الأقباط متحدون - ابتهلوا أيها الأئمة... وسوف نقول آمين!
  • ١٤:٢٨
  • الثلاثاء , ١٩ يونيو ٢٠١٨
English version

ابتهلوا أيها الأئمة... وسوف نقول آمين!

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٢٨: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٨

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

«التقليدُ»، هو أن يُقلّدَ إنسانٌ إنسانًا، تقليدًا أعمى دون تأمل ما يُقلّد: إن كان حسنًا أم سيئًا، صالحًا أم طالحًا، مناسبًا أم غير مناسب، حتى نتحول فى الأخير إلى مجموعة من العرائس الماريونيت المتشابهة، التى لا تختلف عن بعضها البعض إلا فى الرقم الذى تحمله. أما «الابتكارُ» فهو أن يُفكّر كلُّ إنسان بعقله ليصنع شيئًا جديدًا وصالحًا، مناسبًا له وللحظة التى يعيشها، ومُصلِحًا للمجتمع، فتتطور البشريةُ وتزدهر الأممُ وتُشرق على الأرض شمسٌ جديدة مع كل نهار جديد.

التقليدُ قطارٌ مُبرمج بليدٌ لا يعرف إلا السيرَ على قضيبين. إن حاول أن «يُفكّر» حاد عن القضبان وصنع كارثة. أما الابتكار، فهو طيارةٌ ورقية حُرّة رشيقةٌ تبتكر فى كل لحظة مساراتها فى فضاءات لا تعرفُ القضبان. التقليد هو القولبة فى صندوق حديدى، والابتكار هو التحليق الحرُّ خارج الصندوق. المُقلّد تلميذٌ، والمُبتكرُ مشروعُ عالم.

التقليدُ يهدم، والابتكارُ يبنى. فى الهندسة والطب والعمارة والتشكيل والأدب والسياسة والاقتصاد، وفى كل دروب الحياة، دائمًا التقليدُ هو العدو الأول، والابتكار هو طوق النجاة. ولكن هل يجوز الابتكارُ فى الابتهال إلى الله؟ نعم. بكل تأكيد يجوز، بل هو مطلوب.

دعونى أحكِ لكم عن إمام أحد المساجد فى المغرب، كتب عنه أستاذنا الكبير «صلاح منتصر»، فى جريدة الأهرام. ذلك الإمام المبتكر فاجأ المُصلّين فى صلاة الجمعة بأدعية «من خارج الصندوق التقليدى المقولب»، ومن خارج المنهج. وراح المصلّون المثقفون يرددون خلفه: «آمين»، بقلوبهم وعقولهم قبل ألسنتهم. فبماذا دعا الشيخُ المغربى ربَّه وربَّ العالمين تعالى؟ قال:

اللهم علّمنا احترامَ الوقت، والثقة بالإنسان، وتقديرَ المرأة، والرحمة بالناس، والشغفَ بالعلم، وحُبّ الكتاب.

اللهم أبعد عنّا روحَ التقليد، واغرسْ فينا روحَ الابتكار.

اللهم حرّرنا من الجمود والتحنُّط العقلى ودرّبنا على ترقية عقولنا، واجعلنا لا نخاف من العلم.

اللهم ازرع فينا روحَ السلام وأبعد عنّا شررَ العنف.

اللهم اغرس فينا ملكة النقد الذاتى، وارفعنا إلى مستوى النفس اللوّامة.

اللهم حبّب إلينا الحوار واجعلنا نتقن فنّ الإصغاء إلى الآخر، وارزقنا الصبر على مخالفينا فى الأفكار.

اللهم ارحمنا من نار التعصب وامنحنا روح التسامح.

اللهم علّمنا الأناقة والتحضّر فى كل عمل، واجعلنا نُحسن العمل ونتقنه، ولا نتلفّظ إلا بالألفاظ الكريمة وأن نُحسن التعامل مع جميع خلقك.

اللهم علّمنا ألا نسرع فى إدانة الآخر وأن نكفّ عن تكفير الناس وزندقتهم، وحبّب إلينا الاختلافَ والتعددية.

اللهم امنحنا القدرة على ضبط النفس فى لحظات الانفعال، وأخمد فينا نار الغضب والشهوات.

اللهم علّمنا النظافة وروح الجمال ودقّة المواعيد وإتقان العمل والذوق الرفيع فى قيادة السيارات.

اللهم امنحنا عشق زراعة الورود والاهتمام بالأشجار وكراهية الغبار والتلوث والفوضى والتسيب الوظيفى والإهمال فى العمل.

***

انتهت أدعيةُ الشيخ المغربى، وفى عيد الفطر المبارك هذا، أدعو الَله قائلة:

اللهم علّم أئمتنا أن يفتحوا قلوبَهم وعقولهم على رحاب الوطن والإنسان، فيدعوا الَله بما يُصلِح حال هذا الكوكب التعس، الحاشد بالحروب والخطايا والعنصرية والطائفية، بدلا من الدعاء بالويل على المخالفين لنا فى العقيدة أو الطائفة أو المذهب أو الملّة.

اللهم نجّنا من تجّار الدين المرتزقة الذين أفسدوا علينا ديننا ودنيانا، وسرقوا منّا أعمارنا وأوطاننا ومستقبل أولادنا.

تُرى... متى سوف نسمع، فى مساجدنا المصرية، مثل تلك الأدعية الحضارية المثقفة التى تنتصرُ للإنسان، حتى نردد خلف قائلها: آمين؟
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع