهل ما يشكو منه محمد صلاح، ولا أحب أن أطيل فى الموضوع ولن أعود إليه مرة أخرى، فقط أقول: «لقد أتحفنا الله بمحمد صلاح، فالناس جعانة فرح، وصلاح هو رزق».
■ ■ ■
هناك «هتيفة» تخصصوا فى التزيين لقرار ما حتى ولو كان مؤذياً لفئة من المصريين، هناك هتيفة ينتشرون فى الحوادث الفردية للتهويل، هناك هتيفة يحملون إشاعات يملأون بها الأسواق لتصل إلى أكبر عدد من الناس بهدف نشر الإحباط، هناك هتيفة يرقدون فى الذرة أى فى المؤسسات والشركات وبعض مفاصل الدولة يشككون فى أى إنجاز، بعضهم يفعل ذلك بهوى يؤمن به وبعضهم «مأجور».
■ ■ ■
أرقب باهتمام ما يجرى من إعادة ترتيب بيت الوفد برئاسة أبوشقة الوطنى المعتدل، لتكون معارضة أمينة، فالنظام السياسى السليم، المعارضة جزء أساسى منه بل قاعدة انطلاق، ولن يعود بلدى إلى غوغائية الهتيفة، ذلك أمل مرتبط برفع منسوب الوعى، وعى المصريين الذى راهن عليه السيسى فى أشد الفترات حرجاً من تاريخ مصر.
نقلا عن المصري اليوم