حاكموه كمجرم حرب
أماني موسى
السبت ٢٦ مايو ٢٠١٨
بقلم – أماني موسى
عقب محاولات عديدة من المجتمع الدولي لمعاقبة مَن وصفوهم بـ مجرمي الحرب، خرج مؤتمر لندن عام 1945م، وبعدها اتفاقيات جنيف لعام 1949م، بإنشاء محكمة عسكرية دولية عليا لمحاكمة مجرمي الحرب.
بحسب التعريف لوصف "مجرم حرب" وفقًا للمواثيق الدولية والأمم المتحدة، فهي أي شخص قام بارتكاب جرائم ضد السلام، كل عمل يتضمن " التخطيط والتجهيز والإعداد لشن حرب عدوانية، أو المشاركة في خطة أو مؤامرة تهدف لاقتراف مثل هذه الأعمال.
أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والاضطهاد، لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية، وكل شخص يرتكب أو يشترك في ارتكاب فعل، يعد جريمة طبقًا للقانون الدولي، ويكون مسئولا عنه ويستحق العقاب، يتم معاقبته بحسب أحكام القانون الدولي سواء كان هذا الشخص رئيسًا للدولة أو مسئولا فيها، وإذا تصرف الفاعل بأمر من حكومته، أو من رئيسه الأعلى، فان هذا لا يخليه من مسؤوليته حسب أحكام القانون الدولي.
وبعد هذا التعريف الطويل، فأني كمواطنة مصرية أرى ضرورة محاكمة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك باعتباره مجرم حرب، ارتكب جرائم ضد السلام وضد الإنسانية، حيث طيلة ثلاثون عامًا قام بتجريف العقل المصري بل وإنهاءه تمامًا إلا فيما رحم ربي، من خلال ترك الساحة المجتمعية والإعلامية لرجال دين يعملون لصالح أجنداتهم التي لا يخلو بعضها من تمويل عربي وأجنبي، كما أنه أهمل كل مقومات خلق إنسان جيد وصالح لوطنه ومجتمعه ولنفسه.
طيلة ثلاثون عامًا تم تسليم العقل المصري كما يقال "تسليم أهالي" لشيوخ الفتنة الذي أشعلوه بكراهية الآخر، وعلى الجانب الآخر غاب التعليم تمامًا، ليخرج أشخاص بل الأدق أجيالاً كاملة، بأمخاخ خاوية من كل علم، ثقافة، أو قدرة على التعاطي مع المجتمع أو التكنولوجيا أو العلم أو أي شيء.
ما جعلني أكتب هذا ببؤس حقيقي، هو احتكاكي مؤخرًا بأجيال شابة في مقتبل الحياة والعمر، حين تجلس معهم تشعر بشفقة حقيقية تجاههم وتجاه هذا البلد.
من هؤلاء؟ من فعل بهم هذا؟ ما هذه العقول؟ أين هي العقول؟ أهولاء هم المستقبل؟ أي مستقبل ينتظر هذه البلد إذًا؟
فمنهم من لا يعرف كيف يتم استخدام ملفات الكتابة على الكمبيوتر أو كيف يتم إغلاقه حتى، وآخرين خريجوا حقوق لا يعرفون الفارق بين وزارة الخارجية أو وزارة الداخلية ومهام كلاً منهم على حدا؟ وفريق ثالث لا يعرف حتى من هو ياسر عرفات؟ وخريجة آداب قسم إعلام لا تعرف كيف يصاغ الخبر وما هو الفارق بينه وبين التقرير مثلاً.
تجد أجسام ناضجين بأمخاخ طالب في المرحلة الابتدائية، حقًا لا يجيد الكتابة وكذا الحال بالنسبة للقراءة، لا يجيد النقاش، لا يجيد تقبل الرأي الآخر، لا يجيد أي شيء سوى إحساسه بأنه اقترب من الثلاثين ويريد تفريغ طاقاته الجسدية لكنه لا يجد إلى ذلك سبيلاً لضيق اليد وارتفاع متطلبات المعيشة وتأسيس منزل.
معقولة ألهذه الدرجة بات العقل المصري خاوي من أي معلومة، من أي تعاطي مع الواقع والتكنولوجيا وسوق العمل، من أي مهارات، من أي شيء فيما عدا التفكير بـ "الجنس" وكيفية الحصول عليه بشكل شرعي؟
مبارك أجرم بترك مصر بعد ثلاثين عامًا خرابًا بـ 106 مليون نسمة يتوالدون كالأرانب دون وعي، دون تربية، دون تعليم، دون صحة، دون أي شيء.
مبارك جعل من مصر دولتين وأكثر داخل دولة واحدة، دولة كبيرة ومتنامية بها العشوائيات، ونساء يتكاثرن دون داع أو رادع، يخلقون أجيالاً تنتظر مصير مجهول، حيث لا صحة، لا تعليم، لا علم، لا ثقافة، لا ترفيه، لا مهارات، لا حياة، ودولة أخرى هي دولة الكومبوندات، حيث الإنسان ينظر إليه كآدمي له فرصة الحق في الحياة الكريمة وتوفير تعليم وصحة تنتج شخص قادر على إفادة نفسه ووطنه.
مبارك مسؤول أمام الله الذي سيحاسبه على ما فعله بمصر وتدمير أجيال غير قادرة على إدارة نفسها لتدير وطن بالمستقبل.