«٥٧٣٥٧».. مستشفى آل أبوالنجا
مقالات مختارة | وحيد حامد
الثلاثاء ١٢ يونيو ٢٠١٨
من مقدمة ابن خلدون، رائد علم الاجتماع العربى، أقتبس صدارة مقالى هذا مع بعض التصرف..
* من علامات الانهيار أن الأقنعة تتكشف ويختلط ما لا يختلط.. يضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعانى والكلام.. ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.
* من علامات الانهيار انتشار الشائعة وظهور العجائب وتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق، ويعلو صوت الباطل.. وتظهر على السطح وجوه مريبة وتختفى وجوه مؤنسة وتجف الأحلام ويموت الأمل وتزداد غربة العاقل، ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقاً وإلى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان.
* يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدعون والكتبة والقوالون، والمغنون النشاز، المتصعلكون وقارعو الطبول وأدعياء المعرفة والمداحون والهجاءون وعابرو السبيل والانتهازيون.
* من علامات الانهيار أن يضيع صوت الحكماء فى ضجيج الخطباء والمزايدات على الانتماء، وتحاك الدسائس والمؤامرات، وتكثر النصائح من القاصى والدانى.. وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. ويتحول الوطن إلى محطة سفر.
كانت هذه رؤية ابن خلدون وكأنه يرى أحوالنا فى هذه الأيام، ولأن هذا الوطن لم يفقد كل الشرفاء الذين يبحثون عن الحق والعدل والخير والرخاء لهذه الأمة، وأن الضمائر النقية الطاهرة والتى لم تتأثر بمال أو شهوة أو سلطة هى صاحبة الأغلبية، فلا يمكن أن تسمح لأصحاب الضمائر الميتة أن يصولوا ويجولوا ويسرقوا وينهبوا فى وضح النهار.
أيها السيدات والسادة أنتم جميعاً تعلمون أن الوطن يعيش فترة عصيبة وإن لم يتجاوزها ويقفز فوقها فإن الأحوال سوف تتغير من السيئ إلى الأسوأ.. ومن منطلق قومى وإنسانى نفتح ملف هذا المستشفى أمام الرأى العام بغرض واحد وحيد هو كشف الحقيقة والتخلص من الخطأ والإبقاء على الصواب، فهدفنا البناء لا الهدم.. وذلك حتى نغلق كل الأبواب أمام الكتبة المأجورين وكتائب الإنشاد التى تغنى للباطل والذين يأكلون من مال الله دون وجه حق، ونفتح كل الأبواب للتصويب إذا تجاوزنا أو أخطأنا.. فنحن لا نرمى الناس بالباطل ولسنا فى خصومة مع أحد.. ونحن مع أهداف الجمعيات الخيرية ومع دعم الفقراء والمرضى وحتى أبناء السبيل وأيضاً مع الدعوات للتبرع بواسطة الإعلان.. ولكن بشرط توفر النزاهة الكاملة والشفافية المطلقة.. فى جملة قصيرة نحن نحارب الفساد إن وجد.. فهل هناك من يعترض؟
قد يتساءل البعض لماذا فتح هذا الملف الآن؟ ولأن معظم النار من مستصغر الشرر فإن الشرارة الأولى هى تصريح السيد وزير الصحة الذى يفيد بأن الدولة تقوم بعلاج أربعين ألف مريض سرطان مجاناً ودون إعلانات أو تلقى تبرعات!! الشرارة الثانية هى مستشفى ٥٧٣٥٧ نفسه بالحملة الإعلانية المكثفة التى تطارد الناس فى بيوتهم وغير بيوتهم وفى تكرار ممل مع صوت أقرب إلى نحيح الأفاعى يصاحب كل إعلان فإن الإنسان لابد أن يسأل ما هى نتيجة هذا الصخب الذى تكلف كثيراً وبثه على الفضائيات يتكلف أكثر وأكثر.. لأن المتبرع يدفع بقصد وغرض علاج مريض وليس تمويل إعلان، وعليه يجب أن تكون الإعلانات فى أضيق الحدود، التبرع من أجل تكاليف علاج المرض اللعين بالدرجة الأولى.
وقد سبق لى منذ سنوات الكتابة عن سلبيات هذا المستشفى، وكان أولاها استخدام الأطفال المرضى وتصويرهم فى الإعلانات لأن ذلك لا يجوز أخلاقياً وإنسانياً ودينياً وضد حقوق الطفل، كما أنها تسبب حالة من الرعب والهلع لدى الناس جميعاً، ويبدو أن القائمين على أمر المستشفى أدركوا ذلك فبدلاً من الكف عن استخدام الأطفال المرضى استخدموا ذويهم أيضاً وكأن المهمة الأساسية هى جمع المال بغض النظر عن كل ما هو أخلاقى أو إنسانى أو حتى دينى، هذا الأمر كان الدافع الأصلى للكتابة، وعندما ناقشت بعض الأصدقاء فى هذه المسألة كشفوا لى وقتها عن سلبيات أخرى فى غاية الخطورة وهى أن هذا المستشفى لا يقبل الطفل المريض الذى سبق أن تلقى بعض العلاج فى جهة طبية أخرى، وأنه لا يقبل إلا الأطفال المرضى عندما يكون المرض فى بداياته.. و.. و..
وفجأة.. وذات صباح وجدت الأستاذ محمود التهامى ومعه الدكتور شريف أبوالنجا الذى لم أكن أعرفه ضيفين على مائدتى فى الفندق الذى ارتاده، والأستاذ التهامى له عندى مكانة ومنزلة، فقد كان رئيس مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف ورئيس تحرير المجلة التى أكتب صفحتها الأخيرة بالمشاركة مع الصديق عاصم حنفى والرجل كان مثالاً طبياً فى كل شىء، ولم أكن أعلم أنه يعمل فى هذا المستشفى، وبمناقشة الأمر معى، وبعد أخذ ورد اقتنعا الرجلان على مضض وتركانى مع وعد منهما بمراعاة كل ما ورد فى المقال الذى كتبته وقتها.. ولكن للأسف صارت الأحوال أكثر سوءاً.. واليوم نفتح هذا الملف من جديد.
إدارة هذا المستشفى تهيمن عليها عائلة واحدة هى عائلة الدكتور شريف أبوالنجا الذى يقبض بيده على جميع السلطات، ويشغل عدة مناصب فهو المدير العام وعضو مجلس إدارة المجموعة، وعضو مجلس الأمناء وأيضاً أصدقاء المبادرة القومية ومناصب أخرى.. ثم الأستاذ محمود التهامى الذى يشغل منصب المدير التنفيذى للمؤسسة وهو زوج أخت الدكتور شريف أبوالنجا، وهو أيضاً عضو مجلس الأمناء وعضو مجلس إدارة المجموعة وأيضاً جمعية المبادرة القومية للسرطان وهو أيضاً الأمين العام.. أما الدكتورة منال زمزم فقد تم تخصيص مقاطعة أو أبعادية تكون خاصة بها تحت مسمى أكاديمية العلوم الطبية، ولا نعرف هل هناك ترخيص رسمى بإنشاء هذه الأكاديمية من وزارة البحث العلمى أم لا؟ وما هو الدور الذى تقوم به؟ وهل تصلح الدكتورة لإدارتها؟ وما الفائدة منها بالنسبة للمستشفى؟ ثم الأستاذ محمد عرفان ابن عمة الدكتور شريف وهو مسؤول عن قسم (IT) وأيضاً الدكتور طارق عيسى ابن خاله الدكتور شريف ثم زوجة ابن الأستاذ التهامى الحاصلة على مؤهل متواضع وتشغل منصب مدير إدارى، بالإضافة إلى رهط من أصحاب الرتب الذين تركوا مناصبهم وكلهم من ذوى القربى أو المحاسيب.. وكل هؤلاء رواتبهم خيالية بمعنى الكلمة ربما تفوق قيمتها عقود «تركى آل الشيخ» وهنا لنا وقفة، فالمعروف أن القائمين على إدارة الأعمال الخيرية يتقاضون أقل الأجور أو يعملون دون أجر ولا يغرفون فى بطونهم من أموال التبرعات التى هى مال الله لأن هذه الأموال مدفوعة من أجل إنقاذ الأطفال المساكين الذين تتم المتاجرة الرخيصة على كل الشاشات المصرية والعربية من أجل الاستحواذ على أكبر قدر من المال - الذى سنأتى إليه حالاً - وأى إنسان فطن يدرك أن كثرة المنشآت هذه الغرض منها استهلاك الأموال وصنع متاهة بحيث لا يتمكن أى باحث أو منقب عن حقيقة ما يجرى ويدور وقطع الطريق أمامه حتى لا يصل إلى الحقيقة أبداً، وتظل الدائرة مغلقة على الأسرة الحاكمة ومن معهم.
ثم نأتى إلى جمعية أمريكا التى أسستها الأسرة الحاكمة للمستشفى بهدف جمع التبرعات من أمريكا بالدولار، وإذا بهذه الجمعية تلعب دوراً غامضاً ولا أحد يعرف هل تأتى بدولارات أم الدولارات هى التى تسافر إليها؟!
وتأتى الدهشة التى تفقد العقل صوابه وهى تبرع المستشفى إلى هيئة الصرف الصحى بمبلغ سبعة وثلاثين مليوناً ونصف.. أكرر هيئة الصرف الصحى وليس أى مستشفى يعانى من الجفاف المالى، بينما يعالج مئات الآلاف ويحقق نتائج ومعدلات شفاء عالية جداً.. بالإضافة إلى أن قانون تأسيس المستشفى لا يسمح بإنفاق أى قرش فى غير الغرض المحدد له وهو علاج الأطفال المرضى.. لا يخدعنا المظهر الأنيق للمستشفى والعاملين به فهو ليس فندقاً يقدم الغرف والطعام للنزلاء.. وإنما هو مستشفى هدفه علاج الأطفال فى المقام الأول.
ولأن الدكتور أبوالنجا ومن معه يحتمون وراء شبكة قوية من كبار وصغار الصحفيين والمسؤولين أيضاً بعضهم لا يعرف حقيقة ما يجرى والبعض الآخر يعرف ويصمت مجاملة أن هذا المستشفى فى حماية الدولة ذاتها، والسيد أبوالنجا يعلنها أحياناً صراحة وأحياناً تلميحاً بأن الصدام مع المستشفى هو صدام مع الدولة، وأنا شخصياً لا أخشى الصدام مع الدولة فى حالات الكشف عن فساد أو إهمال، ثم أنا على يقين أن هذا المستشفى ليس هو الدولة.. لقد قام ونهض بأموال كل شعب مصر الذى دفع الملايين يتساوى مع الذى اقتطع من قوت عياله جنيهاً وتبرع به رحمة بطفل يعانى.. ولا أحد فوق الحساب والمساءلة.. ونأتى إلى الأرقام:
١- عدد أسرة المستشفى حوالى مائتى سرير القاهرة وطنطا، ويستقبل كل عام ألف مريض لا أكثر ونسبة الوفيات ٢٥٪ وهنا لنا وقفة لأن الإعلانات تقول إن نسبة الشفاء مائة فى المائة.
٢- إجمالى التبرعات بنسب متفاوتة يزيد على المليار جنيه سنوياً.
٣- ما ينفق منها على علاج الأطفال بين ١٦٠ مليون جنيه و٢٠٠ مليون جنيه.
٤- ومن خلال البحث عن أرقام دقيقة وجدنا فى تقرير المراقب المالى عن عام ٢٠١٧ الآتى:
- التبرعات أكثر من مليار جنيه.
- الإعلانات ١٣٦ مليون جنيه.
- علاج الأطفال المرضى ١٦٤ مليون جنيه.
أما بالنسبة للأجور والرواتب عام ٢٠١٥ فهى ٢١٠ مليون جنيه، وعام ٢٠١٦ ٢٨١ مليون جنيه، ولم تعلن ميزانية ٢٠١٧ حتى الآن. والميزانية التقديرية لعام ٢٠١٨ هى ٤٠٠ مليون جنيه.
والثابت أن هذا المستشفى المغلف بورق السلوفان والمحاط بالسرية والكتمان كأنه مؤسسة عسكرية، مطلوب منه أن يكشف أوراقه ويعلن عن ميزانيته، فهو بعيد عن الحصانة من أى نوع ويخضع للمحاسبة لأنه انتزع انتزاعاً من المعهد القومى للأورام.. وعليه أن يغير من سياسته المشبعة بالتعالى على الفقراء وتجاهل صرخات أطفالهم، الابتسامة على وجوه الأطفال ترى فى الإعلانات فقط.. أما الدموع والحسرة والألم فهى على وجوه المطرودين بلا رحمة من المستشفى.
نقلا عن المصري اليوم