الأقباط متحدون - ما يتمّ تغافله عن ظرفية الحجاب وعلاقته بأذية النساء
  • ١٢:٠٤
  • الاثنين , ٢١ مايو ٢٠١٨
English version

ما يتمّ تغافله عن ظرفية الحجاب وعلاقته بأذية النساء

أقباط مصر | بقلم شاهيناز وزير

٠٧: ٠١ م +02:00 EET

الاثنين ٢١ مايو ٢٠١٨

ما يتمّ تغافله عن ظرفية الحجاب وعلاقته بأذية النساء
ما يتمّ تغافله عن ظرفية الحجاب وعلاقته بأذية النساء

يحدث وأن تتعرض المسيحيات لإساءة المعاملة في بعض المواقف من جانب مسلمين ومسلمات، في مصر، لا لشيء سوى أنهن مسيحيات، ويُعرفن من كشف رؤوسهن، حتى أن مسلمات غير محجبات يواجهن مواقف بعضها طريف وبعضها ينطوى على إساءة معاملة مشابهة ظناً أنهن مسيحيات.

لا يوجد أي نص في الإسلام يأمر بالتعرض للمسيحيات بالأذى، بل في الحقيقة أذية أي إنسان أو كائن حي بدون ذنب إثم في نظر الدين الإسلامي يستوجب العقاب.

وبالتالي فمن يقوم بتلك التصرفات العدائية إنما يفعل ما يفعله بدافع من الكراهية والتعصب والجهل. ولسنا في معرض مناقشة مسببات تلك الكراهية التي يعدّ أهمها ما في الخطاب الديني نفسه في تحريض المتشدد منه على كراهية الغير.

ولكن ما يستدعي ملاحظته أن من يؤذون المسيحيات في تلك المواقف لا يؤذونهن لأنهن نساء غير محتشمات من وجهة نظرهم ولكن لأنهن مسيحيات في المقام الأول، بدليل أنهم يطالون المسيحيين الرجال وحتى الأطفال بتلك الكراهية وبمواقف مشابهة.

فالحاصل أن تلك الكراهية تتملكهم عندما يكتشفون أن رجلاً مسيحياً، وتتلاشى عندما يكتشفون أن تلك السافرة مسلمة -بصرف النظر عن إدراجها في خانة أخرى من عدم القبول- أيضاً، فنفس الخطاب الديني المتشدد يتوجه بالكراهية للمذاهب الإسلامية الأخرى.
 إلا أن الشيعية على سبيل المثال لا تتعرض لتلك المواقف اليومية العابرة لسبب واحد وهو أنها محجبة كالسنية، في بعض المجتمعات، فيصعب التمييز بينهما، أي أن ما يدعو لأذية المرأة المسيحية هو الحجاب ليس في ذاته ولكن فيما يُعرّف به عن المرأة فانتشاره الواسع بين المسلمات جعل التمييز بين المسلمة وغيرها أمراً سهلاً.

ولا يختلف أحد على أن ذلك الأذى غير مقبول وأن أصحاب تلك التصرفات يجب إيقافهم عما يفعلونه، وأن حتى الخطاب المتشدد في تحريضه لم يستطع توفير دليل يوافق على أذية المسيحيات في الشوارع، بل مواقف كتلك يتبرأ المسلمون منها من داخل دينهم الذي يقدم أدلة كثيرة تؤكد على رفض تلك السلوكيات.
ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين

يُقدم الحجاب دوماً على أنه حماية للمرأة من المضايقات، في سياق ذلك نذكر آية قرآنية كثيراً ما يُستدل بها على وجوب ارتدائه وهي (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً)، الأحزاب:59.

وكواحدة من الآيات التي تختلف عليها التيارات الدينية والفكرية بين من يعتبر الحجاب فريضة وبين من لا يعتبره كذلك تتعدد تفاسيرها بين من يرى الجلباب هو الثوب وأن الآية تأمر بإطالته وحسب وبالتالي فلا علاقة لتلك الآية بتغطية الشعر ومن يرى الجلباب هو غطاء للرأس وأن الآية تأمر بإسداله على الوجه والصدر وبالتالي يتوجب ليس تغطية الشعر وحسب بل الوجه أيضاً.

ما يجب الوقوف عنده حقاً هو أن الآية حددت سبب الأمر بغض النظر عن ماهيته وهو (أن يعرفن فلا يؤذين).

وأشهر تفسير لذلك إن لم يكن الوحيد على المنابر يفيد بأن الأمر جاء للحرائر بتغطية أجسادهن لكي يُعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن الرجال بالأذى والمضايقات. على جانب آخر فالشريعة حددت عورة الأمة (وإن كانت مسلمة) كعورة الرجل، أي يتاح لها شرعاً كشف ما يكشفه الرجل من جسده وفي جميع الأحوال يتاح لها كشف شعرها.

في سياق ذلك نذكر الروايات الشهيرة عن الخليفة عمر بن الخطاب مع الإماء، فقد كان إذا رأى أمة “محجبة” نزعه عنها وزجرها لتشبهها بالحرائر!

وما ذكره البيهقي: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحِرَفِيُّ بِبَغْدَادَ أنبأ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: “كُنَّ إِمَاءُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَخْدِمْنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ تَضْرِبُ ثُدِيّهُنَّ”.

وإلى اليوم لا يختلف رجال الدين على أن الحرة تحتجب والأمة تبرز وكان الخليفة عمر بن الخطاب إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر؟! وكان يظهر منها رأسها ووجهها.

استدل كثيرون بذلك على أن الحجاب جاء كتمييز طبقي في إطار زمني (ظرفية الزمان) واختص الحرائر في زمن الرق ولم يُعمم على جميع المسلمات، مما يجعل السبب ظرفياً، وبالتالي فلم تكن علته جسد المرأة نفسه وتغطيته بقدر ما كانت لأجل حماية الحرائر كطبقة اجتماعية.

كما لم يكن هدفه منع الفتنة والإثارة في المجتمع وإلا لأمرت الإماء بالحجاب أيضاً لا السماح بكشف أثدائهن وإلا دل ذلك على أن الإسلام يرضى أذيتهن ويشجع الاعتداء عليهن أو أنه لا يعنيه الفتن والفواحش التي تتسب بها أجساد الإماء العارية.

أما وقد انتهت العبودية فلا علة لذلك الإدناء أو الحجاب فالسبب الذي أمرت لأجله الآية القرآنية لم يعد موجوداً.

يُذكر أن للمفكر جمال البنا تعليق بخصوص ما تعيشه المسلمات في الدول الغربية من ظروف تشمل منع الحجاب وكراهية المسلمين على خلفية نشاطات المنظمات الإرهابية الإسلامية.

وجاء التعليق في ضوء نفس الآية القرآنية وعلتها يفيد بأن الهدف من الحجاب إنما حماية المرأة من الأذى فإن كان ارتداؤها للحجاب في تلك البلاد يتسبب به وهي من دونه أكثر أمناً وأماناً فلا ترتديه أو على الأقل بشكله التقليدي فيمكن أن تغطي شعرها بقبعة أو ما شابه فلا تتعرض لاعتداء ما أو مضايقات.

ولا يجب أن نغفل (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً) ودلالتها.
غض الطرف عن الأذى

لكن يجب العودة للأذى، خصوصاً بالنظر لاستخدام القرآن تلك اللفظة القوية، وهنا يتوجب السؤال: هل من المقبول السماح بأذية الإماء في الطرقات والشوارع لمجرد أنهن إماء؟

لترغيب النساء في الحجاب عرض رجال الدين رواية الخليفة عمر تأكيداً على أن الحجاب لباس الحرائر وأنه رفعة، ولكن لماذا مر عليهم أذى الإماء مرور الكرام؟ فهناك من يعتبر سلوك الخليفة عمر قاسي وظالم بتعرية أمة مسلمة أعوزها الستر خصوصاً وأنها ما فعلت ذلك سوى اتقاء للأذية والامتهان أو حتى بدافع من الحياء.

ولماذا القبول بأذية أمة مسلمة في سبيل حماية حرة مسلمة في حين يمكن تسليط الضوء على الذين يقومون بالأذى وردعهم عن ذلك الفعل الذي لا يرضى عنه الأسوياء؟

وإن لم يُعتبر سلوكه قسوة وظلم للإماء، فلا يترك لنا ذلك مجال سوى بافتراض أنه رأى أن ترك الإماء يغطين أجسادهن كالحرائر يُصعّب التمييز بينهما ومن ثم تتعرض الحرائر للأذى، أي أن الحجاب لا يمنع التحرش.

هذا أيضاً يؤكد أن الرجال كانوا يتحرشون بالأمة استضعافاً وكانوا يحذرون الحرة خوفاً من ثأر عائلتها، أي أن الأمر لا علاقة له بالجمال والإثارة في المقام الأول، لهذا جاءت العلة لحماية المرأة من الأذى غير المقبول في الأساس، لا مراعاة لغرائز الرجال كما يُروج، وذلك لأن سلوكهم رهنته الآية بمعرفة صاحبة الجسد لا بالجسد نفسه.

بالعودة من زمن يعاني الناس فيه من الرق لزمن يعانوا فيه من الطائفية، لنعيد التركيز على أنّ الهدف من الحجاب لم يكن نشر العفة في المجتمع بتغطية أي جسد أنثوي باعتبار عدم ارتدائه يثير الشهوات.

كل ذلك يفرض التركيز على الأذى باعتبار الهدف هو معالجة المرض لا العرض: رفض أذية الإماء وقتذاك ورفض أذية غير المسلمات اليوم.

فإن افترض أحدهم أن الأذية تفرض نفسها ولن تنتهي ويجب التصرف انبطاحاً للواقع وإن كان غير منصف والأولوية يجب أن تكون لحماية المرأة وحسب وذلك بارتدائها الحجاب، فيجب عليه بالمثل الانبطاح لأذى المسلمات في الخارج ودعوتهن لخلع الحجاب لتحقيق نفس الأولوية وهذا يكون دليل على ظرفية أخرى للحجاب (ظرفية المكان والموقف).

فالحماية تحددها الظروف في جميع الأحوال، والحجاب الذي يحميهن من أذى في بلد يتسبب لها بالأذى في بلد آخر، واعتراف أن مسلمات كثيرات لا يرتدين الحجاب عن رغبة أو اقتناع بوجوبه دينياً وإنما اتقاء للأذى.

إن لم يرض الإسلام بالأذى وألحّ على محاربته، فالمنطق يلوح بأن خلع النساء الحجاب دليل على نجاحه في التخلص منه فهو علة الأمر في الأساس، مما يستتبعه تساوي النساء في نظر الجميع وفي ذلك حماية للمرأة غير المسلمة بصعوبة رصدها وحماية للمسلمة بانتهاء تبرير التحرش بها وفق شكل حجابها.

العلة كانت وما زالت ظرفية بل وتتنوع ظرفيتها، وقد بنيت مرحلياً على واقع غير مقبول، تماماً كما أقرت الشريعة الرق مرحلياً تمهيداً للنجاح في التخلص منه في المستقبل وتركت ما يمهد ذلك بكفارات العتق تماماً كما تركت ما يشير لظرفية الحجاب بتحديد سببه.
نقلا عن صوت العلمانية