في مثل هذا اليوم ..قيام الدولة الخلجية في الهند على أنقاض الدولة الغورية
سامح جميل
١٩:
٠٩
ص +02:00 EET
الاربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٨
فى مثل هذا اليوم 13 يونيو 1290م..
وقام الخليجيون في الفترة القصيرة التي حكموا فيها –وهي نحو ثلاثين عامًا- بجلائل الأعمال؛ فنشروا الإسلام في "شبه القارة الهندية" كلها، وردوا الخطر المغولي الذي كان يتهدد الهند.
الدولة الخلجية هي إحدى الدول الإسلامية المستقلة في الهند، دام حكمها ما يقارب ربع قرن، فكان لها الفضل أن أظلت راية الإسلام شبه القارة الهندية كلها لأول مرة في التاريخ إلى أن قامت بعدهم دولة بني تغلق.
من هم الخلجيون؟
الخلجيون أصلهم من الترك الأفغانيين، وكانوا أسرة محاربة، ظهر أمرها من أيام الدولة الغزنوية، ويرى بعض المؤرخين أنهم ينتسبون إلى "قليج خان" أحد أصهار "جنكيز خان" نزل بجبال "الغور" بعد هزيمة "خوارزم شاه"، وحرف اسمه بعد ذلك إلى "خلج"، وعرف ورثته بـ "الخلجيون"، واندمجوا في الحياة في أفغانستان، واعتنقوا الإسلام في عهد سلاطين الدولة الغزنوية، وضم الجيش الغزنوي فرقًا منهم أسهمت في فتح الهند.
وظهر أمرهم منذ أيام الدولة الغورية، وازداد نفوذهم في عهد دولة المماليك، وتولوا حكم إقليم "البنغال"، ونهضوا بالوظائف الكبرى في الدولة.
قيام الدولة الخلجية
بعد وفاة "غياث الدين بلبن" تولى حفيدة "كيقباد" الحكم، وكان شابًا لاهيًا منصرفًا عن إدارة دولة المماليك، وهو ما أطمع الخلجيين في الإطاحة بنظام الحكم في "دلهي"، فجمعوا أمرهم تحت قيادة زعيمهم "فيروز"، ودخلوا "دلهي"، وأسقطوا حكم بيت "غياث الدين بلبن"، وأعلن فيروز نفسه سلطانًا، ولقب نفسه بـ "جلال الدين"، وذلك في الثاني من جمادى الآخرة 689هـ = 13 من يونيو1290م).
جلال الدين فيروز شاه
استطاع السلطان جلال الدين أن يجذب القلوب التي كانت نافرة منه بعد اجتياح قواته مدينة "دلهي" وقتلها "كيقباد"، وقد كان شيخًا كبيرًا في السبعين من عمره، يميل إلى الحلم والسماحة؛ فنجح في أن يتألف القلوب من حوله، وبلغ من سماحته أنه عفا عن بعض الثائرين عليه، وفكَّ أغلالهم، وأجلسهم بمجلسه، وقال لهم: كنتم زملائي، وقد جعلني الله ملكًا؛ فأنا أشكر الله على نعمته، ولا أنسى الماضي، وأنتم بوفائكم لأميركم من "آل بلبن" قد قمتم بواجبكم، ولا يمكن أن أحاسبكم على هذا الوفاء.
وقد نجح السلطان جلال الدين فيروز شاه في رد غارات المغول حين عاودوا هجومهم على الهند، وأسر منهم ألوفًا، وأنزلهم بضواحي "دلهي"، ثم خرج في سنة (694هـ = 1214م) لفتح "الدكن"، وتمكن من التغلب على إمارة "ديوكر" الهندية، ودخل الدكن؛ فكان أول من دخلها من سلاطين المسلمين.
وكان من إفراط السلطان في حسن الظن بمن حوله أن استطاع ابن أخيه علاء الدين محمد أن يستدرجه إلى مقامه في "كره"؛ بدعوى مشاهدة بعض الغنائم الثمينة التي أتى بها من "الدكن"، ودبر له مَن قتله قبل أن يلتقيا في (4 من رمضان 694 هـ = 18 من يوليو 1295م).
علاء الدين الخلجي
بعد أن غدر علاء الدين بعمه زحف بجيشه إلى "دلهي"، حين جمعت زوجة جلال الدين أنصار زوجها، ونادت بابنها "ركن الدين إبراهيم" سلطانًا خلفًا لأبيه، لكن علاء الدين هاجم دلهي، وأجبر ركن الدين على الفرار إلى "الملتان"، ونصَّب نفسه على عرش الهند في دلهي سنة (695 هـ = 1295م).
ولما استقرت الأمور للسلطان علاء الدين الخلجي بدأ يتجه لشؤون الدولة الحربية، ويعنى بالنواحي الاجتماعية، وكان سلطانًا قويًا طموحًا، نجح في دفع الخطر المغولي عن بلاده، وقاد جنده في فتوحات متصلة، حتى أظلت راية الإسلام شبه القارة الهندية كلها لأول مرة في التاريخ.
ولكي يدفع هجمات المغول أقام سلسلة من الحصون على حدوده الغربية، وزودها بالجند والسلاح، ولكن ذلك لم يحُلْ دون هجمات المغول على الهند، فتوالت حملاتهم على الرغم مما كان يتكبدونه من خسائر على أيدي علاء الدين وقادته، مثلما حدث في سنة (698هـ = 1298م) حين سار سلطان المغول "قتلق خواجه" على رأس قوات كثيفة، فتصدى لها علاء الدين وقائداه "ظفرخان" و"ألج خان"، وأنزلوا بالمغول هزيمة قاصمة، لكنها لم تمنعهم من موالاة الهجوم مرات أخرى حتى تمكن القائد "غازي ملك تغلق" من القضاء على خطرهم تمامًا.
وفي الوقت الذي كان فيه "علاء الدين الخلجي" مشغولا بالقضاء على هجمات المغول كان يعد الجيوش لاستكمال فتح الهند، فأرسل في سنة (699هـ = 1299م) قائديْه "ألنخان" "ونصرت خان" لفتح حصن "رنتنبهور" أعظم حصون إقليم "الراجبوتانا"، فنجحا في مهمتهما بعد حروب دامية، ودخل الإقليم في طاعة "علاء الدين الخلجي"، ثم فتح إمارة "موار"، وكانت أمنع إمارات "الراجبوتانا" بقلعتها الحصينة القائمة على قمة جبل منحوتة في الصخر، ثم استولى على "ملوة" و"أوجين" و" دهري نجري"، ولم يكد يأتي عام (706 هـ = 1306) حتى كان "علاء الدين الخلجي" قد فتح "الهنستان" كلها من "البنغال" إلى "البنجاب".
وواصل علاء الدين فتوحاته؛ فأرسل قائده الحبشي "كافور"، فاخترق أقاليم "ملوة" و"الكجرات"، ثم أردف ذلك بجيش آخر يقوده "أدلوغ خان"، واستولى الجيشان على "ديوكر، وتوالت انتصارات علاء الدين بفضل كافور القائد المظفر، فقاد حملة هائلة في سنة (710 هـ = 1310م) تمكنت من فتح الجنوب الهندي كله.
وقد اغتر علاء الدين بهذه الانتصارات التي تحققت على يديه حتى لُقِّب بالإسكندر الثاني، وأسكرته الغنائم والكنوز التي غنمها في حروبه، وتراءى له أن يفتح العالم بجنده، كما فعل الإسكندر، وسرَحَ به الخيال إلى أبعد من ذلك، فصرح أن قادته هم بمنزلة الخلفاء الراشدين، ولكن عمه القاضي علاء الملك أيقظه من أحلامه الضالة، وذكَّره بأن النبوة قد انتهى زمانها، ورده إلى جادة الصواب، فعاد إليه عقله، وانتبه من غفلته.
علاء الدين والإصلاح الداخلي
وقد وجدت نصيحة القاضي صداها عند علاء الدين؛ فعدل عن رأيه إلى الاهتمام بشؤون دولته والعمل على نهضتها، ووضع النظم الإدارية والمالية التي تصلح من شأن مملكته، وقُدِّر لها أن تلقى قدرًا كبيرا من النجاح؛ فعم البلاد الرخاء، ونَعِمَ الناس بالأمن، وكان لرقابته على الأسواق وشدته في معاقبة التجار المدلسين ومنعه من الاحتكار أثرها في رواج التجارة، ورخص الأسعار، وبلغ من شدته أنه كان يأمر بالمطفِّف من التجار فتُقطَع من لحمه حيًا قطع يستكمل بها الميزان عظة لغيره من التجار.
وكان يفتح خزائن دولته العامرة، ويعطي منها التجار والمزارعين حين تشتد الحالة الاقتصادية أو يفسد الزرع حتى لا يتأثر الناس بقلة المعروض من البضائع كما وعُني بأمر الزراعة، وأسبغ رعايته على العلماء، وقد تحدث "ابن بطوطة" في رحلته عما شاهده من الرخاء الذي ينعم به المسلمون تحت حكم علاء الدين الخلجي.
نهاية الدولة الخلجية
على أن السلطان علاء الدين الخلجي حين تقدمت به السن أوكل تصريف شؤون دولته إلى "كافور" قائده المعروف، وانقاد له في كثير من الآراء، حتى إذا توفي سنة (715هـ = 1315م) كان كافور قد استبد بالأمر، وأمسك بزمام الدولة بعد أن أجلس على السلطنة طفلا صغيرًا من أبناء علاء الدين، وقد أدى ذلك إلى اشتعال الفتنة في البلاد، وانتهى الأمر بقتله على يد بعض الأمراء المنافسين له، وأقاموا مكانه سلطانا جديدًا يسمى "مبارك شاه الخلجي" سنة (716 هـ = 1316م).
وبدأ السلطان الجديد عهده بسيرة حسنة؛ فرفع كثيرًا من الضرائب من على كاهل الناس، ورد الأرض المغتصبة إلى أصحابها، وأطق سراح المعتقلين، لكن هذه السياسة لم تستمر كثيرًا، وارتد السلطان عنها دون مبرر واضح، وانغمس في الملذات، وانصرف عن متابعة شؤون الدولة؛ فساءت أحوال الدولة، وعادت سيرتها الأولى، وانتهز هذه الحالة المتردية قائده "خسرو" فتخلص منه بالقتل، وكان هندوكيا يُظهِر الإسلام ويُبطن له العداوة، فعاث في الأرض، وأطلق لأتباعه العنان؛ يفسدون، وينشرون ديانتهم الهندوكية، ويطمحون في القضاء على الإسلام، وبلغ من فسادهم أنهم كانوا يقتحمون المساجد، ويقيمون فيها أوثانهم، ويجعلون من المصاحف قواعد لها.
وكاد الأمر يخرج من أيدي المسلمين، ولولا أن سارع "غازي ملك تغلق" قائد الخلجيين بالبنجاب، فقضى على هذه الفتنة العارمة سنة (720هـ = 1320م) لتعرض الإسلام في الهند إلى مخاطر لا يعلم مداها إلا الله، وبقضائه على الفتنة بدأ عصر جديد عُرف في التاريخ الإسلامي بعصر "بني تغلق"، وامتد في الهند نحو قرن من الزمان...!!