الأقباط متحدون - فى مثل هذا اليوم.. عبد الناصر يتنحى..والجماهير تخرج ..وترفض
  • ٠٦:٣٢
  • السبت , ٩ يونيو ٢٠١٨
English version

فى مثل هذا اليوم.. عبد الناصر يتنحى..والجماهير تخرج ..وترفض

سامح جميل

في مثل هذا اليوم

٣٠: ٠٨ ص +02:00 EET

السبت ٩ يونيو ٢٠١٨

 عبد الناصر يتنحى..والجماهير تخرج ..وترفض
عبد الناصر يتنحى..والجماهير تخرج ..وترفض

فى مثل هذا اليوم 9يونيو 1967م..

عندما بدأ المصريون المقاومة

يختلف الكثيرون حول مغزى أحداث 9 و10 يونيو 1967. فيرى البعض أنها كانت من ترتيب الاتحاد الاشتراكي، فيما يؤكد آخرون على عفويتها. وبينما يعتبرها البعض تعبيراً عن الشعور بالهزيمة والعجز، فإن آخرين يعتبرونها تمسكاً من جانب الشعب بشرعية جمال عبد الناصر. لكن ما يتفق حوله الجميع أنها كانت حدثاً فريداً في تاريخ الشعوب.

صدمة الهزيمة
كانت هزيمة 1967 ضربة موجعة لآمال الشعب المصري والشعوب العربية، ليس فقط بسبب عدم توقع الهزيمة، حيث كانت الدعاية الرسمية لا تدع مجالاً للشك في إمكانية النصر وتحرير فلسطين بأكملها، ولكن أيضاً بفعل الحجم والسرعة التي وقعت بها الهزيمة. ففي غضون الساعة ونصف الساعة بعد نشوب الحرب، دمرت إسرائيل 264 طائرة مقاتلة مصرية، قبل أن يقلع معظمها من المطار. وفي الساعات القليلة التالية دُمرت محطات الرادار المصرية الـ 16 في سيناء. وفي 7 يونيو سقط قطاع غزة في يد القوات الإسرائيلية التي سيطرت أيضاً على الضفة الغربية. وقامت قوات المظلات الإسرائيلية بالسيطرة على شوارع القدس القديمة. وفي 8 يونيو، ورغم إعلان وقف إطلاق النار، توجهت القوات الإسرائيلية نحو الجبهة السورية واحتلت مرتفعات الجولان. ومما زاد من الشعور بالإهانة هو تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق سماء القاهرة بلا رادع. ولم تكن هناك خطة انسحاب، حيث فر قادة الجيش المصري من المعركة منذ الساعات الأولى، وتركوا جنودهم في العراء عرضة لقصف طائرات ودبابات العدو أو الموت عطشاً في الصحراء. وبلغت الفوضى والعشوائية في اتخاذ القرار حداً مذهلاُ، فقد أمر عبد الحكيم عامر بالانسحاب من سيناء في 6 يونيو، بينما أوقف عبد الناصر هذا القرار. وكانت يونيو 1967 بالنسبة للشعب الفلسطيني هي بمثابة 1948 ثانية، حيث فقد هذا الشعب أرضه كاملة وتحول مئات الآلاف منه للاجئين.

ورغم فداحة صدمة الهزيمة، فإنها كانت النتيجة المنطقية الوحيدة للحرب. ولا يعود ذلك فقط إلى الفرق في القوة العسكرية بين الجيشين المصري والإسرائيلي، ولكن أساساً للطريقة التي كان يدار بها الجيش المصري آنذاك. فرغم الإخلاص والإيمان بالهدف من الحرب من جانب ملايين الجنود من الفلاحين المعدمين الذين كانوا على استعداد للتضحية بحياتهم، فإن حالة كبار الضباط كانت مختلفة تماماً، حيث كانوا يعيشون حياة مترفة، غارقين في الفساد، وموجهين جهودهم إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب عبر استغلال وضعهم المتميز. ومن ثم فإن تطوير قدرات الجيش لم يكن يحتل أولوية لدى هؤلاء القادة وعلى رأسهم عبد الحكيم عامر. من ناحية أخرى، فإن العلاقات داخل الجيش، شأنها شأن العلاقات داخل كافة الجيوش النظامية وإن اختلفت درجة ذلك، تقوم على الأوامر ولا تلعب فيها المبادرة أو الإبداع دوراً يذكر في تخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية. وفي ظل هذا الوضع، فإن الفارق الكبير في القوة التسليحية بين الجيشين المصري والإسرائيلي كان من الطبيعي أن ينعكس في تلك الهزيمة الفادحة.

الشعب يرفض التنحي
كانت أحداث 9 و10 يونيو فريدة من نوعها ربما لم تتكرر في تاريخ شعب آخر. فللمرة الأولى، تخرج الجماهير لتطالب لا بمحاسبة المسئول عن الهزيمة بل لتطالب ببقائه في السلطة. فقد أعلن عبد الناصر في 9 يونيو خطاب التنحي قائلاً إنه يتحمل المسئولية كاملة عن هذه النكسة الفادحة ويتخلى عن كافة وظائفه ويعود ليمارس دوره كواحد من أبناء الشعب. وهنا قبل أن ينتهي الخطاب خرجت مصر عن بكرة أبيها تطالب عبد الناصر بالبقاء في الحكم. وفي غضون ساعات قليلة أصبح هناك مليونا ونصف المليون شخص في شوارع القاهرة، الكثيرون منهم خرجوا بملابس النوم، يرفضون رحيل عبد الناصر. وسادت المدن الأخرى، من الدلتا إلى الصعيد إلى مدن القناة، مظاهرات شبيهة استمرت حتى صباح 10 يونيو حينما أعلن عبد الناصر تراجعه عن قرار التنحي.

انكسار أم صحوة
وضع المهتمون بالتعليق على أحداث 9 و10 يونيو تفسيرات متبانية للحدث. فقد رأي البعض، أن هذه المظاهرات كانت إلى درجة كبيرة من تدبير الاتحاد الاشتراكي الذي وفر المواصلات للجماهير المتدفقة من المحافظات إلى القاهرة، وسير بعض الأتوبيسات تحمل أعضاء الاتحاد الاشتراكي للتظاهر تأييداً لعبد الناصر. لكن اتساع المظاهرات وشمولها يشير إلى عفوية هذه المظاهرات.

غير أن الخلاف الأساسي كان في تفسير دوافع أحداث 9 و10 يونيو. فيعتبر المؤيدون لنظام يوليو أن خروج الشعب رافضاً لتنحي عبد الناصر يعد تمسكاً بثورة يوليو وتجديداً لشرعية عبد الناصر. وعلى النقيض من ذلك يرى آخرون أن المظاهرات كانت تعبيراً عن وعي الجماهير الزائف المتراكم منذ 15 عاماً هي عمر حكم الضباط، والذي صنعته آلة الدعاية الضخمة التي أضفت قدسية على عبد الناصر، مما جعل الجماهير في حالة عجز وعدم قدرة على تصور غياب الزعيم.

غير أن الظروف التي أحاطت بأحداث 9 و10 يونيو وسلوك وشعارات الجماهير خلال مسيرتهم في الشوارع تشير إلى أنه يمكن تفسير هذه الأحداث بطريقة مختلفة. وبادئ ذي بدء، يجدر القول بإن خطاب التنحي حمل رسالة إلى الشعب، تعبر عن نهاية طريق وبداية طريق آخر. فتخلي عبد الناصر لزكريا محيي الدين عن الرئاسة كان يعني سقوط فريق وصعود فريق آخر. فكان محيي الدين أكثر رموز المجموعة الحاكمة تعاطفاً مع الولايات المتحدة. فكان يعبر عن قطاع من الطبقة الحاكمة يرى الهزيمة فرصة للتحول عن المشروع السياسي والاجتماعي الذي تنباه النظام منذ 15 عاماً. فبدلاً من رأسمالية الدولة التي كانت تسمى «اشتراكية» يصبح مطروحاً التحول إلى الرأسمالية الخاصة، وبعد أن أثبتت الهزيمة عدم جدوى المساعدة السوفيتية، يصبح التحول نحو أمريكا أكثر فائدة، وبعد أن خسرنا الحرب، لم يعد ممكناً سوى السير في طريق التفاوض. من ناحية أخرى، فإنه لم يكن هناك بديل آخر لهذا المشروع سوى عبد الناصر. فخلال الأعوام السابقة تم القضاء على كافة أشكال المعارضة السياسية والتنظيمية، فلم يكن هناك أحزاب ولا زعامات ولا نقابات تحظى باستقلالية يمكن أن تمثل بديلاً للنظام. لذلك كان تعلق الجماهير بعبد الناصر هو التعبير الوحيد المتاح لرفض المشروع الجديد.

ويصعب القول بإن هذا التقييم كان متبلوراً بوضوح لدى الجماهير، لكنه كان موجوداً بشكل أو آخر في وعيهم، وهو ما عبرت عنه تلك الشعارات التي طرحتها الملايين آثناء مسيرتها. فقد بدا أن الشعب امتص صدمة الهزيمة بسرعة مدهشة، وخرج يهتف «هنحارب»، تعبيراً عن رفض التسليم بالهزيمة والإصرار على المقاومة. من ناحية أخرى، كانت شعارات «لا لأمريكا» «لا للدولار» «لا قائد إلا جمال» تعبيراً عن وعي الجماهير التلقائي بطبيعة المشروع الجديد المطروح. فلم تكن الجماهير الجاهلة والمغيبة تتحرك كالقطيع دفاعاً عن مشروع ثبت فشله، بل بدا أن تظاهرات 9 و 10 يونيو كانت تعبيراً عن استقلالية غابت منذ زمن، وعن روح قتالية جديدة تولدت لدى الشعب.

ما بعد 9 و10 يونيو
لذلك فبدلاً من أن تكون أحداث 9 و10 يونيو تعبيراً عن الجماهير المهزومة، كانت في الواقع أولى الإرهاصات لحركة جماهيرية واسعة. فعندما قرر عبد الناصر التراجع عن قرار التنحي، كان يريد عودة الأوضاع إلى سابق عهدها، وهو ما رفضه الشعب بعد أشهر قليلة. ففي فبراير 1968، صدرت أحكام مخففة ضد قادة الطيران الذين لعبوا دوراً جوهرياً في الهزيمة. بدأ عمال المصانع الحربية عملية الاحتجاج ضد الأحكام، وتوجهوا إلى الاتحاد الاشتراكي رافعين شعار، «لا رحمة مع الخونة». ورغم محاولات قيادات العمال الموالية للنظام إثناء العمال عن الحركة، سير عمال حلوان تظاهرات معارضة لأحكام قادة الطيران، وسُمعت لأول مرة هتافات تطالب بسقوط عبد الناصر. وقرر طلاب جامعة القاهرة تسيير مظاهرة إلى حلوان تعبيراً عن التضامن مع موقفهم. وأضرب عمال شبرا الخيمة تضامناً مع عمال حلوان. وسارت مظاهرات حاشدة قوامها الطلبة والعمال في شوارع القاهرة، رفعت شعارات «الشرطة عدو الشعب» و«يسقط الخونة» و«فين الحرية». واستخدمت الشرطة العنف في مواجهة المتظاهرين وسقط عدد من القتلي. وأعقبت هذه الحركة فترة هدوء حتى نوفمبر من نفس العام حتى تصاعدت حركة الشارع ثانية.

إذن كانت مظاهرات 9 و10 يونيو هي البداية لحركة جماهيرية رافضة للهزيمة وللفساد الذي أدى إليها، حركة رافضة للإمبريالية ولأي تهادن معها، وليست مجرد مظاهرات تطالب ببقاء «الزعيم الخالد» جمال عبد الناصر كما يحاول البعض تصويرها.

وأضرب عمال شبرا الخيمة تضامناً مع عمال حلوان. وسارت مظاهرات حاشدة قوامها الطلبة والعمال في شوارع القاهرة، رفعت شعارات «الشرطة عدو الشعب» و»يسقط الخونة» و»فين الحرية». واستخدمت الشرطة العنف في مواجهة المتظاهرين وسقط عدد من القتلي. وأعقبت هذه الحركة فترة هدوء حتى نوفمبر من نفس العام حينما تصاعدت حركة الشارع ثانية.

كانت مظاهرات 9 و10 يونيو إذن هي البداية لحركة جماهيرية رافضة للهزيمة وللفساد الذي أدى إليها، حركة رافضة للإمبريالية ولأي تهادن معها، وليست مجرد مظاهرات تطالب ببقاء «الزعيم الخالد» جمال عبد الناصر كما يحاول البعض تصويرها...!!