الزفاف الملكى فى لندن وكرة القدم!
مقالات مختارة | نوال السعداوي
الاثنين ٤ يونيو ٢٠١٨
لم يعد للسفر والطيران الفرحة العظيمة التى كانت فى طفولتى، أصبح السفر عبئا وركوب الطائرة مملاً، واجتياز البحار والمحيطات فاترا كشرب الماء المعدنى من زجاجة بلاستيك، لا أعرف من سلبنى الفرح من نشوة التحليق فى السماء السابعة؟ أهى المعرفة «الآثمة» بأن السماوات ليست بعدد الفضائيات؟ أو أن الكون كتلة واحدة متصلة لا تنفصل فيه السماء عن الأرض؟ أو أن رجال البوليس بمطار القاهرة يصرون على خلع حذائى وتفتيشه، رغم أنهم كفوا عن ذلك بجميع المطارات الأخرى؟.
كان ركوب الطائرة فى طفولتى حلما لا يتحقق إلا فى النوم، أرى جسمى محلقا فى الجو كاليمامة، ذراعاى هما الجناحان، يدوران ويدوران، لا يكفان عن الدوران، عيناى كعينى الصقر تشقان الكون، رغم السحب والغيوم والجبال والبحار والمبانى العالية، لا شىء يعوق حركتى إلا الصحيان من النوم، ما أن أفتح عينى حتى يهبط جسدى من الجو ثقيلا مشدودا للسرير، وتقول أمى إنها الجاذبية الأرضية، وأسألها، ما علاقة السرير بالأرض؟.
أما ركوب القطار فكان يهزنى من الأعماق وأنا فى السابعة من العمر، أجرى لأسبق أخى وأجلس بحوار النافذة، فأرى أعمدة السوارى تجرى إلى الخلف رغم ثباتها بالأرض، لم يكن أخى يسبقنى أبدا، رغم أنه أكبر منى سنا، لكن قدمىّ أسرع من قدميه، كانت جدتى تقول إن البنت لها قدمان من حديد وتتحمل أكثر من الولد، لهذا يفضل الله أخى عنى، وتعطى جدتى الحمار لأخى، ليركبه إلى الحقل، وأنا أمشى إلى جواره على قدمى كالخادم العبد، وتختلف أمى مع جدتى وتقول، القوة فى العقل وليست فى القدمين، وكنت أنجح فى الامتحانات بتفوق، وأخى يسقط.
أشرقت الشمس فى مدينة لندن بعد هبوطى إليها من الفضاء يوم الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٨، وكان الغد السبت، هو موعد كلمتى فى مؤتمر «ساوث بانك» الأدبى الدولى، المطل على شاطئ التيمز الجنوبى، القاعة الكبيرة بها ألف مقعد (بالضبط ٩٤٠ مقعدا) تم حجزها بالكامل لجمهور متنوع الجذور متعدد الثقافات، أغلبهم شباب وشابات، من أصول بريطانية وغير بريطانية، ومن المهاجرين إلى لندن من بلاد العالم، ومنها بلادنا العربية.
بعض أصدقائى المصريين الذين يعيشون فى لندن، اعتذروا عن عدم الحضور لسماع كلمتى، وقال لى أحدهم، وهو أستاذ كبير بجامعة لندن، يا ست نوال، أنا لازم أشوف الزفاف الملكى وأشوف مباراة كرة القدم، الملايين كلها فى العالم تنتظر مشاهدة الكورة والزفاف الأسطورى، ليه يا ست نوال تتكلمى يوم السبت ده؟ قلت له، وهل أنا اخترت هذا اليوم، أم المنظمون للمؤتمر الأدبى الدولى؟.
اندهشت حين رأيت الحشد الكبير بقاعة مركز «ساوث بانك» الضخمة، وعرفت أن جميع التذاكر تم بيعها، كل منها باثنى عشر جنيها إسترلينيا، وسألت أحد المنظمين للمؤتمر عن تأثير الزفاف الملكى والمباراة الكروية على جماهير لندن، فقال يلعب الإعلام الملكى التقليدى والكروى الرأسمالى دورا فى حشد الملايين عالميا ومحليا لمشاهدة هذه الأحداث السطحية الصاخبة، لكن المثقف الحقيقى فى لندن له القدرة على اختيار ما يريد، رغم طوفان الإعلانات لترويج التوافه.
نقلا عن المصري اليوم