الأقباط متحدون - الثبات الانفعالى...!
  • ٠٣:٥٦
  • الاربعاء , ٤ يوليو ٢٠١٨
English version

الثبات الانفعالى...!

مقالات مختارة | بقلم:عبد المنعم سعيد

٣٤: ١١ ص +02:00 EET

الاربعاء ٤ يوليو ٢٠١٨

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

 كرة القدم من الألعاب الرياضية التى لا تنفك تعطينا الكثير من المفاهيم المفيدة فى التحليل الاستراتيجى والسياسى والاجتماعى. آخر هذه المفاهيم التى تعلمتها خلال الجولة الأخيرة لمباريات كأس العالم  كان مفهوم «الثبات الانفعالى» الذى تسرب من عملية الاختيار للاعبين المشاركين فى النهائيات حيث لم يعد الأمر يتوقف فقط على مهارة اللاعب ولياقته البدنية وقدرته على التعامل مع بقية الفريق أو الالتزام بتعليمات المدرب، وإنما أضيف إلى ذلك قدرة اللاعب على تحمل الضغوط العصبية من الجماهير أو وجل المباريات أو الإعلام، وتحمل الأعصاب للأحداث المؤلمة فى المباريات، مثل الإصابة بهدف من قبل الخصم.

 
 
اللاعب صاحب الثبات الانفعالى غالبا فى هذه الحالة الأخيرة يتعامل مع الهدف الذى أصاب فريقه على أنه من طبائع كرة القدم وأن مهمته هى السعى نحو تسجيل أهداف أكثر فى مرمى الخصم؛ أما اللاعب الذى لا يتمتع بنفس الصفة، فعلى الأغلب تخور أعصابه، ويصيبه مبكرا هلع الهزيمة. الثبات الانفعالى يجعل اللعب متحملا لضغوط المباريات وحتى اللحظة الأخيرة منها؛ وهو على الأغلب يستطيع المحافظة على قدراته البدنية، وأكثر من ذلك فإنه قد يتحمل الإصابات بصلابة أكثر.
 
ولعل هناك العديد من الأسباب التى عددها المحللون لفشل الفريق القومى المصرى فى تجاوز الأدوار الأولية، منها استراتيجية المدرب وعدم التحضير الجيد وضعف اللياقة البدنية وغيرها؛ ولكن ضعف الثبات الانفعالى ربما كان من أهمها، وظهر ذلك فى الحالة التى تلم باللاعبين عادة فى الدقائق الخمس الأولى من المباراة، ومثيلتها عند النهاية، حيث كان التهديف فى المرمى المصرى ممكنا.
 
وكان ذلك أكثر وضوحا عند إحراز هدف حيث تكون الفرحة طاغية، أما عند إحراز الفريق المنافس هدفا يكون الانهيار. النصر دائما له آباء كثر، أما الهزيمة فيتيمة لا يعرف لها أب أو أم، وللهرب من آلامها يكون الحديث عن القدر المحتوم والقضاء النافذ. لا أحد بالضرورة يتحمل المسؤولية؛ وإذا تحملها فى مواجهة أجهزة الإعلام، فإنه لا توجد لهذه المسؤولية نتائج ولا دروس نتعلم منها، فينتهى التراكم الضرورى للانتقال من حالة الهزيمة إلى الفوز.
 
ولكن الجائز ربما كان أكبر من حالة اللاعبين المصريين، وأنها حالة تمس مصر كلها حيث ألمت بالدولة كلها حالة اهتز فيها الثبات الانفعالى بشدة ليس فقط بين اللاعبين أو جمهور كرة القدم، وإنما الشعب المصرى كله. الحالة التى كانت عليها الأمة المصرية بعد الفوز على الكونغو الديمقراطية أكبر من الفرح بالفوز فى مباراة كان ممكنا تعويضها فى المباراة التالية أمام غانا لو استمرت حالة التعادل قائمة.
 
ومع ذلك كان الانفعال كاسحا بالبكاء فرحا أو تفريغا لشحنة هائلة من الانفعالات المكبوتة خوفا من ضياع فرصة لن تتكرر مرة أخرى. وما بين مباراة الكونغوـ آخر مرات الفوزـ ومباراة أوروجواى- أول هزائم كأس العالم- تحول المصريون إلى حالة هائمة من السعادة وأحلام الفوز نجحت فى تجاوز هزيمة اللحظة الأخيرة إلى الوصول بيقين الفوز على روسيا، مهما كانت العقبات. وعندما انتهى الأمر إلى خروجنا من كأس العالم  تعلق الجميع بقشة الفوز على السعودية، وعندما لم يتحقق ذلك تحول الأمر كله إلى حالة من الكراهية الشديدة للمدرب واللاعبين واتحاد الكرة والفنانين والمدينةـ جروزنى- التى عاشت فيها البعثة الرياضية. تحولت السعادة الطاغية فى أول الأمر إلى حالة من التعاسة الكبرى، بدا وكأن السماء انطبقت على الأرض، وجاء يوم القيامة الذى لا كأس عالم آخر بعده.
 
لم يكن ما جرى للشعب المصرى أول حالات ضعف الثبات الانفعالى، فربما كانت أكثرها قسوة ما جرى فى يونيو ١٩٦٧ عندما وصلت النشوة الشعبية إلى قمتها مع بداية الحرب، عندما جرى التقدير للوقت الذى سيمضى قبل الوصول إلى تل أبيب. لم يمضِ سوى أيام قليلة إلا وكان الحال منقلبا، وبات الدهر أسودَ كما لم يسودّ من قبل، وكانت آية السواد ما انتشر أيامها من نكات كثيرة أكثرها على الذات، وعلى الحالة والقيادة حتى ولو خرجت ملايين الناس تطالب الزعيم بالبقاء فى منصبه. هذه المرة من الانقلاب الانفعالى انفجرت النكات مع النحيب وبحث المصريون عن زعيم آخرـ محمد صلاح- يمسكون بصورته لكى ينجز فى يوم آخر المعجزة التى لم تتحقق. بعد نكسة يونيو احتاجت الأمة ست سنوات لكى تنتصر، ولكن لا أحد يعرف الوقت الذى سوف تستغرقه الأمة لكى تفوز بعد نكسة يونيو الجارى!
 
فى الأول والآخر، فإن الحياة ليست كلها مباريات فى كرة القدم، وإنما فيها من الأهداف الكثيرة التى تتطلب هى الأخرى ثباتا انفعاليا لا يهون عند التعامل مع أمور حيوية، وعندما تكون هناك إنجازات أو ألام الوصول إليها بكل ما فى ذلك من صبر وجلد. وربما كان على الأمة كلها أن تتعلم من أسر الشهداء التى وقفت بشجاعة وثبات انفعالى مذهل لكى تتعامل مع لحظة فقدان شهيد بكل ما فيها من فقدان ولوعة تتحول إلى فرحة وفخر بتمام الواجب إزاء الوطن. الثبات الانفعالى هو واحد من أهم سمات الأمم العظيمة التى تعرف من تاريخها كيف تضبط عواطفها وانفعالاتها، وأفراحها وأحزانها؛ فأحد أهم صفاتها أنها شاهدت وعرفت ما يشهده الزمن من أحداث كثيرة يمكن التعلم من دروسها لكى تكون مفيدة فى المرة القادمة.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع