بقلم: عادل جرجس
لا يختلف اثنان في هذا البلد أن هناك ملفًا قبطيًا ممتلئ بالمشاكل التي تزداد يومًا بعد يوم دون أن تُحَل، ومع كل مشكلة جديدة تزداد المعاناة وتزداد صلابة الأقباط يومًا بعد يوم حتى أصبح هناك تناغم وتوائم بين الأقباط ومشاكلهم وأصبحوا يتعايشون مع تلك المشكلات كأمر واقع مع توقع المزيد والجديد كل يوم.
ونحن في هذا لا نأتي بجديد أو نكشف مستورًا أو نفضح سرًا ولكنة الواقع بكل ما فيه من قبح، ولكن المتابع للشأن القبطي في مصر يجد أن هناك اتجاهًا مستترًا لتفقير الأقباط واستبعادهم من هيكل توزيع الثروة داخل مصر حتى بأقل القليل والأدلة على ذلك كثيرة وواضحة ولا تحتاج إلى تدقيق وسوف أذكر منها البعض على سبيل المثال وليس الحصر وهي:

-استبعاد الأقباط من التمثيل في المجالس النيابية في مصر يعني أنه لا يوجد من يمثل الأقباط نيابيًا وهم الشريحة العددية التي تعد بالملايين -لن أذكر تعدادًا بعينة لأن هذا يسبب حساسية للبعض- وهو ما يعني أنه لا يوجد من يدفع وراء مصالح تلك الشريحة والقول بأن نواب الشعب هم نواب لكل الشعب قول لم يعد مقبولاً، لأن هؤلاء النواب ينقسمون إلى نوعين الأغلبية التي لا هم لها سوى استرضاء الحكومة ومن أقامها ومعارضة ومعظمهم من الإخوان المسلمين وهم مشغلون بالتأسيس لدولة الخلافة ولا يعنيهم إلا مصالح مريديهم واللذين يزدادون يومًا بعد يوم ليس قناعة بمنهج الإخوان ولكن طمعًا في ذهبهم.
وأنا هنا لا أبالغ ولا أتعامل من منطلق عنصري ولكنى أدلل على قولي هذا بأننا لم نر أو نسمع منذ انتخابات 2005 عن نائب تبنى أي مشروع يمكن أن يحل أي مشكلة أو حتى يخفف من أزمة يعاني منها الأقباط، وعلى الرغم من أن البطالة تطحن الشعب المصري إلا إن النواب يقومون بشكل شخصي بالحصول على موافقات للتوظيف في المصالح الحكومية تعد بالآلاف والتي تخلو من أي فرص للأقباط وهو ما يعني انخفاض في متوسط نصيب الفرد من الشباب القبطي من الدخل القومي.

- التعنت في منح الأقباط قروض المشروعات الصغيرة، فنسبة الحاصلين على هذه القروض لا يتناسب مع نسبة المتقدمين منهم ولا حتى مع النسبة العددية للأقباط ككل.
- أمر آخر وعجيب أرصدة هنا في هذا المقام وهو أن هناك الكثير من الباعة الجائلين ومَن يفترشون الأرض بدون ترخيص بالمخالفة للقانون وهو ما يستدعي أن تقوم شرطة المرافق بإزالة تلك التعديات ولكن غريب الأمر هو أن تطارد شرطة المرافق صغار المخالفين بينما لا تحرك ساكن تجاه أفراد يحتلون شوارع بأكملها والمبرر الوحيد أن صاحب هذه الانتهاكات ملتحي ومن الشيوخ وهو ما لا يجوز معه مهاجمته وإزالة ما أقامة من تعديات وهى الحصانة التي لا تتوفر للأقباط الغير ملتحين، حتى تصاريح أكشاك بيع السجائر والحلويات فقد حرم منها أيضًا الأقباط.

ما دفعني لرصد هذه المظاهرة هو التضارب في تصريحات المسئولين حول أزمة أنفلونزا الخنازير وطريقة التعاطي مع الأزمة والأبعاد التي بدأت تتكشف تدريجياً حول تلك الأزمة، فعلى الرغم من الهياج الكبير الذي صاحب بداية الأزمة من خطورة هذا الحيوان على الصحة العامة إلا أنه بعد تنفيذ قرار الذبح بدأ المسئولون يتراجعون عن تصريحاتهم وأكدوا أن العيب ليس في الحيوان ولكن في البيئة التي يعيش فيها، ثم اكتشفنا بعد ذلك أن تجارة الخنازير هي تجارة كبير يتم تدوير الملايين من الجنيهات داخلها ولها إمبراطوريات وأباطرة وقد كشف تقرير منشور في إحدى المجلات القومية من أن تجار الخنازير من كبار دافعي الضرائب وإن دخل الصبي في تلك الإمبراطورية لا يقل عن 2000 جنية شهريًا، وكانت الصدمة في أن مَن يقوم على هذه التجارة هم من الأقباط فكان لابد من القضاء على تلك التجارة تماشيًا مع السياسة العامة للدولة في تفقير الأقباط وهو ما كان وتم تشريد آلاف الأسر وتعطيل آلاف الشباب والسؤال الذي يقفز أمامنا الآن هو إن كان كل ما أسلفناه صحيحًا فما هو الدافع والمبرر لهذه السياسية؟

ومَن يريد إجابة على هذا السؤال فليجيبني أولاً على بعض الأسئلة وهي: لماذا لا تقر الدولة قانون دور العبادة الموحد حتى الآن؟ ولماذا لم تشرع قانون الأحوال الشخصية الخاص بهم؟ ولماذا لم تضع الدولة آلية لتفعيل دور الأقباط نيابيًا؟ ولماذا يتم تسوية النزاعات الطائفية عرفًا وليس قانونًا؟ ولماذا لا تسمح الدولة بعودة المسيحي مرة أخرى رغم وجود أحكام قضائية تجيز ذلك؟ إن الإجابة على تلك التساؤلات هي نفس الإجابة على السؤال المطروح مقدمًا.
إجابة أتركها مفتوحة لمن يريد أن يجيب، فهل من مجيب؟

كاتب وباحث
adelgerges_saad@hotmail.com