ننفرد بمعايشة طقوس ترسيم راهبات بدير القديسة دميانة
أخبار مصرية | المصري اليوم
الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٨
المراسم تبدأ بصلاة الجنازة.. وتنتهى بملابس سوداء ودموع الفرح
فتيات قبطيات فى العشرين من عمرهن تخلين بإرادتهن عن ملذات الحياة ورغبات وأحلام البنات أقرانهن ليهبن أنفسهن للبتولية والرهبنة والصلاة الدائمة لله.
«المصرى اليوم» التقت راهبات دير القديسة دميانة والأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى ورئيس الدير وعددا من القساوسة، وعايشت، فى انفراد هو الأول من نوعه، مراسم ترسيم عدد من الراهبات الجدد بالدير، والذى تسكنه مئات الراهبات من شتى أنحاء مصر والعالم، واستمرت المراسم لمدة أربع ساعات تخللتها صلاة الجنازة وألحان حزينة تبعتها أخرى مبهجة.
تخرجت الراهبات فى الجامعة وتركن العالم برغباته وصراعاته وأطماعه وجئن لدير القديسة دميانة خصيصا لقضاء الباقى من أعمارهن بجوار قبر الشهيدة دميانة، والتى قتلها الإمبراطور الرومانى ديقلديانوس فى أوائل القرن الرابع مع أربعين عذراء لرفضهن عبادة الأصنام.
تنتظر الراهبات فترة تتراوح ما بين عامين وثلاثة أعوام حتى لحظة رسامتهن للرهبنة، حيث يكن تحت الاختبار خلال تلك المرحلة حسب قانون الرهبنة، ويبدأن بارتداء اللون النيلى ثم الرصاصى حسب التدرج فى الاختبار.
حياة من الزهد الاختيارى داخل الدير
ويقول القمص ديسقورس شحاتة، وكيل دير القديسة دميانة: «يجب أن تقضى الفتاة فترة الاختبار داخل الدير حتى تختبر نفسها فى حياة الرهبنة وتختبرها الأمهات الراهبات بالدير فى تنفيذ وصايا الرهبنة والاتضاع وحسن المعشر والطاعة وغيرها من الصفات الرهبانية وتبدأ طالبة الرهبنة بلبس النيلى ثم تتدرج إلى الرصاصى.
وبعد سنوات الاختبار تخوض الراهبة تصويتا من خلال مجمع الراهبات، حيث يتم التصويت على اختيارهن للرهبنة ومن تنجح منهن فى هذا التصويت يتم رسمها فى طقس خاص بالرهبنة وضعته الكنيسة الأرثوذكسية ثم ترتدى الملابس السوداء حتى مماتها ويتم دفنها داخل المدافن الخاصة براهبات الدير».
يفصل راهبات دير القديسة دميانة عن العالم الخارجى سور كبير هو الفاصل الفعلى بين الحياة فى العالم والموت عن العالم، حيث تطلق الكنيسة على طقس الرهبنة «الموت عن العالم من أجل الالتصاق بالواحد هو الله».
وداخل أسوار الدير تعيش الراهبات حياة من الزهد الاختيارى والعمل بكد لتوفير احتياجاتهن مع الصلاة الدائمة لله ولا يربطهن بالعالم الخارجى إلا زيارات متقطعة من أسرهن كل ثلاثة شهور.
حياة من الزهد الاختيارى داخل الدير
بدأت مراسم ترسيم الراهبات عقب انتهاء صلاة التسبحة مباشرة، حيث صلى الأنبا بيشوى صلاة باكر ودعا للرئيس ولمصر وللشعب بالخير والصلاح ثم رقدت الفتيات بملابسهن الرصاصى على الأرض، وتمت تغطيتهن بغطاء «قرمزى» سميك لتبدأ صلاة الراقدين عليهن، والتى تسمى باسم صلاة الجنازة، حيث يتم تشييع جثامين الفتيات من العالم فى طقس جنائزى ليبدأن حياة ما بعد الموت، فى حياة الرهبنة وهى حياة الزهد والفقر الاختيارى.
رقدت الفتيات تحت الغطاء وقامت بعض الراهبات القدامى بالإمساك بأطراف الغطاء لإحكام تغطيتهن بالكامل، بينما قام الأنبا بيشوى وعدد من القساوسة وباقى راهبات الدير بمراسم طقس الرهبنة، والتى تبدأ بالترحيم بالقبطى «إليسون إيماس أوثيؤس أو باتير أو بانطو كراطور» والتى تعنى بالعربية «ارحمنا يا الله الآب ضابط الكل» ثم الصلاة الربانية «أبانا الذى فى السماوات ليتقدس اسمك ليأتى ملكوتك لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض» ثم صلاة الشكر ورفع البخور بينما تردد راهبات الدير ألحانا وترانيم خاصة بصلاة الجنازة ثم تترنمن بألحان خاصة بالعذراء مريم والقديسة دميانة والآباء القديسين بالكنيسة الأرثوذكسية ثم المزمور الخمسين من مزامير داوود والذى يقول فى بدايته «ارحمنى يا الله كعظيم رحمتك، ومثل كثرة رأفتك تمحو إثمى، اغسلنى كثيرا من إثمى ومن خطيتى طهرنى...» ثم المزمور 118 والذى يقول «احمدوا الرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته....».
استمرت مراسم طقس الرهبنة أربع ساعات انتقلت فيها ألحان الكنيسة من الألحان الخاصة بصلاة الجنازة ثم تدرجت لترتفع بالألحان الخاصة بالقيامة من بين الأموات وعملية الفداء.
حياة من الزهد الاختيارى داخل الدير
وتخللت الطقس قراءات فى الإنجيل بعهديه القديم والجديد من خلال آيات تحض على ترك العالم وأخرى تحض على حفظ الوصايا وثالثة تحض على احتمال التجارب: «يا بنى إذا تقدمت لخدمة الرب أعدد نفسك للتجارب وضع قلبك واحتمل ولا تسرع، فى زمان البلاء التصق بالله وكن صبورا ليكن فضل فى آخر حياتك كل ما أتاك فاقبله واصبر على الوجع وفى اتضاعك كن صبورا لأن الذهب يجرب بالنار والناس المقبولون يجربون فى أتون التواضع».
وقام الكاهن بقراءة آيات الإنجيل تباعا خلال الطقس توبة إلى الله: «اللهم اغفر لى فإنى خاطئ»، ثم أدى الأنبا بيشوى والحضور صلاة أوشية المرضى ثم تسابيح الملائكة وألحان، وقام بترتيل قطع من مزامير داوود تدور كلها حول حياة الرهبنة والتسليم إلى الله يتخللها ألحان «أجيوس» وصلوات إنجيل ومزامير حزينة.
مرت ساعتان وما زالت الفتيات تحت الغطاء يستمعن لكلمات الإنجيل ولصلوات الأنبا بيشوى والقساوسة والراهبات الحزينة والتى انتهت بأوشية المرضى وقانون الإيمان ثم «ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين»، فى تلك اللحظة توجهت جميع الأنظار إلى الغطاء الذى ترقد تحته الفتيات حيث تم رفعه ببطء لتنهض الفتيات ليستكملن مراسم دخول حياتهن الجديدة فى عالم الرهبنة.
انهمرت دموع الفتيات وهن يخرجن من تحت الغطاء وجلسن راكعات ووجوهن موجهة للهيكل ولمعت عيونهن بالفرح عندما خرج الأنبا بيشوى من الهيكل ليبدأ تلاوة «قسم الرهبنة».
وقبل القسم صلى الكاهن لله أن يقبل إيماءه اللائى التجأن إليه داعيا أن يرسل الله عليهن روحه القدوس وينعم عليهن بالبتولية وأن يرعاهن فى حياة الرهبنة.
وترد الراهبات على كل صلاة ودعاء بـ«كرياليسون» ثلاث مرات وهى كلمة يونانية تعنى بالعربية «يارب ارحم».
وقال الأنبا بيشوى موجها حديثة للراهبات الجديدات: «إن هذه الوصية هى دستور حياتكن القادمة فى الدير ويجب أن تلتزمن به، لأنه هو سبيل نجاتكن وقبولكن فى ملكوت السماوات»، ثم قال للراهبات القدامى «ولتجدد كل راهبة عهدها مع الله».
وتتعهد كل راهبة خلال القسم أمام الله وأمام المذبح المقدس والأنبا بيشوى رئيس الدير بأن تثبت على الإيمان الأرثوذكسى إلى النفس الأخير وأن تحترم قوانين الكنيسة وتسلك حسب قوانين الرهبنة معترفة بأنها موت عن العالم، وأن تبدأ بحياة الشركة فى الدير، وأن تبتعد عن حب المال وعن محبة النصيب الأكبر وألا تدخل فى معاملات مالية حتى لو كانت مع أسرتها وأقاربها، وأن تلتزم بأن تعيش بالتزام حياة العفة والطاعة والالتزام بواجباتها وبالعمل الذى يوكل إليها من مسؤوليات وأن تحب الكل وتخدم الجميع وألا يعلو صوتها فى الدير ولا تحب الترف مع البعد عن التعالى وعدم مخالطة «العلمانيين» أو استقبالهم فى قلايتها «غرفتها» وأن تكون أمينة فى اعترافاتها ولا تسلك حسب هواها ومشيئتها ولا تترك نفسها للاشتراك فى تذمر آخرين كما تتعهد بالارتباط بحياة السكون والتأمل والمواظبة على الصلوات والقراءات وعدم الخروج من الدير إلا فى حالة المرض أو بتكليف من رئيس الدير لمهمة تخص الدير.
وينتهى قسم الراهبات بقولهن «الرب يعطينى نعمة بصلواتكم جميعا حتى أسلك بأمانة صلوا عنى»، ثم أدت جميعهن مطانية «سجدة» أمام الهيكل المقدس.
وبدأ الأنبا بيشوى استكمال طقوس الرهبنة وهى قص شعر الراهبات، حيث يتم قص الشعر من خمسة مواضع على هيئة صليب ويطلق الأنبا بيشوى اسما جديدا على الراهبة، قائلا «ادعوكى يا فلانة (الاسم الجديد للراهبة) راهبة بدير القديسة دميانة بالبرارى».
وتقول الأم مارتيريا إحدى راهبات الدير إنه يتم إطلاق اسم جديد على الراهبة، لأنها تخلت عن حياتها القديمة بكل ما فيها من معاملات واسم وشخصية لتبدأ حياة ما بعد الموت عن العالم والالتصاق بالله بروح جديدة واسم جديد ويتم اختيار الاسم من أسماء القديسين فى الكنيسة أو من الشخصيات من الكتاب المقدس أو اسم له مدلول فى الحياة المسيحية. وأضافت «أما قص الشعر فهو علامة على الموت عن العالم وترك زينة الحياة، لأن الشعر هو زينة المرأة لكن من هذه اللحظة تتخلى الراهبات عن كل زينة وكل الأمور الفارغة وتهتم فقط بحياتها الجديدة مع الله». وأطلق الأنبا بيشوى على الراهبات اللائى تم رسامتهن أسماء جديدة لها مدلولات فى الديانة المسيحية وهى الأسماء التى ستعيش بها بقية عمرها فى الدير.
ورددت الراهبات «آمين» ولحن «افرحوا وتهللوا يا جنس البشر، لأنه هكذا أحب الله العالم..» ثم صلى الأنبا بيشوى «أيها السيد الرب الله ضابط الكل...» ثم صلى: «نسأل ونطلب منك يا محب البشر أرسل نعمة من روحك القدوس على عبداتك هؤلاء بالبركة باركهن وبالطهارة احفظهن، وعدهن بغير دنس إلى الأبد، هب لهن نقاوة أجسادهن واحفظ أنفسهن طاهرة وبدد عن قلوبهن كل فكر دنس ونجهن من كل قتالات إبليس وشياطينه ومن كل المؤامرات والتجارب وهب لهن اجتهادا حسنا بتلاوة أقوالك المقدسة....» وترد الراهبات باللحن الفرايحى «كيرياليسون» ثلاث مرات.
وحملت الراهبات الملابس السوداء والتى سترتدينها طوال الأيام والسنوات الباقية من حياتهن وقام الأنبا بيشوى برشمها جميعا بالصليب وهذه الملابس عبارة عن (ثوب واسع وقلنسوة وتعنى غطاء للرأس والجزء العلوى من الجسد ومنطقة أى حزام).
وتردد الراهبات ألحانا مبهجة حيث يرتلن لحن «لبست الفرح والتهليل وتمنطقت بالقوة يا ابنة صهيون.. يا من لبست لباس السمائيين حتى سرت آدم بلباس النعمة وردتيه مرة أخرى للفردوس موضع الفرح ومسكن الصديقين».
وقام الأنبا بيشوى بمساعدة اثنتين من الراهبات الكبيرات فى الدير بإلباس الراهبات الجدد القلنسوة على رؤوسهن وهن يرددن صلوات وتسابيح طوال مراحل اللبس، وقال: «البسى عليك قلنسوة الاتضاع وخوذة الخلاص، اصنعى ثمرة صالحة....»، بينما رددت الراهبات الروح القدس أيقظ داوود قائلة «قم رتل لأن النور قد أشرق فقام داوود المرتل القديس وأخذ قيثارته الروحية».
ثم ارتدت الراهبات بمساعدة أخواتهن الراهبات القدامى المنطقة بينما يقول الأنبا بيشوى: «منطقى حقويك بجميع سلاح الله وقوة التوبة»، ثم وضع الثوب الأسود فوق ملابسهن الرصاصى القديمة بينما يقول «البسى عليكى ثوب البر ودرع الخلاص واصنعى ثمرة تليق بالتوبة» وهن يرددن «الله هو نور وساكن فى النور وملائكة نور تسبحه». واختتمت راهبات دير القديسة دميانة الصلوات بصلاة «ومضى إلى البيعة بيت الملائكة ورتل قائلا بنورك يا رب نعاين نورا فلتأت رحمتك للذين يعرفونك».
وأدت الراهبات الجديدات مطانية «سجود» شكر أمام الهيكل ورددن ألحانا مبهجة ثم صلى الجميع كيرياليسون 41 مرة وانتهى الطقس بالتحليل الذى يتلوه الأنبا بيشوى..
وسادت مشاعر السعادة والفرح بين الراهبات الجديدات وتقدمن لتقبيل يد الأنبا بيشوى ثم لأخذ صور تذكارية للرسامة وهن يحملن الشموع والمزينة بالزهور تعبيرا عن بدء حياة جديدة من الفرح وكانت الابتسامة تعلو وجوههن جميعا بينما انهالت عليهن التهانى من الكهنة وأخواتهن راهبات الدير.
وأكدت الأم مارتيريا أنه من لحظة انتهاء طقوس الرهبنة تبدأ كل راهبة فترة خلوة خاصة بها تبدأها بصلوات وقراءات لله ليعينها ويساعدها على حياتها الجديدة كما تصلى صلوات شكر لله لأنه قبلها فى حياة الرهبنة.