التظاهرات في الأردن احتجاجا على رفع الأسعار والزيادات الضريبية.. هل تنهيها استقالة الملقي ومجيء رئيس وزراء جديد.. أم وراء الأكمة أزمة يخبئها آخرون وصندوق النقد الدولي؟
ميشيل حنا حاج
الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٨
ميشيل حنا الحاج
أنا لست خبيرا في الاقتصاد وبقضاياه المعقدة، فما تابعته وقرأته في الشأن الاقتصادي، هو بعض المقررات ضمن دراستي للقانون الى حين تخرجي من كلية الحقوق.
ولكني ذو باع جيد كي لا أقول ط,ويل في قضايا الاعلام الذي عملت في حقله على مدى 55 عاما. فخلالها غطيت بعض الاضطرابات والتظاهرات التي أثيرت في بعض دول المنطقة بسبب أزمات اقتصادية عانت منها تلك البلاد، ومن ضمنها تظاهرات كبرى وأحيانا دامية احتجاجا على رفع الأسعار، وخصوصا أسعار المواد الغذائية، والتي كان من أهمها واعنفها، تلك التي جرت في القاهرة في عهد الرئيس انور السادات.
وأنا عادة أكتب في قضايا الارهاب، كما أكتب في الشأن العربي والشرق أوسطي والدولي، وخصوصا فيما يتعلق بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تعمل الولايات المتحدة جاهدة لتحقيقه… ولكني نادرا ما أكتب في القضايا الأردنية.
الا أن هذه التطورات الحالية في الأردن والتي استفزت تظاهرات استمرت ثلاثة أيام … في هذا البلد المعروف باستقراره سياسيا وأمنيا…استفزتها ظروف قاسية عانى منها الكثيرون في الاردن ومنهم انا وجيراني واقربائي والكثيرون ممن نلتقي بهم في التعاملات اليومية، حيث باتت الضغوطات الاقتصادية على المواطن، موضوع الحديث والتذمر اليومي على صعيد الطبقات المتفاوتة في المجتمع الأردني، وخاصة الطبقات المسحوقة منها والمتوسطة.
ورغم أن الشكوى لاحقت نهج سياسة حكومة هاني الملقي المستقيلة، مع أن جذورها في حقيقة الأمر قد بدأت منذ عهد سلفه رئيس الوزراء السابق عبد الله نسور، فان أسباب البلاء الحقيقي هم الأخوة في دول الجوار اضافة الى الحلفاء وخاصة الولايات المتحدة، الذين حجبوا أو قزموا مجتمعين مساعداتهم المالية للاردن، مما اضطر الحكومات التي تعاقبت على كرسي رئاسة الحكومة، للجوء الى رفع أسعار الوقود والكهرباء وفرض مزيد من الضرائب، لتعويض ما توقف وصوله من مساعدات مالية للأردن، وذلك في زمن عانى فيه الاردن معاناة كبيرة نتيجة الحرب ضد سوريا، وتدفق المهاجرين السوريين عليه، لتصبح الاحتياجات المطلوب توفيرها للمواطنين وللمهاجرين، فوق قدرة البنية التحية في الاردن على الاحتمال ، اضافة الى معاناته من العجز المالي نتيجة توقف اعانات الجيران وخاصة تلك من السعودية الشقيقة.
وهكذا بات الحل المطروح دائما، هو تعويض العجز المالي بفرض الضرائب، وتوجيه اللوم للحكومة على قيامها بهذه الممارسة المكروهة، دون تقدير بأنها تمارسها مضطرة، علما بأن الشعب هو أيضا مضطر لأن يتذمر ثم يتذمر بعد أن بلغت الضغوطات المالية والضريبية عليه فوق طاقة احتماله.
ولكن تراودني أحيانا مخاوف بأنه وراء الأفق أو الأ زمة ما وراءها، وأن هناك شيء ما يبيت للأردن الآمن المستقر غير المهدد حتى الآن بخطر الارهاب والارهابيين, فهناك ربما… كما يلوح لي أحيانا في أفق خواطري، من يريد العبث بالبلد وبأمنه وباستقراره. فضغوط صندوق النقد الدولي على الحكومة لفرض مزيد من الضرائب ورفع للأسعار وخصوصا أسعار الوقود والكهرباء منها، لتبلغ درجة فوق قدرة احتمال هذا الشعب… هذا المواطن المغلوب على أمره نتيجة سوء تعامل كي لا أقول غدر الجيران والحلفاء به، ونتيجة ما يحاك ضده من خفايا خبيثة.
فالقضية قد لا تتوقف لدى رفض نواب البرلمان لمشروع ضريبة الدخل الجديد المقترح، بل وقد لا تتوقف على استقالة هاني الملقي رئيس الوزراء استجابة لمطلب النواب واتحادات العمال والنقابات، بل قد لا تتوقف على مجيء رئيس الوزراء الجديد وهو عمر الرزاز، الحاصل على أكثر من دكتوراه من جامعة هارفارد، ومنها واحدة في الاقتصاد…حفيد الراحل منيف الرزاز…من كبار مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي…والذي قد يقوم فعلا بسحب مشروع قانون الدخل الجديد المعروض على مجلس النواب… ذلك لأنه…مثلا… قد يحول دون توقفها، احتمال وجود النوايا لاشعال فتنة في هذا البلد، ربما تؤدي الى لجوء صندوق النقد الدولي لوسيلة أخرى للضغط على الأردن، ومنها مثلا….مجرد مثلا، المطالبة بتخفيض قيمة الدينار الأردني في مقابل الدولار، لتصبح قيمة الدولار دينارا أو أكثر عوضا عن 710 فلس مقابل الدولار الواحد، هي القيمة المعتمدة حاليا.
ألا يعني ذلك ارتفاعا فوريا وتلقائيا بل وكبيرا في أسعارسعر سلع كثيرة وخصوصا المستوردة منها ازاء تراجع قيمة الدينار في مواجهة الدولار. وهذا يعني أن القبول بقانون رفع الضرائب، كان سيبدو عندئذ أقل ضررا من تعديل قيمة الدينار في مواجهة الدولار.
ومن هنا يبدو لي، لا دفاعا عن حكومة الملقي أو تبريرا لنهجها، أن الأزمة قىد لا تحل باستقالة رئيس وزراء، أو بسحب مشروع قانون ضريبة الدخل من البرلمان. كما أنها قد لا تحل حتى لو توقفت التظاهرات المعبرة عن حق مشروع للشعب في الاعتراض والتظاهر، مطالبا بحقه الطبيعي في الدفاع عن لقمة عيشه وقوت يومه…. ذلك لأنه اذا وجدت نوايا خبيثة مبيته سواء لدى الحلفاء او لدى الجيران الأشقاء، واستمر الامتناع عن مد يد العون الفوري للأردن ولاقتصاده بتوفير دعم مالي وفير على شاكلة المعونات والهبات المالية….لا عبر مزيد من القروض من صندوق النقد الدولي، والتي بلغت مديونية الأردن له حتى الآن 35 مليار دولار…فاذا لم تأت هذه المعونات، سيظل الأردن يعاني من دوامة الأزمات المالية الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ويعزز وجود احتمال كهذا…احتمال وجود ضغوط متعمدة على الأردن، ذاك التصريح الصادر يوم الاثنين عن ممدوح العبادي، نائب رئيس الوزراء في الحكومة المستقيلة، والذي نفى فيه أن التظاهرات كان مردها مشروع القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل، ملمحا بوضوح شبه تام، أن الأمر كله مرتبط بصفقة القرن، وبالضغط على الأردن لتقبل القدس عاصمة لاسرائيل، وهو الموقف الذي لا يلقى ارتياحا من الهاشميين المعتمدين كحماة للأماكن المقدسة في القدس العربية.
ويعزز وجود مخاطر جدية تهدد الأردن، تصريح العاهل الأردني الواضح والصريح والمباشر، بأن الأردن يقف على مفترق طرق. فاما الخروج من الأزمة وتوفير حياة كريمة للشعب ، أو الدخول في المجهول.
آمل ألا تكون مخاوفي في محلها، وأن تتوقف التظاهرات، وأن تسحب الحكومة الأردنية الجديدة قانون ضريبة الدخل من البرلمان، وأن يعود الاردن الى هدوئه وأمنه واستقراره دون مزيد من التطورات والتفاعلات وخصوصا منها ما يتعلق بقيمة الدينار في مقابل الدولار.
والواقع فانه لا بد من الاعتراف بكل جرأة، أنه لن يكون هناك حل للأزمة المالية والاقتصادية الأردنية، وستسير الأمور تدريجيا من سيء الى أسوأ حسب ما تقتضيه مخططات العابثين بأمن الدول الصغيرة ومنها الاردن ودول أخرى لا مجال لتسميتها أو تعدادها. وأقسى ما يؤلم المراقب أن بعض العابثين بالاردن هم من الاخوة والجيران والحلفاء.
باحث – كاتب ومحلل سياسي