الأقباط متحدون - الكنيسة .. صراع أم مخاض ميلاد؟
  • ٠٨:٠٠
  • الخميس , ١٠ مايو ٢٠١٨
English version

الكنيسة .. صراع أم مخاض ميلاد؟

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

٣٥: ٠٧ م +02:00 EET

الخميس ١٠ مايو ٢٠١٨

الكنيسة .. صراع أم مخاض ميلاد؟
الكنيسة .. صراع أم مخاض ميلاد؟

لست هنا بصدد تأريخ ورصد مسيرة قداسة البابا شنودة الثالث، فهذا أمر يحتاج إلى فريق عمل وجهد وإمكانات يتجاوزانى، فقط ما اسعى إليه محاولة فهم ما يحدث بيننا اليوم من مواجهات بين فرقاء فى الكنيسة، تشكلت رؤيتهم، باختلاف مواقفهم، فى حبريته، اسقفاً وبطريركاً، وربما قبل ذلك حين كان علمانياً، مشتبكاً مع الشأن الكنسى والقبطى، قبل أن يكون مؤثراً فيه، بل وفاعلاً فى كثير من أحداثه، لذلك كان الإقتراب من أبرز ما تحمله مسيرته أمراً ضرورياً.

ولعلنا نتفق أن قداسته تجاوز كونه شخصية دينية رفيعة المقام والقيمة ليصير شخصية عامة كانت لها تأثيرها فى الشأن العام المحلى والإقليمى والدولى، وشهد تحولات حادة فى الدوائر الثلاث، فقد كانت بدايات اشتباكه مع قضايا الكنيسة والمجتمع العام والسياسى، والعالم يموج بتفاعلات وأجواء الحرب العالمية الثانية، والثورة الصناعية تعصف بتداعياتها ما استقر فى المجتمعات التقليدية، ويرحل بينما الثورة الرقيمية تعصف بكل ما استقر بفعل الثورة الصناعية، وبينهما يعاصر تقلبات الحالة المصرية، والتغيرات المتتالية من مناخات شبة ليبرالية إلى حكم الفرد وطموحات لم تسعفها امكانات المرحلة، ثم الإنقلاب عليها وصعود تيار الإسلام السياسى فى سياق اقليمى ودولى مرتبك، وكان الأقباط والكنيسة فى القلب من هذا كله، ما بين المغازلة والتحييد والإقصاء والإستهداف، وتتفق الإرادات على اختزال الأقباط فى الكنيسة واختزال الكنيسة فى الإكليروس واختزال الإكليروس فى البابا البطريرك. بحسب وصف الدكتور ميلاد حنا الذى اقترب حيناً من دوائر الدولة والكنيسة، وطالته اعتقالات سبتمبر 1981.

وبالتوازى يختزل الوطن فى النخبة السياسية التى تنتهى إلى نخبة حاكمة، بذهنية عسكرية متريفة، بتعبير المحلل والباحث السياسى نبيل عبد الفتاح، رئيس مركز الدراسات التاريخية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام سابقاً، وينتهى الأمر إلى اختزال النخبة الحاكمة فى الرئيس، وربما كان الإختزالان وراء الصدام المدوى بين الرئيس السادات والبابا شنودة، والذى بدأت بوادره مع احداث الخانكة الطائفية 1972 وانتهت بقرارات 5 سبتمبر 1981 ومن بينها إلغاء قرار رئيس الجمهورية بتعيين الأنبا شنودة بابا وبطريركاً للكنيسة القبطية، وما ترتب عليه من اجراءت التحفظ عليه خلف اسوار دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون.
:::::::::::::::::::::::::::::::::
كانت البداية مع قرار الملك فاروق قبيل حرب 1948، بإلحاق طلاب الفرق النهائية بالجامعات المصرية فى دورة تدريبية عسكرية بكلية الضباط الإحتياط، وفيها يلتقى الشاب نظير جيد المتغرب بأحد الشباب وكان خادماً بمدارس الأحد بكنيسة الأنبا انطونيوس بشبرا، ذلك الحى القاهرى العريق، والذى يدعوه لمشاركتهم الخدمة بالكنيسة، وفيها يلمس الشباب طاقات القادم الجديد الإيجابية، وتظهر بصماته على ترتيب الخدمة والتواصل النشط مع المخدومين، ويكتشفون فيه متحدثاً مفوهاً ولماحاً لا تنفذ طاقته، لتصل أخباره إلى الأرشيدياكون حبيب جرجس، فيلتقيه، ويسند إليه مهام خدمية تنظيمية عديدة، ويضمه إلى الدائرة المقربة منه، ثم إلى اللجنة العليا لمدارس الأحد، وحين تصدر مجلة مدارس الأحد يصبح الشاب الواعد "دينامو" المجلة، كاتباً ومديراً، ثم يصير رئيساً لتحريرها، كما سبق وبينا (راجع مقال "محاولات مبكرة للخروج" فى هذه السلسلة.).

فى نقلة نوعية تالية، يقصد الدير طالباً للرهبنة (1954)، تدفعه خبرتان، الأولى التصاقه بشاب سبقه الى الرهبنة، قبل نحو سبع سنوات (1948)، الأب متى المسكين، والذى أشار إليه فى كتابه الأول (إنطلاق الروح)، والذى نشر كمقالات فى مجلة مدارس الأحد، وقبل أن تصدر فى كتاب كانت يداه تطرق باب الدير للرهبنة، والثانية كانت تجربتان خاض اصحابهما محاولتان منفصلتان لإصلاح الكنيسة ـ من وجهة نظرهم ـ لكنهما مُنيا كلاهما بالفشل، كانت إحداهما حين اتفق شباب مدارس الأحد، وكان هو ضمنهم، على الدفع باستاذهم حبيب جرجس للرسامة مطراناً للجيزة بعد خلو كرسى المطرانية، (1949)، وجندت مجلة مدارس الأحد صفحاتها حينها للتأكيد على أن الكنيسة تجيز رسامة علمانى لهذا الموقع، بينما لا تسمح بانتقال اسقف من كرسيه إلى أخر، وهى معركة امتدت لمنصب البطريرك، لكنها حسمت لغير صالحهم، وكانت التجربة الثانية ما أقدم عليه شباب جماعة الأمة القبطية، من اقتحام لدار البطريركية عشية احتفالات ثورة يوليو بمرور سنة على تفجرها، باختطاف البابا البطريرك الأنبا يوساب الثانى والزامه بتوقيع وثيقة تنازل عن موقعه، وايداعه أحد اديرة الراهبات بمصر القديمة، فترتج المدينة والكنيسة والدولة ، ويعود البطريرك إلى كرسيه، ويتم القاء القبض على الشباب ويقدموا لمحاكمة فيتوسط البابا لدى الحكام الجدد وينجح فى مسعاه بالإفراج عنهم.(للمزيد عن جماعة الأمة القبطية راجع : [ كتاب "العلمانيون والكنيسة ـ صراعات وتحالفات" فصل "جماعة الأمة القبطية ـ حلم أم كابوس؟] للكاتب.).

لم ينجح "الحمائم" ولم ينجح "الصقور"، فكلاهما لم يكن يدرك طبيعة المؤسسة العتيدة والعريقة، ولا مسار التغيير فيها، والذى يبدأ بعيداً عن صخب المدينة وآليات السياسة، هناك من الأديرة، والرهبنة.

لم يكد يكمل الراهب الجديد الأب انطونيوس السريانى (نظير جيد) عامه الثانى بالدير إلا ويرحل البابا البطريرك الأنبا يوساب الثانى، فيبادر بالتقدم للترشح للكرسى البابوى (1956)، وكذلك يفعل الأب الراهب متى المسكين، وتلوح فى الأفق رياح التغيير، وترتج الكنيسة والدولة، مجدداً، كلاهما يتوجس خيفة من شباب الرهبان، وإن اختلفت الأسباب ما بين الدولة والكنيسة، فالأولى تخشى من تطلعاتهم وثوريتهم التى شهدتها اروقة الكنيسة ومقالات مجلة مدارس الأحد، وهم من نفس جيل ضباط يوليو، بينما الثانية التى يحكمها شيوخ المطارنة يرونهم تياراً مناوءاً تشكلت رؤيتهم تحت مظلة مدارس الأحد، يسعون لتغيير ما استقر فى الذهنية القبطية الكنسية، ويحركون تخوم الآباء، ولعل هذا يفسر توافق الدولة والكنيسة على تعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك لتصدر فى 1957 وقد تضمنت شرطين فيمن يحق له الترشح للكرسى البابوى؛ ألا يقل سن المرشح عن اربعين عاماً وألا تقل مدة رهبنته عن خمسة عشر عاماً، فيستبعد كل الشباب من قائمة المرشحين إجرائياً.

اللافت أن كل الأطراف بما فيهم الشباب ـ شباب الرهبان ـ يتفقون على الدفع بإسم الراهب مينا المتوحد، إذ رأت فيه الدولة شيخاً مسالماً ليست له طموحات أو توجهات سياسية، بينما رأته الكنيسة ومجمع مطارنتها راهبا تقليدياً غير محسوب على تيار بعينه، فيما أعتبره شباب الرهبان مرشدهم الروحى الذى احتضنهم فى خطواتهم الأولى فى الرهبنة، وتأتى القرعة الهيكلية، وهى آلية مستحدثة أضيفت إلى لائحة 57 هذه، لتقع على هذا الراهب، (مينا المتوحد) ليصير البطريرك الجديد الأنبا كيرلس السادس.

كان هناك علمانياً فى الدائرة القريبة من البابا كيرلس السادس، الدكتور المحاسب حنا يوسف حنا، يكاد أن يكون لصيقاً به، لم يكن يأتى على سيرته إلا ويصفه بـ "العظيم عند الله والناس"، وكان فى الوقت نفسه صديقا للرئيس جمال عبد الناصر، يقترح على البابا أن يضم لسكرتاريته إثنين من شباب الرهبان ممن وقفوا وراء دعمه فى مشوار الترشح وحشد الأصوات، فيستجيب البابا ويضم إلى سكرتاريته الأب مكارى السريانى والأب انطونيوس السريانى (1959)، وفى سبتمبر 1962 وباقتراح من الدكتور حنا أيضاً يتم رسامتهما أسقفين، الأول بإسم الأنبا صموئيل اسقفاً عاماً للخدمات الإجتماعية والثانى بإسم الأنبا شنودة اسقفاً عاماً للتعليم (من حديث للدكتور حنا يوسف حنا معى بمنزله بجاردن سيتى.). وتشهد الكنيسة انطلاقة جديدة، ويبدأ اسقف التعليم فى فتح ابواب الكلية الإكليريكية للشعب فى اجتماع اسبوعى منتظم، (الجمعة ثم الأربعاء)، بدأ فى مطعم الكلية وينمو بشكل متسارع فينتقل الى القاعة اليوسابية بالكلية، ثم ينتقل الى الكنيسة المرقسية (مقر البطريركية ) ثم ينتقل الى الدور الأول من الكاتدرائية الجديدة بالأنبا رويس والتى كانت قيد الإنشاء.

ويرد المتابعون نجاح هذا الإجتماع جماهيرياً إلى النقلة التى احدثها فى الخطاب الدينى السائد، وقد تخلى عن اللغة التقليدية المحتشدة بالمحسنات البديعية والمتعالية على المتلقين، لتحل محلها لغة أقرب الى لغة الصحافة، تستعين بطرفة هنا وتعليق لاذع هناك، فضلاً عن غزارة الطرح، وكان لفقرة الأسئلة التى تسبق المحاضرة دور جاذب بايجازها ووضوحها، وأهميتها كمتنفس لكثيرين، وإن تحولت فى مرحلة الى رسائل موجهة ينتظرها رجال السياسة والإعلام للتعرف على توجه الكنيسة فى القضايا المثارة وقتها. وكانت ملكات وقدرات الأسقف واحدة من أهم دعائم ذلك النجاح.

• وفى غضون عام 65 تصدر مجلة الكرازة وتأتى افتتاحيتها تحت عنوان "بدلاً من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة"؛ وتقول بعض سطورها : سنشعل الشموع فى كل مكان، وفى كل مناسبة، وفى كل مشكلة، سنظل نردد عبارة الرب "ليكن نور".
:::::::::::::::::::::
:::::::::::::::::::::
نقول أيضاً إن عملنا الإيجابى لا يمنع مطلقاً أن ندافع عن الحق ونظهره .. لذلك سنقول الحق، ونشهد له فى قوة، ولكننا سنقوله أيضاً فى أدب، وفى اتضاع، وفى حكمة. لأننا إن لم نفعل هكذا لا يرضى الحق عنا، وفى قولنا الحق سوف لا نجامل أحداً ، ولا نتملق أحداً.

إن المجاملة والتملق أضاعا كثيرين، وليسا هما من صفات القديسين.

ونحن حين نعمل، ونعمل من أجل الرب وحده .. سنضع أمامنا حياة آبائنا القديسين وسيرهم العطرة وأقوالهم المقدسة، إننا لا نؤمن بالابتداع فى الدين، وإنما سنسير على الأصول الثابتة التى وضعها لنا الآباء الأولون بإرشاد الروح القدس. كل ما يخالف تعاليمهم سنرفضه، وندعو الناس إلى رفضه، جاعلين أمامنا قول بولس الرسول "إن بشّرناكم نحن أو ملاك بغير ما بشرناكم فليكن محروماً" (غلاطية 1 : 8).

اللافت أن يتصدر كُتَّاب المجلة الدكتور جورج حبيب بباوى الإبن الأثير لدى اسقف التعليم والقريب إلى قلبه ومستودع اسراره، والمؤرخة إيريس حبيب المصرى، والقمص باخوم المحرقى رفيق مشواره منذ زمالتهما فى اللجنة العليا لمدارس الأحد وقد تولى رئاستها بعد رحيل الاستاذ حبيب جرجس، والذى صار فيما بعد الضلع الثالث فى مثلث الأساقفة العموميين باسم الأنبا غريغوريوس اسقف البحث العلمى ومعهد الدراسات القبطية. والقمص شنودة السريانى الباحث التاريخى الكنسى المدقق، وكان باكورة الأساقفة الذين رسمهم قداسة البابا شنودة بعد اعتلائه الكرسى البابوى، برسامته اسقفاً على ايبارشية الغربية باسم الأنبا يؤأنس، (12 ديسمبر 1971) مع رفيقه القمص انطونيوس السريانى والذى رسم اسقفا على ايبارشية البحيرة باسم الأنبا باخوميوس (والذى أختير قائمقام البطريرك بعد نياحة قداسة البابا شنودة الثالث.

كان جورج بباوى، محل اهتمام اسقف التعليم، وقد دفع باسمه للبابا كيرلس السادس لابتعاثه لليونان لدراسة الدكتوراة فى لاهوت الآباء، وكان رفيقه فى رحلاته الخارجية، يذكر حرص الأسقف فى أول زيارة للولايات المتحدة على اقتناء مجموعة كتب الواعظ الأمريكى الأشهر "بيلى جراهام"، الذى كان محل اعجابه، وعكوفه على قراءتها باهتمام.

وحين يرحل قداسة البابا كيرلس السادس يتصدر اسم اسقف التعليم قائمة المرشحين، ولم تعد شروط لائحة 57 عائقاً، وتأتى القرعة الهيكلية بأسقف التعليم بطريركاً، (نوفمبر 1971)، وتعود مجلة الكرازة للصدور مع بداية عام 1974 بعد توقف دام نحو ست سنوات وبضعة أشهر ، بعد صدور عدد اكتوبر 1967. الذى كان بمثابة مواجهة صاخبة مع القصر البابوى حول الكلية الإكليريكية وموقف الديوان البطريركى منها، وقد تصاعدت المواجهة فيصدر أمر من البابا كيرلس لأسقف التعليم بالعودة إلى ديره، فيصدر هذا العدد موضحاً أبعاد الأزمة برؤية الأب الأسقف، وتأتى الإفتتاحية بتوقيعه تحت عنوان "كلمة صريحة : عن الإكليريكية والمعاهد الدينية"، والتى يختتمها بقوله :

• لقد اضطررت متألماً يا اخوتى القراء أن أكلمكم بصراحة بعد صمت طويل، حتى تتدبروا الأمر معنا فى مصير كليتكم الاكليريكية ..

أما انتم يا اخوتى الاكليريكيين، فان كان بسببى قد حدث هذا النوء العظيم عليكم، فأنا مستعد أن ابتعد لكى تهدأ الأمور. أنا مستعد أن أرجع إلى الدير إلى مغارتى المحبوبة فى الجبل، وأقضى بقية أياام غربتى هناك، أريح واستريح "ويكفى اليوم شره" ...

أما الإكليريكية فهى ـ كأى عمل من أعمال الله ـ لابد أن تصطدم بصعوبات ومعوقات. وكأى عمل من أعمال الله، لابد أن تنتصر على الصعوبات والمعوقات.

"ربنا موجود".
يأتى البطريرك الجديد ومعه أحلاماً عريضة وأمامه واقع معاند، ومعه تتكرر متلازمة (الرئيس والبطريرك)، وهى حالة مصرية بامتياز، تحتاج لقراءة متأنية، وتغرى بالتوقف عندها، فالثنائيات تتكرر بامتداد عقود؛ البابا يوساب ومحمد نجيب، والبابا كيرلس السادس وعبد الناصر، والبابا شنودة والسادات، والقائمقام الأنبا باخوميوس والمرحلة الإنتقالية، والبابا تواضروس والسيسى، لكننا نحيلها الى قراءة مستقلة.

فقط نتوقف عند ما يسهم فى عثورنا على إجابة لسؤالنا القائم والدائم، "الكنيسة .. صراع أم مخاض ميلاد؟".

اللافت هو التحولات التى اعترت علاقات قداسة البابا مع كثير من رفقاء الطريق ـ وقد اشرنا إلى ابرزهم ـ بامتداد مشواره الممتد لنصف قرن، والتى انتهت فى أغلبها إلى قطيعة وربما مصادمة، نجد طيف منها فى مذكرات الأنبا غريغوريوس خاصة المجلدات 36 و39 و40، وبعضها فى طوفان الهجوم على الأب متى المسكين ومطاردة وتعقب كتبه، والحملة الشرسة على الدكتور جورج حبيب بباوى وملاحقته باتهامات الهرطقة، فضلاً عن تشويه سيرته، وقد ننتهى فيها إلى أنها، بعيداً عن محاولات شخصنتها، مواجهة بين مدرستين؛ بحسب المرجعية الفكرية إحداها اعتمدت على التحليل العصرى وقد تشكل فى زمن لم تكن المراجع الآبائية متاحة عن لغاتها الأصلية، اليونانية فى أغلبها، فحضرت البدائل الموازية، ونراها فى اجتهادات الأب المؤسس لمدارس الأحد الأستاذ حبيب جرجس، ورعيل المفكرين وفى مقدمتهم حافظ داود (القمص مرقس داود) وشباب جمعية اصدقاء الكتاب المقدس، وأفردنا لهذا المقال السادس من هذه السلسلة "ايقونات علمانية قبطية". وإلى هذه المدرسة ينتمى الأستاذ نظير جيد، بينما كانت المدرسة الثانية تعتمد على "التحليل الأصولى" اعتماداً على كتابات الآباء عن لغاتها الأصلية، والتى تعرفت عليها الكنيسة مع صدور كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" كما بيَّنا فى المقال الثانى عشر " كتاب يصنع حراكاً"، وما تولد عنه من دوائر فى الفضاء البحثى الكنسى وكان ابرزها التيار الذى اسسه الدكتور نصحى عبد الشهيد وبيت التكريس وتطوراته المؤسسية.(راجع المقال الثالث عشر : البناء الصامت).

لكن الأمر لم يكن فكرياً خالصاً بل تداخلت معه عوامل أخرى أوجدتها التشابكات السياسية والصراعات خارج الكنيسة والمواجهات التى كانت ـ ومازالت ـ تتهددها فى مسارها ووجودها.

وهو ما نحيله إلى الجزء الثانى من هذا الطرح فى مقال تال

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع