كيف تتخلص النساء في مصر من عبء "الجهاز"؟
منوعات | رصيف 22
الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٨
"لا نقاش في البيع، سألته بكم تشتري هذا الطقم؟ فرد التاجر بـ3 آلاف جنيه، كنت أعلم أنه يساوي 4500 في أقل تقدير لكني لم أناقشه، بعته، كما بعت غيره من جهاز الزواج، فبما أن مشروع الزواج لم يعد في الإمكان، الأفضل أن أتخلص منه وأشتري سيارة".
هذا ما قالته سارة محمد البالغة 35 سنة، بعدما قررت قبل 4 أشهر التخلص من جهاز العروس الذي عمل والداها على أن يشترياه لها منذ أن وصلت إلى المرحلة الثانوية استعداداً للزواج.
جهاز العروس هو كل ما تقتينه الفتاة أو أهلها قبل الزواج لتستقبل به حياتها الجديدة.
يبدأ بالملابس والأحذية، ويشمل أحياناً الشراشف وأغطية الطاولات وأطقم الشاي والكاسات وبعض أثاث المنزل.
قيمة الجهاز تعطي قيمة للعروس أمام أهل زوجها والأقارب والأصدقاء، خاصة بين الطبقات المتوسطة والأقل تعليماً. وتقوم بعض الأسر بعرض جهاز ابنتهم أمام الزوار قبل الزفاف للتباهي به.
ولأن شراء كل هذه الأمور مكلف، يقوم الأهالي بشراء مستلزمات بناتهن على مر سنوات، ليكون جاهزاً حينما يحين وقت الزواج.
تقول سارة لرصيف22: "اشترى والداي بعض ما نطلق عليه أساسيات الزواج استعداداً له، لكني تخرجت وبدأت العمل مدرّسة، ولم أعثر على شريك مناسب".
وتضيف: "فكرت في بيع الجهاز لأن أمي كانت كلما رأته رأيت الحسرة في عينيها وهي تمتم كلمات على شاكلة: امتى هفرح بيكي؟ وأنا قررت أن أكمل حياتي أصلاً من دون زواج، فقررت بيعه بحجة أن لا لزوم له، إذ أريد شراء سيارة، وإن جاء العريس أشتري أنا جهازي".
تقول إن الأمر لم يكن سهلاً، فهي تواجههما بما رفضا أن يصدقاه طوال عمرهما.
فاتحت والدتها أول الأمر فرفضت باكية.
توجهت إلى والدها واختلقت قصصاً عمّا تتعرض له في المواصلات وأن في استطاعتها شراء جهازها بنفسها إن جاء العريس.
أقنعتهما بالفكرة وباعت ما اشترياه لها.
أقوال جاهزة
"بما أن مشروع الزواج لم يعد في الإمكان، الأفضل أن أتخلص من الجهاز وأشتري سيارة"
"فكرت في بيع الجهاز لأن أمي كانت كلما رأته رأيت الحسرة في عينيها وهي تمتم كلمات على شاكلة: امتى هفرح بيكي؟ وأنا قررت أن أكمل حياتي أصلاً من دون زواج"
تقول سارة: "لم تكن لدي أي فكرة عمّن سأبيعه الجهاز، فذهبت إلى منطقة الأزهر والحسين وهي مركز بيع جهاز العرائس في القاهرة، وبدأت أسأل التجار حتى أرشدوني إلى تاجر يشتري جهاز العرائس، فتحدثت معه عمّا لدي فوافق على شراء كل شيء من أطقم الصيني والألومنيوم إلى بعض الصواني".
الصفقة لم تكن سيئة.
صحيح أنه اشترى الأشياء بما يعادل 60 في المئة من قيمتها، إلا أنها حين قارنت سعر المبيع بما دفعه أهلها سابقاً، وجدت أنها لم تخسر، حتى أنها في بعض المقتنيات حققت مكسباً.
"في النهاية، لم أكن أبغي سوى التخلص من هذا الهم"، تقول سارة.
سوق لشراء الجهاز
بحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن عدد من تجاوزوا الـ35 سنة ولم يتزوجوا هو 13 مليون شاب وفتاة، منهم 2.5 مليون شاب و11 مليون فتاة.
لم يختلف وضع سارة كثيراً عن أوضاع فتيات أخريات اتخذن القرار نفسه، وإن لأسباب مختلفة، وباستخدام طرائق إقناع متنوعة للأهالي أيضاً، وهذا ما أنشأ سوقاً لتجار أجهزة منزلية باتوا مختصّين بشراء أجهزة العرائس.
الحاج محمد الحسن، أحد التجار المختصّين بشراء جهاز العرائس في منطقة الحسين، يقول لرصيف22 إن الكثيرين يتهمونه باستغلال حاجة النساء لبيع هذه البضائع، فيشتريها هو بأبخس الأثمان، لكنه ينفي هذه التهمة.
ويضيف: "شراء تلك الأجهزة أو الأطقم الصينية مثلاً بسعر أقل من سعرها في الوقت الحالي، يعود إلى أسباب عدة، أولها أن الفتيات بمعظمهنّ يحصلن على تلك الأطقم وهنّ صغيرات، أي بسعر أرخص في كل الأحوال، ولكي نشتريه يجب أن يكون بسعر أقل حتى نستطيع بيعه".
ويتابع: "صحيح أن هناك أجهزة وأساسيات زواج لا تخضع كثيراً لمعايير الموضة، إلّا أن هذا لا يمنع وجود فتيات يبحثن عن "موديل العام". وبما أن ما نشتريه قديم، فإن فرص بيعه قليلة. وهذا سبب آخر للشراء بسعر أقل".
ويوضح أن عملية البيع والشراء في النهاية عرض وطلب، ومن حق أي فرد أن يقبل أو يرفض.
يعترف محمد بأن هناك تجاراً باتوا مختصّين بشراء جهاز العرائس من فتيات لم يتزوجن، خاصة أن الأمر تزايد خلال الأعوام الأخيرة، يقول: "بدل ما الحاجات دي مركونة وممنهاش فايدة يكسبوا فلوسها أحسن".
منى التي تعمل في أحد البنوك لم تتزوج.
تقول لرصيف22 إنها لا تعاني من مشكلات مادية، لكن والديها أصرا على شراء جهازها منذ صغرها بحكم العادة.
وتتابع: "لكن بعد بلوغي الثلاثين من دون زواج صرت أعاني من مشكلات نفسية. كان بيعي الجهاز الخاص بي بداية طرد فكرة الزواج وبدء حياة جديدة. منذ عام، بدأت فعلاً ذلك، ولم يحصل أي تدخل من والديّ اللذين احترما قراري".
أما عن طريقة البيع، فأوضحت أنها لجأت إلى صديقة لها عرّفتها إلى تاجر اشترى منها كل شيء.
لماذا يتم التجهير باكراً؟
يرى الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ورئيس مركز الدراسات الاقتصادية، في حديثه إلى رصيف22 أن دأب الأسر المصرية على تجهيز بناتهن منذ الصغر، سببه الأول اقتصادي، فالجهاز لا يقل عن 50 ألف جنيه وهو مبلغ كبير يصعب تأمينه خلال فترة الخطبة التي تراوح بين عام وعامين.
وبالتالي فإن شراء ما يطلق عليه أساسيات الزواج مثل أطقم "الصيني والألومنيوم"، وهي ذات أثمان مرتفعة، في مراحل مبكرة من حياة أي فتاة، يعدّ تخفيفاً من الحمل الثقيل الذي تحمله كل أسرة لديها بنت، خاصة أن تلك الأساسيات لا تتغير "موضتها" عكس الملابس.
ولكن الأمر لا يتعلق بالناحية الاقتصادية فقط.
تقول سوسن فايد، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس في حديثها إلى رصيف22، إن الأسر الميسورة الحال أيضاً تجهز بناتها منذ الصغر، لأن هذا من العادات المصرية، موضحةً أن زواج البنت في الثقافة الشعبية المصرية يعني الاطمئنان عليها، وهو ما يدفع كل أسرة مصرية إلى تجهيز ابنتها منذ الصغر، وهذا تصرف يدل نفسياً على "استعجال الفرحة".
تقول سوسن إن تأمين مستقبل الأطفال لدى كثيرين يتمثل في ثلاثة عوامل، الأول هو التعليم، والثاني هو الشقة بالنسبة إلى الرجل، والثالث هو جهاز العروس بالنسبة إلى الفتاة.
وتضيف: "أن المصريين ينجبون الأولاد من دون فارق زمني بين طفل وآخر. لذلك، قد يكون شاب وفتاة في سن الزواج في أسرة واحدة، ما يدفع الأسر المتوسطة إلى التجهيز مبكراً. أما الأسر الميسورة فتفعل ذلك بحكم العادة".
أما بالنسبة إلى أمينة، فكان الخيار ليس بيع الجهاز بل التبرع به لإحدى الجمعيات الخيرية التي تساهم في تجهيز العرائس.
هي فتاة ميسورة ترفض الزواج وتراه مشروعاً فاشلاً، وتفكيرها هذا ليس وليد لحظته. فهي تؤكد أنها منذ دراستها في الجامعة كانت تخبر والدتها بذلك، لكنها لم تستطع أن تمنعها من شراء بعض أساسيات الزواج، حتى وصلت إلى سن الحادية والثلاثين، واستطاعت أن تقنع أمها بالتبرع بكل ذلك من أجل الثواب، وعلى رغم عدم اقتناع والدتها فإن الأمر تم في النهاية.