الأقباط متحدون - بين أروقة التاريخ... حكاية مدفونة
  • ٠٩:٢١
  • الثلاثاء , ١٩ يونيو ٢٠١٨
English version

بين أروقة التاريخ... حكاية مدفونة

مقالات مختارة | دينا سليم حنحن

١٥: ٠١ م +02:00 EET

الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٨

 دينا سليم حنحن
دينا سليم حنحن

لنذهب معا إلى مدينة القدس، والهدف من الرحلة ليس دينيا أو سياسيا، فكلما خضنا في المواضيع الاجتماعية والتاريخية استمتعنا أكثر. لا تدع اللوم على نفسك إن تقمصتك رؤيا أو حلما عذبا فربما تكون أنت من المحظوظين فيتحقق الحلم بالصدق والمعرفة.

كثيرون ممن يشاهدون رؤى لا يظهرون ذلك خوفا وريبة من ردود فعل الآخرين، ومنهم من تتلبسهم رؤيا صادقة ينهضون من فراشهم سائرين نحو تحقيقها.

لقد تحققت رؤيا الملكة هيلانة، عندما لاحقت حلمها الذي أرقها كثيرا، وهو البحث عن الحقيقة، فنزلت من بلاد الرومان قاصدة القدس، تلبية لصوت دعاها: (اذهبي وابحثي عن الصليب الذي علق عليه المسيح).

أرسل قسطنطين ابنها، سنة 326م مع والدته حشدا من الجند الذين تخطوا المسافات حتى وصلوا القدس باحثين عن الصليب المفقود، وذلك بعد مرور 300 سنة من حادث الصلب، وقد أغرتهم هيلانه بليرات الذهب، فكلما حفر الجند في الأرض ألقت بقطعة ذهبية يحصل عليها من يجدها أولا، اغراء لتكملة الحفر، حتى عثر على الصليب مدفونا على عمق عشرين مترا ومعه صليبين آخرين يعودان للّصّين اللذين صلبا مع السيد المسيح، في أرض زينت بشجرة رمان وارفة الأغصان وغنية الحمل.

اختلطت الأمور على القديسة هيلانة فأخبرها أسقف أورشليم آنذاك، مكاريوس، أن تبحث عن صليب كتب عليه "هذا هو يسوع ملك اليهود"، لكن ظلت الشكوك تحوم داخل عقلها، حتى اقترح عليها يهودا، رجل من اليهود، والذي راوغها كثيرا حتى لا يدلها على المكان، أن تنتظر أول جنازة تحصل، لتضع الجثمان على الصلبان الثلاث وتنتظر النتيجة، قائلا لها " الآن نعرف قوة المسيح"! فأمرت بأن يفعلوا، فوضع الجنود الجثمان على الصليبين الآخرين فلم يحدث شيئا، لكن عندما وضع الجثمان على الصليب الذي رفع عليه المسيح عادت الحياة إلى الميت، فكانت هذه الإشارة إلهية.

أرسلت إشارة إلى ابنها الامبراطور فيما وراء البحار تخبره بتحقيق المعجزة، فأشعلت النيران من جبل إلى جبل، ومن ربوة إلى أخرى، بداية من جبل الزيتون في القدس، وحتى جبال الجليل، وثم جبال الاسكندورنة، وصولا إلى جبال في روما، حينها اعتنق الامبراطور المسيحية وزار القدس وأمر ببناء كنيسة في المكان ذاته وتغطية الصليب بالجواهر والحلى.

وقد أهدت القديسة هيلانه المسامير التي أستخدمت في عملية الصلب، ويبلغ طولها 18سم، إلى ابنها ليضعها في مركبته حتى يكون النصر حليفه في مجابهة الأعداء في الحروب.

بدأت رحلة الآلام في طريق سمي فيما بعد، طريق الآلام على عدة محطات، (1) المحاكمة من بلاط بيلاطس، ووضعه في المقطره انتظارا لتعذيبه (2) الجلد وحمل الصليب، في ناحية أخرى من الحارة (3) سقوط المسيح للمرة الأولى وهو حامل الصليب، في منطقة بين باب الواد وباب العمود (4) التقاء المسيح بوالدته مريم (5) سمعان القيرواني يساعد في حمل الصليب، في أول العتبة (6) القديسة فيرونيكا تمسح وجه المسيح (7) سقوط المسيح للمرة الثانية (8) المسيح يعزي بنات أورشليم (9) سقوط المسيح للمرة الثالثة، على باب كنيسة القيامة اليوم (10) الجنود يعزون المسيح (11) دق المسامير في أيدي المسيح (12) صلب المسيح ورفعه في مكان يدعى الجلجلة (13) لقاء المسيح مع والدته وهو مصلوب - حجر المغسل في القيامة (14) دفن يسوع في القيامة اليوم.

لكل محطة بنيت كنيسة على ذكرى الحدث التاريخي الذي حصل، اعتمادا على الشهود، فمن يزور القدس عليه أن يدرس الأماكن الأثرية قبل بلوغها أو اعتماد مرشدا سياحيا حتى يتابع الأحاث بالأماكن التي ما تزال موجودة.

يحتفل المسيحيون بعيد الصليب كل سنة ويوقدون النيران كطقوس تراثية، يحملون أكواز الرمان وأغصان الزيتون ويدخلون بها إلى الكنائس، يطلبون من الله الخلاص من الحروب والأمراض، ويزورون الكهف الذي دفن فيه اليهود الصليب، فالنزول إلى عمق الكهف يلزمه التدرج انخفاضا نهايته صخورا بازيلتية قاسية، المكان ضيق جدا والنزول إليه إنحدارا.

لقد تحققت نبوة هيلانه حقا وأصبحت من القديسات اللواتي ساهمن بانتشار المسيحية ونشر التسامح والسلام بين الشعوب، وعندما عادت إلى ابنها، آمن بالرؤيا وقبَّل الصليب ووضعه في غلاف من ذهب مرصع بالجواهر الكريمة.

لكن السؤال هو كيف تبعثرت الأشياء وأين؟ الصليب والمسامير وأكليل الشوك وملابس المسيح؟ يقال أن الصليب قد قسم إلى أجزاء وانتشر في ربوع العالم، ويقال أيضا أنه نقل عام 670 م إلى كنيسة أجيا صوفيا فى القسطنطينية، اسطنبول اليوم واختفت آثاره بالفتح الإسلامي.

والقصبة التى أعطيت للمسيح على صولجان، والأسفنجة المقدسة، والحربة، والعامود الذى ربط عليه وتم جلده، وعصابة الرأس، وحجر التحنيط، أكثرية ما ذكرته موجود في كنيسة القيامة.

هل نحن بحاجة إلى رؤيا أخرى حتى نسير خلفها لنعرف أكثر؟ أم نتتبع البحث عن الحقائق بالعلم والتنقيب؟ ولن ننسى أنه هناك من أرشف التاريخ بملفات لا تعد ولا تحصى تنتظر القراءة حتى نعرف المزيد.
نقلا عن الحوار المتمدن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع