الأقباط متحدون - خِدْمَةُ البُنْيَانِ (دياكونيا)
  • ١٩:٤٨
  • السبت , ١٦ يونيو ٢٠١٨
English version

خِدْمَةُ البُنْيَانِ (دياكونيا)

القمص. أثناسيوس فهمي جورج

تأملات كنسية

٣٨: ٠٤ م +02:00 EET

السبت ١٦ يونيو ٢٠١٨

خِدْمَةُ البُنْيَانِ (دياكونيا)
خِدْمَةُ البُنْيَانِ (دياكونيا)
كتب : القمص أثناسيوس جورج
 
تأخذ خدمة البنيان وضعها الكامل في الكنيسة، ببناء نفوس الضعفاء والكنيسة كلها.. فالبناء أول ما يكون هو سد الثغرات التي تنشأ عن الضعف وخدمة الاستكمال لكي لا يتعطل كل عضو من الركض في ملاحقة نمو الكنيسة؛ بل يدخل في حساب هذا النمو .. منذرين كل إنسان ومعلمين كل إنسان بكل حكمة لكي نُحضر كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع ( كو ١ : ٢٨ )؛ لأننا سوف نقف أمام الضعفاء والمحتاجين موقفًا مخزيًا، إذا لم نقدم السند والستر والبذل لنُرضي الجميع في كل شيء لكي يخلصوا .
 
إن فخر الكنيسة على مدى الدهور هم أولئك الآباء القديسون الذين حملوا ضعف الضعفاء وأشفقوا على المتعبين وضمدوا المجروحين... وعاشوا وقفًا أبديًا لخدمة السيد ولم يُرضوا أنفسهم، يقظين الليل والنهار، منفقين أعصابهم وكرامتهم وراحتهم ليفوزوا بالإكليل ... تجددوا قوة وارتفعوا على أجنحة النسور؛ وكثرت شدتهم ونالوا في إعيائهم قدرة القدير... وبصبرهم في الوعظ والتعليم والافتقاد وأنشأوا جيلاً وراء جيل، مجتذبين النفوس من الحضيض لينشئوهم في النعمة. فبنوا علماء وأتقياء؛ وقدموا شبابًا للخدمة والتكريس وأضاءوا بنور سيرتهم كالجَلَد في ملكوت أبيهم إلى أبد الدهور، بعد أن ردوا كثيرين إلى البر.
 
صالحوا الأرواح المتباعدة وطيّبوا القلوب المنكسرة المهمومة وأسسوا البشر والحجر، فكانت مسرتهم لبعضهم البعض قربانًا مقبولاً مقدسًا بالروح القدس، فانفتحت أمامهم أسرار الله مكتوبة ومقروءة ومنظورة ومربوطة من أولها إلى آخرها كما في صفحة ناصعة البياض، (الأبدية في قلبهم التي من دونها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية) ) جا ٣ : ١ ).
 
إن الهروب من أي خدمة هو اختباء من وجه الله، أما أعمال الدياكونيّا مهما بدت صغيرة أو متعبة؛ فهي الطريق الموصل إلى الملكوت، وهي مصدر سرور وقوة وبركة لا يمكن أن نحصل عليها بدونها. وهي التي تقود الخادم الأمين لموجة عالية من موجات المد الإلهي؛ بعد تعب الغرس والسقي والفلاحة، ننظر زهر الكروم في شركة (نحن المتسعة) مشتركين في احتياجات القديسين، ويكون تقدمنا ظاهرًا؛ نامين في كل شيء . 
وعمل البناء عميق؛ له أساساته التي تتأسس في كل ذي قلب فطين، يضع إصبعه في جنب المسيح المجروح، ليتلامس مع الأعضاء المتألمة حسب نعمة الله المعطاة للبنّاء الحكيم؛ فيضع أساسًا ويأتى آخر يبني عليه، ناظرًا كيف يبني عليه ( ١ كو ٣ : ١٠ )؛ بفم مفتوح وقلب متسع؛ حتى لا تكون نعمة الله باطلة أو مخلوطة؛ فتُلام الخدمة .
 
بهذا النموذج تكون خدمة البنيان على مستوى الكنيسة ككل (كمجموع)؛ مبنيين على أساس الرسل والأنبياء؛ ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية؛ الذي فيه البناء مركب معًا؛ ينمو هيكلاً مقدسًا في الرب؛ الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معًا، مسكنًا لله في الروح ( أف ٢ : ٢٠ ). وهذا هو سر كياننا ووجودنا الكنسي الحقيقي؛ كحجارة حية مبينة على الصخر، مرصوصة ومؤسسة على الأساس الكريم؛ وعليها أسماء رسل الحمل الإثني عشر؛ ومسوّرة بالسور؛ كمدينة حصينة لا تتزعزع؛ ولا تقوى عليها بوابات الجحيم مجتمعة؛ لأنها مُرهِبة كجيش بألوية.
 
لكي وبهذا الوصف الإنشائي الهندسي؛ ندرك الصلة الكيانية التي تربطنا بالرسل وبالمسيح؛ ونفهم معنى وقيمة وهدف خدمة البنيان، ويد الله إلهنا باني الكل؛ ممدودة لبناء كل أحد وهو الذي يملأ الكل في الكل، ليس على سبيل المثال أو الرمز أو التشبيه؛ لكنه واقع حي لتشكيل بناء الكنيسة حسب قصد الدهور؛ حيث مسيحنا هو حجر الزاوية الذي يربط تركيب البناء معًا، وهو أيضًا الأساس. ثابتين على الإيمان؛ متأسسين راسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل المكروز به، وعن غرض جعالة دعوة الله.
 
وكل بناء يتم بخدمة الكلمة والتعليم؛ لكنه يكتمل ويعلو بالنعمة والحق.. أما حجر الزاوية فهو تدبير الخلاص الثمين؛ الأساس الثابت المتين، لنتقوى بالنعمة ونقوم ونبني؛ ولا نكون بعد عارًا، ونشترك في احتمال المشقات ونعمل عمل المبشرين ونتمم خدمتنا ونبادر لخدمة إنجيل البنيان بروح القوة والمحبة والنصح، ولا نخجل بشهادة ربنا لتتم الكرازة بنا؛ ويسمع جميع الأمم. مسيحا مفرحا منقذا منجيا مخلصا راعيا قائدا كونيا وبانيا للجميع .