ليس من قلة الحب بل من قلة الصداقة تصبح الحياة الزوجية غير سعيدة
منوعات | رصيف 22
الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٨
قالها فريدريك نيتشه متحدياً فكرة أن يكون الثنائيون أصدقاء وعشاقاً في آن واحد. فهذا في الظاهر مثالي لكنه في الواقع يعدّ من المستحيلات لدى الكثيرين. لكن هل تساءلتم يوماً عن سبب التباعد بين الصداقة والحب خصوصاً إذا كانت مفاهيم الصداقة هي الأسمى بين العلاقات البشرية، إذ تتّسم بالصدق، والقدرة على تقبل اختلاف الآخر والاستمتاع بالوقت عندما تكونان معاً.
أما بالنسبة للعلاقة الغرامية فهي أيضاً لا تستمر بنجاح في ظل غياب أي من تلك المفاهيم. فلمَ لا تتحد الصداقة بالحب لتشكل علاقة عاطفية سليمة أم أن العلاقة الغرامية بحاجة إلى مداراة وإلغاء للذات وتضحية متواصلة كي تستمر؟
الصداقة في الحب حاجة أم ضرورة؟
سؤال طرحته على مجموعة من الأصدقاء المتزوجين وكانت الأجوبة متنوعة. إليكم بعضها:
" زوجتي قريبة جداً منّي وأحبها كثيراً لدرجة أني أتلافى أن أوجه لها النقد أو الملاحظة خشية أن تحزن أو تشعر بالذنب أو أني لم أعد أحبها. لذلك أفضل البوح والشكوى لأصدقائي."
" أنا وزوجي نتشارك في أمور كثيرة ذات علاقة بهموم العائلة ومستقبل الأولاد لكنني حين أتحدث عن نفسي أشعر أنه غير مهتم. ألجأ إلى صديقتي لأنها تفهمني أكثر."
" زوجتي لا تشاركني في هواياتي. تفضل التسوق ومشاهدة الأفلام. أما أنا فأعشق المغامرات والرياضة. لذلك لا أستمتع معها وأفضل الوجود مع أصدقائي."
" كنا صديقين قبل الزواج ثم بدأت أقدم التنازلات واحداً تلو الآخر لأحافظ على زواجي. فقدنا التواصل الصادق."
أقوال جاهزة
العيش مع شريك بلا أقنعة أو حاجة إلى انتقاء الكلام أو تغيير الهوية، إضافة إلى الشعور بالتسلية معه في أوقات الفرح وبالمساندة التامة في أوقات الحزن، يشعرهم برضا أكبر عن ذواتهم.
أن تكونوا أصدقاء وعشاقاً لا يعني أن يعرف شريككم كل شاردة وواردة عنكم أو أن يصبح مثل ظلّكم. فالحرية تولّد اشتياقاً، والاشتياق يولّد رغبة مستمرة بالتلاقي ويقتل الملل.
هذه عيّنة من الأشخاص الذين لم يقدروا على المزج بين الصداقة والحب. يشعرون أن القدرة على البوح وعدم الحاجة لتقديم التضحيات والتنازلات في علاقة زوجية أمران صعبان قد يؤديان بالعلاقة إلى الفشل. بل أكثر من ذلك. يرى كثيرون أن أصدقاءهم مصدر راحة وتنفيس بعيداً من الضغط النفسي الآتي من الشريك والبيت. أي أنهم يركنون للصديق هرباً من الشريك أحياناً ولو كانوا في علاقة ما زال الحب فيها عنصراً أساسياً. وآخرون يظنون أن الصدق المبالغ فيه يفسد العلاقة ويولّد النقد والشك.
هل فعلاً الصداقة تنهي الحب؟
سؤال أجابت عنه دراسة بريطانية من خلال البحث في نوع الصلة بين الزواج والسعادة. فوجد الباحثون رابطاً إيجابياً بين الزواج ونسبة الرضا عن النفس والحياة لدى الشركاء الذين بنوا زواجهم على الصداقة. وخلص الباحثون إلى أن العيش مع شريك بلا أقنعة أو حاجة إلى انتقاء الكلام أو تغيير الهوية أو عدم القدرة على التعبير عن الذات بصراحة تامة، إضافة إلى الشعور بالتسلية والمرح معه في أوقات الفرح وبالمساندة التامة في أوقات الحزن، يساعد الأشخاص على التقدم في الحياة الشخصية والمهنية. ويشعرهم برضا أكبر عن ذواتهم.
وعليه، من المستحسن وجود صداقة يُبنى عليها الحب أو الزواج لاستمرار العلاقة ونجاحها، خصوصاً عندما يخف وهج الشغف ويدخل الروتين والضغط اليومي إلى العلاقة. إذ ذاك تأتي الصداقة لتحافظ على تماسك العلاقة فتجنّد أبرز أسلحتها الدفاعية كالصدق والنظرة المشتركة واحترام الآخر لتغذية التواصل بكل ما هو إيجابي للطرفين.
كيف السبيل لتحقيق الصداقة في الحب؟
جميلة تلك المفاهيم ونتائجها إيجابية بشكل عام. لكن من المهم أن تظهر سلبيتها لكي يعمل الأشخاص على تفاديها. أن تكونوا أصدقاء مع شريككم أو شريكتكم أمر أساسي لكن إحذروا التفرّد! أن تكونوا أصدقاء وشركاء في الوقت ذاته لا يعني ألا يكون لديكم أصدقاء مقربون آخرون.
فحتى الصداقة بحاجة إلى مساحة حرية، إلى هواء يسمح للاشتياق أن يظل مشتعلاً حتى يصبح للوقت قيمة وللانتظار وهج. أن تكونوا أصدقاء وعشاقاً لا يعني أن يعرف شريككم كل شاردة وواردة عنكم أو أن يصبح مثل ظلّكم. فالحرية تولّد اشتياقاً، والاشتياق يولّد رغبة مستمرة بالتلاقي ويقتل الملل. لكن الأهم هو كيف تحققون ذلك؟
الصداقة حقل من الزهور يحتاج إلى عناية مستمرة بلا توقعات ولا نيّات مبيّتة ولا شعور متواصل بأن ما يقدمه الآخر غير كافٍ. صحيح أننا نعيش في مجتمع يغذي فينا الشعور بأننا ضحايا أو مظلومون أو غير مقدّرين. لذلك مهما حاول الشريك إرضاءكم فستجدون دوماً مبررات لتجعلوه يشعر بالتقصير، خصوصاً داخل المؤسسة الزوجية المبنية على مفاهيم الذوبان التام بالشريك باسم الحب، مفاهيم أثبتت مع الوقت انتهاء صلاحيتها بدليل ارتفاع حالات الطلاق والمشاكل الزوجية والخيانات.
أما في العلاقة المبنية على الصداقة، حيث الحب هو المحرك الأساس، فليس هنالك من ذوبان ولا أحادية رأي ولا محاولات جعل شخصين يتحولان إلى شخص واحد كما في الشعر وأغاني الحب.
إن كنتم تريدون بناء علاقة صداقة مع شريككم، فالمكوّن الأول هو الإصغاء. الإصغاء لا يعني الاستماع إلى الشريك بل أكثر من ذلك. الإصغاء يعني الإحساس بالشريك أثناء كلامه والتفاعل معه باهتمام صادق مهما كانت آراء الأول مختلفة، ومهما كان موضوع الحوار. الإصغاء إلى أحلام الشريك، إلى وجعه، إلى أفراحه ومشاريعه بحماسة واهتمام، يعني الاستمتاع معه بالوقت والنشاطات دون جهد إضافي لإرضائه أو كسب اهتمامه. كونوا أنتم دون أقنعة ودون خوف من أن يترككم.
ثانياً: كونوا صادقين مهما كلّف الأمر. الحب الصادق سيحميكم ويحصن علاقتكم ولكن الكذب المستمر ولو كان "كذباً أبيض" يدمّر العلاقة تدريجياً إما بالملل أو الخيبة بأنكم لم تعودوا قادرين على أن تتصرّفوا براحة أمام شريككم وكأنكم تعيشون في سجن كبير اسمه الزواج.
صدقكم هذا سيضعكم موضع ثقة لدى الآخر، فلا صداقة دون صدق، ولا حب دون صدق. تجرّأوا على التعبير عن مشاعركم وأفكاركم وقناعاتكم. قولوا ما تريدون دون كبت وتنميق وتجميل. حصّنوا علاقتكم الغرامية بالصداقة لأنها درع واقية ضدّ صعوبات الحياة.
ثالثاً: احترموا خصوصية شريككم ولا تحاولوا اختراق مساحته الخاصة. يحاول المتزوجون فرض أنفسهم على الشريك بحجة عقد الزواج الذي يجمعهم. فيتحولون إلى ظلّ حاضر معظم الأوقات إلى جانبه ولو كان النشاط لا يعنيهم. أن تحافظوا على حريتكم وحرية شريككم في العلاقة يعني أنكم كالطيف الخفيف الجميل مصدر الفرح والتفاهم دون إزعاج أو شعور أن بالوجود معه فرض بل متعة.
رابعاً: ضعوا الانتقاد المستمر ومحاولة تغيير الشريك جانباً. لأن الثانية مستحيلة والأول إما يجعل منه شخصاً عدائياً أو ينهي العلاقة. لن يكون شريككم نسخة عنكم في تفكيره وسلوكه. يمكن أن يخيّب في كثير من الأحيان توقعاتكم من خلال طريقته المختلفة في التصرف، والتي قد تزعجكم. ناقشوا الأمر بحب وقلب مستعد للإصغاء عوضاً أن تبدأوا بقذف التهم والعبارات السلبية التي لا تنفع العلاقة. والأهم تقبّلوا اختلافه وتعايشوا معه كما هو. فاختلافه ليس ضدكم ولا بقصد إيذائكم.
فكروا في النقاط تلك. أعيدوا النظر في علاقتكم واسألوا أنفسكم هل أنتم أصدقاء؟ إن كان جوابكم نعم، فأنتم محظوظون. وإن كان لا، فإعادة النظر في أساليب التعامل في ما بينكم مفيدة لسعادة أكبر وتحقيق للذات أوسع في إطار علاقتكم العاطفية.