الأقباط متحدون - الديموقراطية في المحروسة وأمريكا المتعوسة
  • ٢٣:٥٣
  • الجمعة , ١ يونيو ٢٠١٨
English version

الديموقراطية في المحروسة وأمريكا المتعوسة

فاروق عطية

مساحة رأي

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الجمعة ١ يونيو ٢٠١٨

أمريكا
أمريكا
فاروق عطية
 
لى صديق فيلسوف بكل قضايا العالم عليم وشغوف. تجده جادا أحيان وهازلا أحيانا ولكنه ذو منطق دائما ويعطيك رأيه الجريئ بلا كسوف. سألنى ما رأيك فى العملية الانتخابية فى الولايات المتحدة وعندنا فى مصر خاصة انهما قد كانا في زمن متقارب ؟ قلت له باسما: وهل يفتى ومالك فى المدينة ؟ ولنبدأ برأيك ومنك نتعلم ونستفيد. قررت أن أتركه يسترسل فى شرحة ولا أقاطعه حتى يكمل الحديث.
 
 ابتسم ملئ شدقيه وأخذ وضع الجدية والأستاذية وقال بعد أن تنحنح: أرى أننا الأفضل ديموقراطيا، وشعبنا المصرى أكثر استجابة وتلبية وأريحية. خد عندك علي سبيل المثال، الأمريكان بداية هم الذين اختارو أوباما الزنجى الديموقراطي بكامل إرادتهم منخدعين بشعاره البراق "ضرورة التغيير"وصبرو عليه الفترة الأولي ولكنهم لم يصبروا عليه في فترة توليه الثانية وانفضوا من حوله في فترة التجديد النصفي للكونجرس وفقد حزبه الأغلبية بأقل من نصفها، وأنا شخصيا لست آسفا لخسارة حزبه لأنه أرهقنا بأحلامه وطموحاته وأفكاره ثم اصطدم بالواقع فأصبح أقرب الي بطة عرجاء قبل أن يكمل نصف رئاسته بخسارة أغلبية مجلس النواب وتقلص أغلبية مجلس اشيوخ وتفوق الحزب الجمهورى فى رياسات الولايات لكن ألأمريكان كان لهم رأى آخر‏.‏

وفي الانتخابات الأخيرة بين ترامب والشمطاء الفاتنة هيلاري انقسم الشعب الأمريكي ولكن ذكاء ترامب واستغلاله لفوبيا الإسلام بين الأمريكان خاصة مع تتابع العمليات الإرهابية في فترة الدعاية الانتخابية في الولايات المتحدة والعديد من عواصم الدول الأوروبية، اعطاه الفوز بأغلبية ضئيلة. أما عندنا الرئيس الفلته وحكيم الزمان المتنحي "اللا مبارك" تربع على عرش السلطانية قرابة الثلاثون عاما وهو يسير بنا من سيئ لأسوأ حتى أصبحنا لا نجد الفول أو المش لنقتات به، ولم يحقق شيئا يذكر من وعوده التى دائما ما يهم بتنفيذ بعضها قبيل الانتخابات كرشوة انتخابية ثم تعود ريما لعادتها اللئيمة، وشعبنا العظيم الواعى يدرك أن الزعيم الفلتة قادر على التنفيذ لو أعطى له المزيد من الوقت، واستمر يعبث بنا وبالبلد ثلاثون عاما أو يزيد حتي تخيل أنه سلطان زمانه ومن حق ابنه أن يكون وليا للعهد ويرث الملك من بعده. وكانت طموحات التوريث هي القشة التي قصمت ظهر الحمير، واستغلت القوي الاستعمارية الصهيونية ذلك لإشعال ثورة الخريف العربي. وجاء عالم الناسا المزيف ليحكمنا بالتزوير، وسقانا العلقم كاسات كاسات والشعب الطيب صابر وساكت حتي قامت الدولة العميقة ودفعت الشعب دفعا للثورة ضد تجار الدين (30 يونيو). واعتلي كرسي الرياسة أحموسيسي كما تصورناه وحُب الشعب له يملأ الصدور.

انتظرنا طوال فترته الأولي أن يحقق طموحات الشعب ويعود بمصر لطريق المدنية العلمانية بعد التخلص من الإخوان، لكنه للأسف استبدل الإخوان بالسلفيين الذين هم أشد مكرا وأكثر تشددا، وكأنك يا أبو زيد ما حاربت ولا غزيت، وعدنا كما كنا تحت مطرقة سلطة الفاشية العسكرية وصندال الفاشية الدينية. انتهت فترته الأولي بتقلص شعبيته بمتوالية هندسية، وتصورنا أن تكون الانتخابات لفترته الثانية انتخابات ديموقراطية كما يقول الدستور. انتظرنا أن يتقدم للانتخابات أحزاب أو شخصيات مشهود لها بالوطنية والكفاءة ونظافة اليد، لكن كانت يد الدولة العميقة قوية وقادرة لإزاحة كل من تري فيه القدرة علي المنافسة من طريقه. وتمت انتخابات هزلية لا هي انتخابات ولا استفتاءات ولكنها كما أسميتها استنخابات بين الرئس المدجج بكل القوي عسكريا ودينيا وميديا جبانة مدجنة، ضد كمبارس غير مؤهل وغير معروف وعليه قضايا تشينه، وبالطبع نجح الرئيس بالأعلبية المطلقة.
 
   وهذا فرق جوهرى بين الشعب الآمريكى المتسرع الذى لا يعرف الصبر والعبرة بالخواتيم ولا يهمه غير رفاهيته، وشعبنا المصرى المحنك الصبور الذى يؤمن بما قاله الكابتن حسن حمدى رئيس النادى الأهلى السابق ألا حساب فى نصف الموسم والحساب آخر الموسم، ومبارك والشعب كانوا يطنون أن موسم مبارك لا ينتهى إلا بنهاية أجله، ولكن عندما أنهت ثورة الخريف العربي سلطته، وسجن وحوكم كان الحساب واللوم والتقريع، وهذا ما حدث لسابقيه ناصر والسادات، وما سيحدث لمن يزاح من رؤساء، فنحن منطقيا أفضل لآننا نعطى الفرصة عملا بالآية القرآنية: لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع. نحن نحترم رؤساءنا مهما فعلوا بنا، وهم (الأمريكان) بكل وقاحة يسخرون من رئيسهم، فحين ظهر منشيت إحدى الصحف يقول: أوباما خارج اللعبة، علق أحدهم ساخرا:‏ حصل علي نوبل قبل أن يحقق السلام‏..‏ وهاهم يشلحونه ويشلحون حزبه الديموقراطي‏.‏
 
أليس من العار أن يحاسب أوباما عن فشله فى إصلاح الإقتصاد ولم يصبر الأمريكان عليه حتى النهاية حين كان رئيسا، ولم يصبر علي حزبه واختار الحزب المنافس ببساطة ؟
 
أيضا بالنسبة لأعضاء البرلمان، الأمريكان لا يعجبهم العجب ولا الصيام قبل عيد الميلاد المجيد. يحللون الأداء ويحاسبون نوابهم على أى تقصير دون مراعاة لمشاعرهم ويلقون بهم خارج البرلمان قبل أن يكونوا ثروات أو يستغلوا الحصانة فى ارتكاب الموبيقات وهم الذين صرفوا دم قلبهم فى الدعاية الانتخابية. أما عندنا الوضع مختلف، شعبنا واع وحصيف يختار من ينوب عنه ليس لكفائته ولا خدماته القادمة ولكن لنصرة القبلية أو المنفعة الآنية. فمرشحونا دوما يغازلون الشعب بأقفاص الطماطم وذبح العجول وتفريق لحومها على الناخبين، هذا غير اللحاليح المدفوعة كل حسب مستواه. وعندما ينجح النواب ينسون ما وعدوا به ويستخدمون الحصانة أحسن استخدام ليلهفوا القروض من البنوك بالمليارات، ويشترون أراضى الدولة بالملاليم ليسقعوها وبيعونها بالملايين.

ويتاجرون بأقوات الناس وأمراضهم متكسبين من العلاج على نفقة الدولة أو ارتكاب الرزائل والموبيقات كالقمار وممارسة البغاء مع الساقطات وتهريب البضائع دون استيفاء ما عليها من ضرائب. ورغم ذلك - لأن شعبنا أصيل لا يخرج من فمه العيبة - يصبر لنهاية الفترة الانتخابية، وعندما يرشح نفس الأعضاء أنفسهم من جديد تتجلى عندنا حكمة النسيان ونتلهف بل نتناحر على أقفاص الطماطم وقطع اللحم الكندوز أو البتللو ولا مانع من قبض المعلوم لإعطاء الأصوات من منطلق الحكمة القائلة إحيينى النهاردة وموتنى بكرة، كم أنت عظيم يا شعب مصر المتدين بطبعه.
 
وعند بدء الحملة الانتخابية عندنا لانتخاب أعضاء مجلس سيد قراره‏، ربما تجد انتقادات على استحياء للسياسات والاستراتيجيات ولما تحقق‏ وما لم يتحقق،‏ وأيضا لسلوك النواب وسجلهم‏.‏ إلا أن ذلك لايعني حدوث تغيير‏ فالنسبة الغالبة من الأعضاء الموالين للنظام‏ ستظل في البرلمان المستجد وسيفوزون بالأغلبية‏ كالعادة، فقد ألفنا النواب وألفنا الانحياز للنظام ونحن لانفضّل التغيير لأننا نخشي عواقبه واللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش. هذا لايعني أنه لن تكون هناك معارك انتخابية‏، بالطبع سيكون دوما هناك معارك‏ انتخابية يتم خلالها استخدام أشرس وربما أحقر الأساليب‏،‏ لكن أرجوك لاتتسرع وتعتقد أن النتيجة سوف تختلف‏، فسينتصر كالعادة أصحاب الرشاوى الانتخابية من طماطم وأرز ولحوم وربما بالتزوير. أما في بلاد العم سام‏ لديهم ديمقراطية العقاب السريع‏، ولدينا ديمقراطية النسيان المريع، وكل ميسر لما خلق له‏.
 
الأمريكان يحصرون ديموقراطيتهم المزيفة فى حزبين لا ثالث لهما الديموقراطي والجمهوري، أما عندنا فديموقراطيتنا فكسو فلكس تتسع لعشرات الأحزاب الكارتونية، بل يمكن للقتلة والمجرمين أن يدخلوا الانتخابات من أوسع أبوابها بعد المصالحات المزعزمة، وذلك حتى نعطيهم فرصة التوبة لأن الله غفور رحيم، ومن ثم نطلق عليهم إسم الدلع "المحظورة" وهى دائما فى الصورة ترفع شعارها السيفين والمصحف وقولها الشهير ـ الإسلام هو الحل ـ ويقصد هنا بالحل أن يحلوا البرلمان ويقتلعوه من جذوره والعودة للخلافة والرجوع لأبهة ومجالس ندماء الرشيد وجواريه الحسان والغلمان والخصيان والعبيد للتسرية ونشرالحياة الرغدة للشعب.
 
كما أن الأمريكان لا يبجّلون المرأة أو يحترمون أنوثتها بل يخشون القول لها تلت التلاتة كام وإلا وضعتهم فى السين والجيم والبرش فى التخشيبة.
 
حتى فى الانتخابات لا يحترمون ضعفها ويتركونها تتصارع مع عتاولة الرجال معرضينها للاختلاط وما يتبعه من تحرشات وربما فجورات. أما عندنا فالرجال قوامون على النساء بل وللرجل الحق فى تأديبها زجرا وضربا وهذا تكريم لها. وفى الانتخابات نحن نحترم ونخاف على عرضها فنجعل لها كوتة منفصلة لتكون بمنأي عن الاختلاط والتحرشات، وإذا لم تنجح فى الانتخابات من حق زوجها أن يطفحها الكوتة. أليس كل ذلك أدلة دامغة على ديموقراطية مزيفة لديهم وديموقراطية واعية مناسبة وحقيقية لدينا؟.. قلت له : صدقت فنحن خير أمة أخرجت للناس ولا يعلو شيئ فوق رأيك يا أبا عباس..!! 
 
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد