فى مثل هذا اليوم.. النيابة تحقق مع الدكتور طه حسين بتهمة إهانة «حضرة صاحب الدولة» سعد زغلول باشا
سامح جميل
الأحد ١٧ يونيو ٢٠١٨
سعيد الشحات يكتب ذات يوم 17 يونيو 1924.. النيابة تحقق مع الدكتور طه حسين بتهمة إهانة «حضرة صاحب الدولة» سعد زغلول باشا
تدفقت مقالات الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى، فى جريدة «السياسة» ضد سعد زغلول باشا، رئيس الحكومة التى شكلها فى يناير عام 1924، فتقدم سعد باشا ببلاغ إلى النائب العام ضد صاحب هذه المقالات التى كانت تنشر بلا توقيع أحيانًا، وباسم «ساخط غاضب» فى أحيان أخرى، وفقًا لتأكيد الدكتور أحمد زكريا الشلق فى كتابه «طه حسين- جدل الفكر والساسة» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة».
كان طه حسين وقتئذ على خط حزب الأحرار الدستوريين على الرغم من أنه لم ينضم إلى الحزب رسميًا، حسبما يؤكد «الشلق»، مشيرًا إلى أن جريدة «السياسة» كانت لسان حال الحزب، ويرأس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل باشا، وكان طه حسين مشرفًا على صفحتها الأدبية منذ عام 1923، ويضيف «الشلق»: «ما لبث أن انخرط فى سياسة الجريدة، وصار يحرر مقالاتها الرئيسية أحيانًا، عندما كان يتولى رئاسة تحريرها فى فترات غياب الدكتور هيكل باشا، ويروى أحد سكرتيريته، ألبير برزان، أن حافظ عفيفى الذى كان همزة الوصل بين الحزب والصحيفة، كان يجتمع بهما- هيكل وطه- لينبئهما بموقف الحزب وسياساته، فيتولى طه حسين تحرير الموضوع الذى تلزمه الشدة والعنف والتهكم، ومعظم هذه الموضوعات كان موجهًا إلى سعد زغلول، أما الموضوع الذى يتطلب نعومة وهدوءًا فكان يعطى للدكتور هيكل».
ظلت علاقة سعد زغلول بطه حسين فيها الكثير من الفتور والنفور، وفقًا لوصف «الشلق»، وحسب «حسين» فى سيرته «الأيام»: «كانت صلة صاحبنا بسعد يسيرة فى ظاهرها، عسيرة أشد العسر فى حقائقها ودخائلها، جرت على الفتى شرًا كثيرًا، وأتاحت له مع ذلك خيرًا مثيرًا، وتقلبت به بين ضروب من الرضا والسخط، وفنون من الأمل واليأس، وألوان من الشدة واللين».
فى هذا السياق، جاء البلاغ الذى تقدم به سعد باشا ضد المقالات التى تنشر ضده فى «السياسة»، وضد وزارته التى أطلق عليها «وزارة الشعب»، ويؤكد «الشلق» أنه جرى التحقيق مع كتاب «السياسة» على أساس أنه لا أحد كان يوقع على هذه المقالات باسمه، ويذكر الدكتور مصطفى عبدالغنى فى كتابه «طه حسين وثورة يوليو» عن «مكتبة التراث الإسلامى- القاهرة»: «كان عام 1924 أكثر الأعوام التى شهدت تصاعد هجوم طه حسين فى صحف السياسة والاستقلال والأهرام، وفقرة بسيطة من مقالاته تدل على هذا العف، ففى مقال له بعنوان «ويل للحرية من سعد» يقول: «كان سعد محاربًا لأمته فأصبح الآن محاربًا للحرية من حيث هى حرية، وأصبح الآن محاربًا لكل هذا النصر الحديث، سعد وكيل الأمة فى كل شىء، حتى فى قراءة الصحف، أيتها الأمة المصرية طيبى نفسًا، وقرى عينا، اهدئى واطمئنى، فقد قبض الله لك رجلًا يريحك فى كل شىء، لا تطالبى بالاستقلال، فسعد يطالب به، لا تعشقى الحرية فسعد يعشقها، لا تؤمنى بالله فسعد يؤمن بها، ولا تقرئى الصحف فسعد يقرأها».
فى يوم 17 يونيو «مثل هذا اليوم 1924» أجرى رئيس النيابة التحقيق مع طه حسين، ووجه له اتهام «إهانة حضرة صاحب الدولة»، ويذكر «عبدالغنى» نقلًا عن محضر التحقيقات: «سأله رئيس النيابة: علمت النيابة أنك ممن يكتبون فى جريدة السياسة، ولك فى تلك الصحيفة مقالات بإنشائك وإملائك، فهل هذا صحيح؟ رد طه حسين: لا أجيب، ولعدة ساعات يلقى المحقق أسئلة عديدة فيرفض طه حسين الإجابة، ويعود وكيل النيابة ليناور قائلاً: فى حالة عدم الإجابة تعتبر من القرائن الكبيرة على إجرامك، فلا يزيد طه حسين على القول: لا أجيب، ويقرأ المحقق عناوين كثيرة، نشرت بدون توقيع لصاحبها ويرد: لا أجيب».
يضيف «عبدالغنى» أن رئيس النيابة قال إنه يعرف أنه- أى طه حسين- هو كاتب هذه المقالات، فهو يكتب فى صحيفة السياسة بشكل مستمر، كما أن دراسة أسلوب المقالات تؤكد أنه أسلوب المتهم، والنيابة عادت إلى أوراق طه حسين الوظيفية فى وزارة المعارف، فتأكد لها أن طه حسين طلب بشكل رسمى أن يكتب فى جريدة السياسة بوجه خاص، فأذن له مجلس إدارة الجامعة رسميًا: «إن المجلس لا يرى الحجر.. وأن من يرد الكتابة فى المسائل السياسية والعلمية فليكتب ما يريد»، غير أنه وحسب قول «عبدالغنى»: «هذا السهم يطيش أمام عناد طه حسين وصلابته، ولأن النيابة تفشل فى تضييق الخناق عليه أو انتزاع منه ما يمكن أن يضع طه حسين، لم يجد وكيل النيابة غير إخلاء سبيله، ثم يرسل بعد أن يرحل إلى سكرتير الجامعة المصرية ليأخذ عليه إقرارًا بعدم الكتابة فى الموضوعات السياسية».!!