الأقباط متحدون - الزراعة فى الولاية الجديدة للرئيس
  • ٠٩:١٨
  • السبت , ٩ يونيو ٢٠١٨
English version

الزراعة فى الولاية الجديدة للرئيس

د. نادر نور الدين

مساحة رأي

٥٧: ١٢ م +02:00 EET

السبت ٩ يونيو ٢٠١٨

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

نادر نورالدين
يعانى قطاع الزراعة منذ أكثر من عشرين عاما، فلا أصناف جديدة واقعيا خرجت إلى النور ولا تمت زيادة الإنتاجية ولا أنتجنا أصنافا أقل استهلاكاً للمياه وأعلى محصولا وتتحمل الاحترار العالمى والعطش وملوحة التربة، وتوطنت إنفلونزا الطيور كما أصابت أمراض المواشى العديد من محافظات مصر، على الرغم من أنه القطاع الذى يضم 33% من العمالة فى مصر ويعيش فيه 55% من الشعب المصرى ويتاجر فى منتجاته أكثر من 30% أخرى سواء فى المخابز أو مصانع المكرونة والزيوت النباتية واللحوم والدواجن والبيض والألبان ومصنعات اللحوم ومصانع الأعلاف والصيادين ومحال بيع الأسماك ومحال العلافة ومصانع تعبئة الحبوب والبقول ومحال الفاكهة وقطاع الصادرات، وبالتالى فإن القطاع الزراعى قد يسهم فعليا فى نحو نصف الناتج المحلى القومى ونصف التجارة وفرص العمل، إلا أن التجارة فى المنتجات الزراعية ومصنفاتها تنسب لقطاعى التجارة والصناعة والتى تتوقف فى حال تراجع الإنتاج الزراعى. فمنذ عام 2010 خرجت دراسة لمنظمة الأغذية والزراعة تشير إلى أن الزيادة السكانية للعالم تتطلب زيادة إنتاج الغذاء فى عام 2050 بنسبة 60% ولكن الزيادة فى المياه لن تتجاوز من 20 - 30% فقط، وبالتالى فعلى دول العالم التركيز فى استنباط وإنتاج أصناف جديدة من جميع البذور تكون عالية الإنتاجية وقليلة الاستهلاك للمياه.

الانفراجة التى أوضحتها المنظمة العالمية أنها حددت أن 80% من الزيادة المطلوبة عالميا فى إنتاج الغذاء فى المستقبل القريب سوف تأتى من الأراضى القديمة المزروعة حاليا فى الدول النامية والفقيرة، بينما تأتى 20% فقط من التوسع الزراعى وزيادة الرقعة الزراعية. السبب أن أراضى الدول الكبرى والمتقدمة علميا قد وصلت إلى أقصى إنتاجية بسبب تطبيقها الزراعة الحديثة والزراعة الذكية والمتطورة، بينما الدول الفقيرة والنامية مازالت تستخدم الطرق القديمة فى الزراعة والحصاد وتعانى من الإهدار فى المحصول بعد الحصاد بسبب التخزين والنقل البدائيين والحفظ غير العلمى، وحتى الآن لا تعرف الدول النامية الطرق الحديثة فى الزراعة ولا التقاوى عالية الإنتاجية والمتأقلمة مع تغيرات المناخ، وبالتالى فإن إدخال الزراعة الحديثة والذكية والتقاوى عالية الإنتاجية والمعدلات السمادية العالمية فى مثل هذه الدول الفقيرة سوف يؤدى إلى طفرة كبيرة فى الإنتاجية بسبب التحول من الزراعات البدائية إلى الزراعات الحديثة بالاستعانة بالخبرات العالمية والمحلية وعلماء الزراعة والبحث العلمى.

ولأن مصر بلد محدود الموارد المائية ويعانى من فجوة مائية عميقة بالإضافة إلى نقص الأراضى القابلة للزراعة وقصرها على الأراضى الصحراوية والهامشية، بالإضافة إلى محدودية مخزون مياهها الجوفية وعدم تجدده فإن الأمل الأكبر يكون فى تنمية الأراضى الزراعية القديمة بزيادة ومضاعفة الإنتاجية من نفس كمية المياه الحالية وربما أقل لو أنفقنا بشكل أكبر على البحث العلمى الزراعى وإنتاج التقاوى الجديدة المتأقلمة مع تغيرات المناخ، وكأن توصية منظمة الأغذية والزراعة صدرت خصيصا من أجل مصر ولكنها بحثت فقط عمن يوصلها إلى المسؤولين. فأراضينا الزراعية القديمة تبلغ نحو 8.6 مليون فدان طبقا للتصريحات الرسمية لوزارة الزراعة، بينما تشير تقديرات بعض المنظمات العالمية إلى أنها أقل من ذلك بنحو مليون فدان. الزيادة التدريجية لإنتاجية هذه المساحة وبنسبة 25% فقط فى المرحلة الأولى للتنمية الزراعية المرتقبة تعنى وكأننا أضفنا أكثر من مليونى فدان للرقعة الزراعية دون زيادة فى استهلاكنا للمياه أو إنفاق مبالغ ضخمة فى التوسع الزراعى ومستلزماته، ثم نعمل على تحقيق 25% أخرى فى إنتاجية الأراضى القديمة فى المرحلة الثانية للتنمية الزراعية باستخدام التقاوى والأصناف عالية الإنتاجية وتحديث الزراعة والدخول فى مجال الزراعة الذكية ومعها الزراعة العضوية والتصديرية. هذا الأمر ليس بالمستغرب ولا بالمستحيل تحقيقة فالبيانات الرسمية للمنظمات الدولية تشير إلى تخلف إنتاجية الزراعات العربية والمصرية عن معدلات الإنتاج العالمى بشكل كبير يمكن معه مضاعفة الإنتاج فى سنوات قليلة، على أن يدخل البحث العلمى الزراعى ضمن الاهتمامات بالتعليم والصحة فى المرحلة القادمة لأنه أمل مصر فى التنمية ولن نتقدم بغير العلم وتطبيقاته.

هذا الاهتمام بالأراضى القديمة وأحوال الفلاح والمزارعين وتحسين الدخول والحد من الفقر فى الريف وزيادة ربحية المزارعين سيؤدى إلى الاهتمام بالأراضى الزراعية والحد من البناء عليها وتراجع الهجرة من الريف إلى الحضر والمدن كما تتراجع معدلات الجريمة للعاطلين من النازحين أو الوقوع فى براثن التشدد والإرهاب. هذا الأمر لا يعنى توقف الاهتمام باستصلاح الأراضى كفرع من فروع الزراعة ولكنه يعنى فقط الاهتمام بالأصل أولا ثم بالفرع ثانيا. فالأراضى الصحراوية مكلفة ومجهدة ولا يظهر إنتاجها سريعا، وبالتالى فإن استغلالها وزراعتها ينبغى أن يكون فى الزراعات عالية العائد والتصديرية وليس الحاصلات التقليدية، كما يمكن نقل الحاصلات التى تعانى من توطن أمراضها فى الترب القديمة بسبب تراكم الإهمال عبر عقود طويلة. فالزراعة العضوية أمل كبير لمصر فى الأراضى الجديدة وهى غائبة عنها فى الساحات العالمية بينما تتربع إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وتونس وكينيا على رأس الدول الأفريقية المصدرة للأغذية العضوية النظيفة إلى أوروبا وأمريكا والتى تتسع أسواقها دوريا بسبب إيمان العالم المتقدم بالعودة إلى الطبيعة فى الزراعة والابتعاد عن الأغذية التى تحتوى على الكيماويات من أسمدة مصنعة أو مبيدات فى زمن الاهتمام بالصحة العامة والإنسان. الموقع الجغرافى لمصر على سواحل المتوسط ومقابل الدول الأوروبية يقلل من تكاليف الاستيراد لهذه المنتجات الزراعية من مصر بدلا من الدول البعيدة والواقعة فى عمق القارة فى تكامل لا تنافس لأن الأسواق العالمية تتسع وتطلب المزيد من الإنتاج من الزراعات النظيفة ولكن ستكون مؤشرات التنافسية العالمية فى صالح مصر.

نفس الأمر يتكرر مع زراعات البطاطس والبصل والطماطم والتى توطنت أمراضها فى بعض الأراضى القديمة وجعلتنا نلهث وراء الدولة المستوردة لها لرفع الإيقاف عن استيرادها، كما يحدث أيضا مع الدول العربية التى توقف استيراد بعض المنتجات من مصر بسبب زيادة تركيز المبيدات فى المنتجات وبالتالى يمكن أن تكون الأراضى الجديدة البكر الخالية من التلوث بمياه آبارها العميقة والخالية أيضا من التلوث مصدر خير كبير لتعظيم الصادرات المصرية عربيا وأوروبيا ودوليا، فمصر بلد الحضارة العريقة التى بنيت على الزراعة، وبعدها يكون الخبراء المصريون قبلة لجميع أشقائهم فى القارة الأفريقية والمنطقة العربية والآسيوية.

لم يعد هناك وقت للحديث عن أن الزراعة مهنة طاردة لأولادها وأن الريف والصعيد مناطق طاردة لشبابها، وأن الأمل فى مضاعفة الإنتاج فى الأراضى القديمة والتصنيع الزراعى إلى جوار زراعات الصوبات الزراعية الموفرة للمياه والمتضاعفة الإنتاجية ثم زراعات التصدير سواء عضوية أو نظيفة وخالية من توطن الأمراض أو من عشوائية استخدام المبيدات فى الأراضى الجديدة- يجعل مصر تعود إلى عرش الدول الزراعية الكبرى وتقود التنمية الزراعية فى مصر والقارة الأفريقية لتحقيق الأمن الغذائى وطفرة تصديرية وسمعة دولية.

* الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع