انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني..أسبابه وتداعياته
د. عبد الخالق حسين
٠٦:
١٢
م +02:00 EET
الجمعة ١١ مايو ٢٠١٨
د. عبدالخالق حسين
أسباب إنسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني كثيرة، وعلى رأسها ما يسمى بـ(عقدة أوباما). فمنذ بدء حملته الانتخابية عام 2015 ركز ترامب هجومه على كل ما حقق سلفه الرئيس السابق باراك أوباما من إنجازات، مثل برنامج الرعاية الصحية التي سميت بـ (Obama Care)، وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران وغيرهما كثير، ووعد بإلغائهما. فمنذ تسلمه الرئاسة راح ترامب يعيد بمناسبة وبدونها، أن الجمهور الذي حضر حفل تدشين رئاسته كان ضعف ما حضره في حفل تدشين رئاسة أوباما، بينما حسب تقديرات الإعلاميين أن الحضور كان يقُدر بنصف الحضور لأوباما. وقد بلغ حقد ترامب على سلفه حداً، وكما نشرت صحيفة الغارديان اللندنية تقريراً جاء فيه "أن استعان مساعدون لدونالد ترامب، بوكالة استخبارات إسرائيلية خاصة بتنظيم حملة "قذرة" ضد أفراد رئيسيين في إدارة أوباما ساعدوا في التفاوض حول الصفقة النووية الإيرانية..."(1)
وأخيراً نفذ ترامب وعده بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران(2)، و الذي تم توقيعه بين إيران وست دول أخرى (خمس دول كبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي: أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا + ألمانيا) في يوم الأحد 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. وحسب هذه الاتفاقية وافقت إيران على تخفيض تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية فقط، وتحت مراقبة دولية، مقابل رفع الحصار الاقتصادي عنها. وقد اعتبر القادة الغربيون هذا لاتفاق رغم أنه لم يكن مثالياً، إلا إنه أفضل ما يمكن تحقيقه بعد عشرة أعوام من المفاوضات المارثونية المضنية. ولم يستغرب أحد أن عارضته إسرائيل والسعودية إلى حد الجنون.
وقد أثار قرار ترامب بالانسحاب من هذا الاتفاق سخط قادة العالم، وبالأخص قادة الدول الخمس الأخرى التي استهجنت هذا السلوك المقرف، إضافة إلى الانتقاد اللاذع من معارضي ترامب في أمريكا وعلى رأسهم الرئيس السابق أوباما، ووزير خارجيته السابق جون كيري. وحسب ما جاء في الأنباء، فقد أصدر الرئيس الأمريكي السابق، أوباما، بيانا مطولا وصف فيه قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران بأنه "خطأ خطير"، ودافع عن الاتفاق الذي تفاوضت إدارته لتحقيقه. وقال "من دون خطة العمل الشاملة المشتركة لتحقيق الاتفاق، كانت الولايات المتحدة ستُترك في النهاية أمام خيار خاسر بين إيران مسلحة نوويا، أو حرب أخرى في الشرق الأوسط".(2)
أما جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، الذي أسهم في التفاوض للتوصل إلى صفقة الاتفاق النووي مع إيران، فقد أصدر بيانا انتقد فيه قرار ترامب الأخير، وقال إن "إعلان اليوم يضعف أمننا، وينقض كلمة أمريكا ويعزلنا عن حلفائنا الأوروبيين".(2)
فقد ورد بيان مشترك للقادة الأوروبيين الثلاثة (ماكرون وميركل وماي)، أن "حكوماتنا تبقى ملتزمة ضمان تنفيذ الاتفاق وستعمل مع جميع الأطراف الآخرين المعنيين بحيث يبقى الأمر على هذا النحو على أن يشمل ذلك ضمان استمرار الفوائد الاقتصادية المرتبطة بالاتفاق للشعب الإيراني". وكذلك أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني من روما أن الاتحاد "مصمم على الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب منه." بينما الرئيس الإيراني حسن روحاني أعلن إلتزام بلاده ببنود الاتفاقية مع خمس دول فقط بعد انسحاب أمريكا". كما ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران إلى الالتزام بتعهداتها بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق. وهذه المواقف الدولية الموحدة في دعم الاتفاقية يؤكد عزلة أمريكا عن العالم وخاصة عن حلفائها الأوربيين.
والجدير بالذكر أنه لم يؤيد ترامب في قراره الخطير هذا سوى إسرائيل والسعودية والإمارت العربية.(3)
باعتراف أغلب القادة السياسيين أن أمريكا بإدارة ترامب هي التي خسرت مصداقيتها أمام العالم، وظهرت بعدم التزامها بقراراتها، لذلك يمكن أن يضر باللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون حول إبرام اتفاق مماثل. لذلك فوجئ العالم بزيارة غير متوقعة للرئيس كيم جونغ أون إلى الصين للتباحث مع نضيره الصيني شي جين بينغ، وعلى الأغلب للتباحث حول قيمة وجدوى أي اتفاق يتم توقيعه مع ترامب.
والسؤال هنا، لماذا أقدم ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ومن المستفيد، وما هي دلالاته؟
السبب الأول وكما أشرنا في المقدمة هو (عقدة أوباما)، أي أن ترامب يريد أن يعارض سلفه على كل شيء، حتى أصبح اسم أوباما هوساً يطارده في يقظته ومنامه.
كذلك يدل هذا الانسحاب على أن إسرائيل هي التي تسيِّر ترامب وإدارته. فقد بقيت إيران تثير الرعب في الرئيس الإسرائيلي بنجامين نتنياهو رغم أنه يعرف جيداً أن إيران لا تريد شن حرب على إسرائيل، وإنما العكس هو الصحيح، أي أن إسرائيل هي التي تشن حرباً على القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، إضافة إلى ضربها للقوات السورية، أي أن إسرائيل تحارب من يحارب الإرهاب في سوريا وهذا يعني أن إسرائيل وأمريكا تدعمان الإرهاب ويستخدمانه لتدمير سوريا ودول المنطقة. وغني عن القول أن هذه السياسة هي جزء من الضغوط التي تفرضها أمريكا وإسرائيل وحلفائهما من
كذلك يدل هذا الانسحاب على أن إسرائيل هي التي تسيِّر ترامب وإدارته. فقد بقيت إيران تثير الرعب في الرئيس الإسرائيلي بنجامين نتنياهو رغم أنه يعرف جيداً أن إيران لا تريد شن حرب على إسرائيل، وإنما العكس هو الصحيح، أي أن إسرائيل هي التي تشن حرباً على القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، إضافة إلى ضربها للقوات السورية، أي أن إسرائيل تحارب من يحارب الإرهاب في سوريا وهذا يعني أن إسرائيل وأمريكا تدعمان الإرهاب ويستخدمانه لتدمير سوريا ودول المنطقة. وغني عن القول أن هذه السياسة هي جزء من الضغوط التي تفرضها أمريكا وإسرائيل وحلفائهما من الدول الخليجية على إيران وسوريا وكذلك العراق، إلى أن توافق هذه الدول على تبني سياسة التطبيع مع إسرائيل.
والمستفيد الآخر والأكثر من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، ودق طبول الحرب هو شركات الأسلحة الغربية وخاصة الأمريكية، وذلك بتخويف الدول الخليجية الغنية من البعبع النووي الإيراني، لشراء المزيد من الأسلحة وإجبار بقية دول المنطقة لتبديد ثرواتها على سباق التسلح بدلاً من استثمارها في التنمية البشرية والازدهار الاقتصادي، وبالتالي غاية أمريكا وإسرائيل إبقاء شعوب المنطقة متخلفة لتتباهى إسرائيل بأنها هي وحدها واحة الديمقراطية المزدهرة في وسط الصحارى الدكتاتوريات العربية المتخلفة.