الأقباط متحدون - الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد 22 ـ الخروج إلى النهـــــــــــــــار
  • ٠١:٢٥
  • الاثنين , ١١ يونيو ٢٠١٨
English version

الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد 22 ـ الخروج إلى النهـــــــــــــــار

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

٠٠: ٠٢ م +02:00 EET

الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٨

الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد
الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد
كمال زاخر
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
التاريخ : 10 مايو 1973 م.

المناسبة : زيارة قداسة البابا شنودة الثالث للفاتيكان.
من هنا نبدأ عندما يكون الطرح متعلقاً بسعى التقارب الحثيث بين الكنائس لما للحدث من وقع تاريخى، فهى زيارة تأتى بعد قطيعة ممتدة لقرون هذا عددها، ويبادر بها شخصية لها ثقلها، وانتجت بياناً مشتركاً مازال يبحث عمن يستوعبه ويفعّله وينطلق منه ويراكم عليه، وربما يرد من يرقصون على طبول الفرقة والكراهية بعقل بارد وقلب منزوعة مسيحيته إلى رشدهم، ويجردهم من اسلحة الدمار التى يشهرونها فى وجه كل من يسعى للبعث الآبائى، اللافت الصورة التى اعتمدتها الكنيسة لترافق البيان والتى لا تقل أهمية عنه، فهى تجمع بين البابا السكندرى وبابا روما، يجلسان أمام مذبح كنيسة القديس بطرس، بروما، بملابس الكهنوت البيضاء فى اشارة محملة بالدلالات، وعلى مسافة متساوية، وكراسى تعلن الندية الأخوية، يعود منها قداسة البابا شنودة الثالث ومعه بعض من رفات القديس أثناسيوس الرسولى، حامى الإيمان المسيحى، بغير منازع، والذى يمثل القاعدة اللاهوتية التى تنطلق منها الكنيستان، لاهوت التجسد، وتدبير الخلاص، وشغف قلب المسيح "أن نصير واحداً فيه". وقال البابا بولس السادس فى هذه المناسبة :
"ما أنسب ما تعكسه ليتورجية هذا اليوم الذى نحتفل فيه بالذكرى المجيدة للقديس أثناسيوس حامى الإيمان الباسل والشجاع! إن القديس أثناسيوس هو أب ومعلم للكنيسة الجامعة ولذلك يستحق أن نشترك فى تذكاره... يعلن القديس أثناسيوس "أن كلمة الله أتى بنفسه حتى وبكونه هو صورة الآب يستطيع أن يعيد خلقة الإنسان على صورة الله."
 
وفى كلمة البابا شنودة الثالث فى ذات المناسبة يقول :
"كما حارب القديس أثناسيوس الأريوسية، هكذا جاهد القديس كيرلس من أجل الدفاع عن الإيمان فى مواجهة النسطورية، وأعلن إيمان العالم المسيحى الغربى والشرقى منه على السواء. وكما كان الأمر بالنسبة إلى أثناسيوس، فقد صار نقطة إتفاق، ليس فى ما يتعلق بالإيمان فحسب، بل فى طريقة التعبير المستقيمة والمحددة للإيمان التى تمثل بوضوح كلمة الحق بدقة وفاعلية.
 
إن اللاهوت التقليدى المشترك لأثناسيوس وكيرلس يشكل قاعدة صلبة للحوار الذى نوكله إلى عدد كبير من اللاهوتيين ليسلكوا فيه بروح محبة صادقة."
 
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
وبنهاية الزيارة يصدر بياناً مشتركا تقول سطوره :
بولس السادس اسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية، وشنوده الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يقدمان الشكر لله فى الروح القدس، إذ أنه بعد الحدث العظيم لعودة رفات القديس مرقس إلى مصر، قد تقدمت العلاقات بين كنيستى روما والإسكندرية، حتى أمكن الآن أن يصير بينهما لقاء شخصى. وفى ختام اجتماعاتهما ومحادثاتهما يودان أن يعلنا معاً ما يلى: 
 
لقد تقابلنا معاً تحدونا الرغبة فى تعميق العلاقات بين كنيستينا، وإيجاد وسائط واضحة المعالم وفعالة للتغلب على العقبات التى تقف عائقاً فى سبيل تعاون حقيقى بيننا فى خدمة ربنا يسوع المسيح الذى أعطانا خدمة المصالحة لنصالح العالم فيه (كورنثوس الثانية 5: 18- 20(.
 
وطبقاً لتقاليدنا الرسولية المسلّمة لكنيستينا والمحفوظة فيهما، ووفقاً للمجامع المسكونية الثلاثة الأولى، نعترف بإيمان واحد بالإله الواحد مثلث الأقانيم، وبلاهوت ابن الله الوحيد، الأقنوم الثانى للثالوث القدوس، كلمة الله وشعاع مجده ورسم جوهره، الذى تجسد من أجلنا، متخذاً لنفسه جسداً حقيقياً بروح عاقلة، وشاركنا فى إنسانيتنا ولكن بغير خطيئة. ونعترف أن ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح، إله كامل من حيث لاهوته، وإنسان كامل من حيث ناسوته. وفيه اتحد لاهوته بناسوته اتحاداً حقيقياً كاملاً بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تشويش ولا تغيير ولا تقسيم ولا افتراق. فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. وأنه وهو الإله الأزلى الأبدى غير المنظور صار منظورًا فى الجسد، واتخذ صورة عبد. وفيه قد حفظت كل خواص اللاهوت وكل خواص الناسوت معاً فى اتحاد حقيقى وتام غير منقسم وغير مفترق.
 
إن الحياة الإلهية تمنح لنا وتنمو فينا وتتغذى بواسطة أسرار المسيح السبعة فى كنيسته وهى: المعمودية، والميرون (التثبيت)، والإفخارستيا، والتوبة، ومسحة المرضى، والزيجة، والكهنوت.
 
ونحن نكرم العذراء مريم، أم النور الحقيقى، ونعترف أنها دائمة البتولية، وأنها والدة الإله، وأنها تشفع فينا وأنها بصفتها والدة الإله (ثيئوتوكوس) تفوق فى كرامتها جميع الطغمات الملائكية.
 
وأن لنا، إلى درجة كبيرة، نفس المفهوم عن الكنيسة، المؤسسة على الرسل، والدور الهام الذى للمجامع المسكونية والمحلية. وتعبّر طقوسنا وليتورجية القداس خير تعبير عن روحانيتنا، فالقداس هو مركز وجوهر عبادتنا الجماعية وهو قمة اتحادنا وشركتنا فى المسيح فى كنيسته. ونحن نحفظ الأصوام والأعياد الخاصة بإيماننا. ونكرم ذخائر القديسين ونتشفع بالملائكة والقديسين الأحياء منهم والمنتقلين. هؤلاء يؤلفون سحابة من الشهود فى الكنيسة. وهم ونحن ننتظر- فى رجاء- المجئ الثانى لربنا عند استعلان مجده ليدين الأحياء والأموات.
 
ونحن نعترف، بكل إتضاع، أن كنائسنا غير قادرة على أن تشهد للحياة الجديدة فى المسيح، بصورة أكمل، بسبب الانقسامات القائمة بينها والتى تحمل وراءها تاريخاً مثقلاً بالصعوبات لعدة قرون مضت. والواقع أنه منذ عام451 م، قد نشبت خلافات لاهوتية امتدت واتسعت وبرزت بسبب عوامل غير لاهوتية. وهذه الاختلافات لا يمكن تجاهلها، ولكن بالرغم من وجودها، فإننا نعيد اكتشاف أنفسنا فنجد أن لكنيستينا تراثاً مشتركاً، ونحن نسعى بعزم وثقة فى الرب أن نحقق كمال تلك الوحدة وتمامها التى هى هبة من الرب.
 
ولكى نتمكن من إنجاز هذه المهمة، نشكل لجنة مشتركة من ممثلين للكنيستين، مهمتها توجيه دراسات مشتركة فى ميادين: التقليد الكنسى وعلم آباء الكنيسة والليتورجيات واللاهوت والتاريخ والمشاكل العلمية، حتى إنه يمكن السعى بالتعاون المشترك لحل الخلافات القائمة بين الكنيستين، بروح الاحترام المتبادل، بل ونستطيع نعلن الإنجيل معاً بطرق تتطابق مع رسالة الرب الأصيلة، ومع احتياجات عالم اليوم وتطلعاته. ونعبّر فى نفس الوقت عن تقديرنا وتشجيعنا لأى جماعات أخرى من الدارسين ومن الرعاة، من بين الكاثوليك والأرثوذكس ممن يكرسون جهودهم لنشاط مشترك فى الميادين المذكورة وما يتصل بها.
 
وإننا فى إخلاص وإلحاح، نذكر أن المحبة الحقيقية، والمتأصلة فى أمانة كاملة للرب الواحد يسوع المسيح، وفى الاحترام المتبادل من كل طرف لتقاليد الطرف الآخر، لهى عنصر جوهرى فى السعى نحو الشركة الكاملة.
 
إننا باسم هذه المحبة، نرفض كل صور الاستلال من كنيسة إلى أخرى، بمعنى أن يسعى أشخاص لإزعاج الكنيسة الأخرى، وذلك بضم أعضاء جدد إليهم من هذه الكنيسة، بناء على اتجاهات فكرية أو بوسائل تتعارض مع مقتضيات المحبة المسيحية أو مع ما يجب أن تتميز به العلاقات بين الكنائس. ينبغى أن يوقف هذا الخطف بكل صورة أينما وجد. وعلى الكاثوليك والأرثوذكس أن يجاهدوا من أجل تعميق المحبة، وتنمية التشاور المتبادل، وتبادل الرأى والتعاون فى المجالات الاجتماعية والفكرية. ويجب أن يتواضعوا أمام الرب، ويتضرعوا إليه أن يتفضل، وهو الذى بدأ هذا العمل فينا، أن يكمله.
 
وإذ نفرح فى الرب الذى منحنا بركات هذا اللقاء، تتجه أفكارنا إلى آلاف المتألمين والمشردين من شعب فلسطين. ونأسف على سوء استخدام الحجج الدينية لتحقيق أغراض سياسية فى هذه المنطقة. وبرغبة حارة نتطلع إلى حل عادل لأزمة الشرق الأوسط حتى يسود سلام حقيقى قائم على العدل، خصوصاً فى تلك الأراضى التى تقدست بكرازة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وموته وقيامته، وبحياة القديسة العذراء مريم هذه التى نكرمّها معاً بصفتها والدة الإله (ثيئوتوكوس). لعل الله مانح جميع المواهب والعطايا يسمع صلواتنا ويبارك سعينا.
 
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
وتتواصل اللقاءات والمحادثات المسكونية بين الكنيستين، فى صعود وهبوط، يتهددها التوقف أحياناً، وتنقطع مع ارتباكات سنوات اعتقال البابا شنودة، وحال عودته إلى كرسيه (يناير 1985) تعود مجدداً، وفى عام 1988 يوافق المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية على الاتفاقية الكريستولوجية الرسمية الموقعة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويرحب بها البابا يوحنا بولس الثانى فى خطاب منه إلى البابا شنودة الثالث، وتتوج بزيارة الحبر بابا الفاتيكان إلى مصر، 24 فبراير 2000، زيارة ارتجت لها مصر قاطبة، وفيها يقيم قداساً فى استاد القاهرة يحضره نحو 23 الف من المصريين، ويزور دير سانت كاترين بسيناء والتابع لكنيسة الروم الأرثوذكس، ويصلى هناك قداساً، ولا تقل رسائل زيارته لمصر فى اهميتها ودلالاتها وتحدياتها عن زيارة قداسة البابا شنودة لروما.
 
وفى سياق دعم التواصل تأتى زيارة الكاردينال كاسبر ـ رئيس المجلس البابوى لتعزيز الوحدة بين المسيحيين ـ إلى مصر بنهاية مارس 2000 وحتى 22 أبريل، ويلتقى خلالها بالبابا شنودة الثالث الذى يطلب إعادة الحوار الرسمى مع الكنيسة الكاثوليكية فى إطار ارتباطنا مع كل عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية.
 
وعندما يأتى البابا تواضروس الثانى تشهد مصر والكنيسة لقاءً بين بابا الاسكندرية وبابا روما البابا فرانسيس الأول، فى اجواء اكثر تعقيداً فى الداخل والخارج، 28 ابريل 2017، ويصدر عنها بياناً مشتركاً أثار الكثير من الجدل، حول القبول المتبادل بمعمودية كل من الكنيستين، الأمر الذى اضطر كنيستنا الى اعادة صياغة البيان لتجنب تداعيات الهجوم الذى لم يكن كله بريئاً. والذى لم يقرأ أصحابه بيان مايو 93.
 
وهو ما سنتناوله فيما بعد بما يستحقه من تفصيل، والذى لم يكن إلا حلقة فى سلسلة المواجهات بين الفرقاء.
 
على أن الكنيسة اجتازت العديد من تجارب التقارب أو لنقل التحالف، بدأت بمجلس الكنائس العالمى (1948)، ثم مجلس كنائس الشرق الأوسط (1974) ثم انتهت إلى مجلس كنائس مصر (2014)، فماذا فعلنا بها وماذا فعلت بنا، ولماذا لم تنجح هذه التجارب فى حلحلة التباعد أو خلق تفاهمات تكسر حدة الإحتراب، وهل حلت فيها السياسة والأبعاد الإجتماعية محل التوجه اللاهوتى؟، هذا ما سنقترب منه فى اللقاء القادم.
 
ثم فى لقاء تال نعرج على تجربة المجمع الفاتيكانى الثانى (1962 ـ 1965) ونطرح تساؤل تفرضه حالة الإحتراب بين الفرقاء عندنا هل نشهد استنساخاً مصرياً له تحت لافتة "المجمع المرقسى الأول"؟
بالضرورة لدينا ما نقوله. لمن لهم آذان للسمع ويسمعون.
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع