بقلم محبة مترى

صعد الاستاذ عبد الباسط رئيس المصلحة الحكومية الى الدور العلوى مضطرا برغم كبر سنه ووهن ساقيه غاضبا وعيناه تطلق شرارا بعد حوار سريع مع الاستاذ مخلص ادى الى اثارة أعصابه بل غليان دمه , فالاستاذ مخلص دائما مخلص يعمل لخير العمل وان كان بطريقته الخاصة حيث ينقل كل كبيرة وصغيرة عن الزملاء لرئيسه متطوعا متعللا بان مصلحة العمل فوق الجميع ربما لانه يجد سعادته فى افشاء المستخبى من استهتار او تهاون فى العمل ولا يهمه النتائج او مدى كراهيتهم له معتبرا نفسه الموظف المثالى الذى لايخطئ والباقين يلزمهم دائما عقاب او على الاقل توبيخ ....وصل الاستاذ عبد الباسط الى الحجرة مربط حواره مع الاستاذ مخلص متلصصا على اطراف اصابعه..ويا لهول ما رأى, وجد جمع من الموظفين رجال ونساء يفرشون اصنافا من الطعام على المكاتب المتلاصقة تخرج منه روائح نفاذة متضادة , ويبدو انه احتفال حيث صوت الضحكات يرن وهم يتخاطفون مالذ وطاب من امام بعضهم فكل تفنن فى احضار صنف شهى لزوم اللمة .....واغلقوا الباب ولايهمهم باقى الجيران من الموظفين الغلابة الاخرين المغلوبين على امرهم ساكنى باقى الحجرات الذين يرفضون الاندماج معهم فى محافلهم اليومية والتى تبدو كنزهة خلوية فى شم النسيم, والذين يتضايقون من هذه الضوضاء والروائح النفاذة ومن تعطيل العمل ولكنهم مكرهين فهذا اصبح عرف فى هيئتهم الموقرة , ولا يهمهم ايضا اصحاب المصالح البؤساء ولينتظر العمل او لاينتظر فهذا شأنه فالدنيا خلقت فى ستة ايام ولابد من وقت للراحة .
ظهر الاستاذ عبد الباسط فجأة فى وسطهم صارخا بصوته الغير موسيقى المتحشرج من شدة الانفعال : ماهذا يا اساتذة ؟ تتركون عملكم وتعطلون مصالح الناس لتأكلوا وتتضاحكوا؟ هل نحن فى مطعم؟؟ فوجئ الجميع به فوق رؤوسهم وتعثرت اللقيمات فى افواههم , تداركت نعمات الموقف فورا ساخرة لا تغضب يا استاذنا المهم اننا نعلق خارج الحجرة يافطة ( لابيرة لاخمور ) مثل مطعم ابو صالح الشهير... ضج الجميع بالضحك ....ثم مدت عطيات يدها له بقطعة حلوى .. يا استاذ عبد الباسط قل ياباسط اتفضل معانا بسم الله ...اشاح عنهم بوجهه وتركهم متوعدا ومبشرا اياهم بتحويلهم جميعا للتحقيق , لم يكترثوا وانهمكوا يكملون طعامهم ثم من بعده الشاى والحكايات التى لاتنتهى عن احوالهم الخاصة ومشاكلهم الاسرية والحالة السياسية وربما الامور الدينية فهناك وقت دائما لمختلف الموضوعات , كثير من الكلام قليل من العمل على قد فلوسهم كما يقولون وهكذا دواليك فى معظم الايام.
هذا مشهد يومى لما نراه غالبا بالاخص بالمصالح الحكومية بمصر , تبدو مألوفة لزملاء من المفترض انهم يتعاملون كأخوة واصدقاء واحترام للزمالة ...ولكن ....واكرر( ولكن )...وان كنت لن اتطرق لنقطة تعطيل العمل أود التركيز على نقطة اخرى وهى الاجتماعيات بين الزملاء والزميلات بالعمل والتداخل الشديد حتى فى الامور الخاصة , نحن نعيش فى المجتمع داخل شبكة من العلاقات الشديدة التنوع والتعقيد يلزمنا فيها فن التعامل والتحجيم بحيث لانتخطى فيها الخطوط الحمراء التى من بعدها تحدث المشاكل....واحب التركيز على نوعين من العلاقات بالتحديد :
1- علاقات الزمالة بالعمل..............................خط أحمر
2- علاقات الزمالة بين الطلبة والطالبات بالجامعة...خط أحمر
بالنسبة لعلاقات العمل احيانا ومع طول الفترة التى يقضيها الزملاء ربما اكثر من وجودهم بالمنزل , يحدث نوع من التآلف وسقوط الخطوط الحمراء وخروج اسرار البيوت بينهم, ومع عدم الحرص على الخط الاحمر والتنبه له احيانا تنقلب الالفة والاعتياد الى عبارات ربما من زميل تعبر عن الارتياح الى زميلة بدءا من انه يثق فى رأيها كأخت فيبثها همومه او العكس , مرورا بالتمنى ان كان يرغب فى تزوج مثلها والندم ان زمانه لم يسعده ان يظفر بها وياليت زوجته كانت تشبهها فى اى شئ فهو تعيس فى زواجه, وانتهاء بغسيل مخ قد يؤدى الى ان يبيع الطرف الضعيف كل شئ ثمين حتى الدين والابناء جريا وراء وهم .....واقول الضعيف من ناحية الايمان ويزداد ضعفا بمشاكل الحياة والضغوط داخل المنزل وخاصة التى تقع على عاتق المرأة ...... كنت اتمنى ان يكون كلامى به مبالغة ولكن القصص الواقعية امامنا كثيرة وشائكة ولاتحتاج لتعليق ..فما اذكره واقع ويحدث ...والسبب اننا تركنا انفسنا نندمج فى علاقات تبدو عادية واخوية بسلامة نية واعطينا آذاننا لاشخاص غير امناء وكشفنا اسرارنا ودواخلنا لمن لايستحق....والله وحده يعلم عواقب الاندماج الغير المسئول ونفس الشئ ينطبق على الاشخاص الذين يدخلون بيوتنا ونعطيهم ثقتنا كاملة وربما ليسوا اهل لهذه الثقة ..اذا فلنفحص علاقاتنا ونعيد غربلتها ونخرج منها من نشك فى امانتهم وان كنا مضطرين للتعامل معه لنأخذ حذرنا ونضع حدودا للتعامل لا نتجاوزها .
بالنسبة لطلبة الجامعة رصدت ظاهرة غريبة على مجتمعنا بين الطلاب والطالبات بحجة التطور الطبيعى وان ايامهم غير ايامنا لاننا من العصر الحجرى - وهى ظاهرة (الأنتمة ) على حسب تعبير الجيل الحالى - اى يكون للفتاة صديق أنتيم مصرح لها بالوجود معه بصفة دائمه فيصبح صديق لصوق امام جميع الطلبة بالكلية وامام الاسرة والاصدقاء ,اينما تجد أيا منهما تجد الاخر , لا هو خطيب ولا هناك اى ارتباط رسمى , ومصرح لها بالخروج خارج الكلية معه, ومصرح بالتليفونات الى الصباح والهدايا فى المناسبات وزيارتهم بالمنزل...الخ , والتصريح هنا يكون من الوالدين وقد رأيت ذلك بعينى فيسمحا بذلك على اساس انهما يثقان فى ابنتهما تمام الثقة , فمن وجهة نظرهما ربياها جيدا وعلماها الصح من الخطأ , فليتركا البنت تتعرف به قبل الارتباط ويكون ذلك امامهما وتحت اعينهما افضل من دون علمهما ومن وراء ظهرهما , واذا نجحت التجربة فيباركان الارتباط بعد التخرج ...وبالطبع غالبا لاتنجح فى مثل هذا السن المتذبذب عاطفيا وبعد مشاجرة حادة يفترقان ويبحث كل منهما عن انتيم اخر وهكذا.
فى نظرى هذه جريمة يرتكبها الاباء والامهات فى حق ابنائهم وتسيب غير مسئول والعيب يقع عليهم قبل ابنائهم , والمصيبة الاكبر لو حدثت الانتمة بين شاب وفتاة مختلفى الديانة , وبعد ذلك نصرخ ونولول على بناتنا انهم اختطفوا ..فاين رقابتنا من الاساس ولماذا نسمح بهذه الانفتاح الذى هو ضد عاداتنا وتقاليدنا ثم نعود ونشتكى ؟ ونلقى باللوم على الغير؟ ..اين الخط الاحمر فى علاقات ابنائنا ولماذا نترك الحبل على الغارب تحت مسمى الحرية وان الدنيا الان ليست نفس الدنيا زمان ؟اذا لا نلومن الا انفسنا عند هروب بناتنا بسبب الحرية المنفلتة, مع العلم انى ضد فصل الاولاد عن البنات سواء فى التعليم او الكنيسة بل يشبون سويا فى مجتمع صحى تحت رقابة الاسرة والمدرسة والخدام .
الخطوط الحمراء كثيرة وضرورية لتنظيم علاقاتنا واتمنى ان ننتبه لها والا نتساهل فى اجتيازها بحسن نية , او باسم المحبة الاخوية, او الصداقة , او باسم الحرية الشخصية , فالسيد المسيح له المجد طلب منا ان نكون ودعاء كالحمام حكماء كالحيات ومجتمعنا يحتاج الى ذلك فى ظل ظروف مضطربة وهناك من يتربص به لعمل فتن تفتك بسلامه .
اخص بحديثى هذا الامهات اكثر, ان يصادقن بناتهن ولايستعملن اسلوب الشدة وان تكون الحرية بضوابط , وللسيدات العاملات اكرر لا تنسين الخط الاحمر .
نحن نعيش فى العالم و الرب يسوع لم يطلب منا الانعزال عنه بل ان نكون ايجابيين ومثمرين ونعيش بروح تعاليمه وهو القادر ان يحفظنا فهو القائل لست اسالك ان تاخذهم من العالم بل تحفظهم من الشرير ..فليحفظنا الله جميعا ويبارك اسرنا ويبعد الشرير .