الأقباط متحدون - الحزن ثمنًا للحب
  • ٠٤:٠١
  • السبت , ٧ يوليو ٢٠١٨
English version

الحزن ثمنًا للحب

مقالات مختارة | إيرينى ثابت

١٦: ٠٢ م +02:00 EET

السبت ٧ يوليو ٢٠١٨

إيرينى ثابت
إيرينى ثابت

كنت أعتقد أن الحزن مجرد نوع من المشاعر السلبية التى ينبغى على الإنسان أن يتخلص منها قبل أن تصل به إلى الاكتئاب لو انحبس داخلها، ولكن بالبحث وجدت أن للحزن علمًا كبيرًا وشيقًا.

يُعد الحزن واحدًا من المشاعر السبع الأساسية التى يحسها الإنسان الطبيعى فى حياته اليومية.. يعرّف الحزن بأنه شعور وجدانى بالألم المرتبط بمشاعر العجز، والأسف، والندم والخسارة، وخيبة الأمل.

ولكن أحد علماء علم الحزن يختصر كل ما سبق فى مقولة من أروع ما يمكن: "الحزن هو الثمن الذى ندفعه مقابل قدرتنا على خلق ما يربطنا بالآخرين".. أى أن ثمن العلاقات الإنسانية الحقيقية هو الحزن.. وثمن محبتك الحقيقية للآخرين هو الحزن.

كما أن الحب يخلق فرحًا، فكذلك انفصالك عمَّن تحب وعمَّا تحب يخلق حزنًا.. ويقول علم الحزن، إن بداية شعور الطفل بالحزن هى انفصاله عن أمه.. ربما فطامه، أو ذهابه إلى المدرسة، أو الحضانة.. ذلك الانفصال هو بداية الحزن.

وبعد سنوات وسنوات عندما يكبر هذا الابن وينفصل عن أمه ويستقل عنها بالسفر أو الذهاب إلى الجامعة فى مدينة أخرى، أو بالزواج، والانتقال لبيته المستقل، تشعر الأم بالحزن ربما أكثر كثيرًا من شعورها بالحزن عند انفصاله الأول عنها فى المدرسة مثلًا.. ذلك لأن الأضعف والأكثر احتياجًا يشعر بالحزن الأكبر فى انفصال العلاقات الانسانية.

وإذا رأيت وداع المطارات، وانفصام العلاقات بين المحبين، وانتهاء صداقات العمر، وانفصال الأحباء بالموت، لفهمت الشعور الحقيقى بالحزن.. ذلك الألم والشعور بالعجز والفقدان.. واذا اختبرت دموع الحزن تلك، لعرفت أنها كلمات القلب التى يعجز اللسان عن نطقها، واليد عن كتابتها، فتترجمها العيون لتلك العبرات المنهمرة على الوجنتين والتى تعدّ التعبير العالمى الأكبر عن الحزن الإنسانى، تمامًا كما تعبر الابتسامة والضحكات عن ذلك الشعور الواحد بالفرح عند العالم كله.

يقولون فى علم الحزن، إن له فائدتين عظيمتين.. عندما قرأتهما فهمت إحداهما ولم أقتنع كثيرًا بالأخرى.

الفائدة الأولى للحزن هى إعادة تقييمك للأشخاص.. فأنت عندما تنفصل عن شخص ما تتباعد بينكما المسافات ويتغير المنظور الذى ترى من خلاله هذا الشخص.. فتنضبط أبعاد الصورة.. وقد تصغر فى عينيك بعض تلك الأبعاد التى كنت تعتقدها كبيرة.. وتعيد عندئذ تقييمك للشخصية، وربما تجدها عادية بعدما كانت فى نظرك استثنائية!!

والحقيقة أننى رأيت ذلك فى كثير من علاقات الحب، والخطوبة، والزواج، وأيضًا الصداقة.. فكثيرون يعيدون تقييم الطرف الآخر، ويرون أنهم كانوا مخطئين بتكبير صورته وتعظيم صفاته وإدراجه كأيقونة متفردة وهو أو هى، ليس كذلك.. ولكن هناك علاقات أخرى، وأشخاص آخرون، يأخذهم الموت أو تبعدهم تصاريف القدر عنك وأنت قد أحببتهم فعلًا، وهم بالفعل شخصيات متفردة تأثرت بهم حياتك وتركوا بصماتهم على طريقك وماضيك وحاضرك ومستقبلك أيضًا، لا يندرجون أبدًا تحت إعادة التقييم.. بل هم دائمًا أيقونتك حتى لو اختاروا، أو اختارت الحياة، أو اختار الموت أن يبعدهم عنك.

أما فائدة الحزن الثانية، كما يدعى علماؤه، هى التحفيز على النجاح وإزالة العقبات والسعى وراء الطموح.. إذ إن الفرح والرضا بما هو كائن يجعل الإنسان أقل رغبة فى السعى وراء أحلامه ومبتغاه.. ولكن الحزن والإحساس بعدم الرضا يحفّز الإنسان لتبديل حاله وبلوغ آماله.

ولا أفهم كثيرًا هذه النقطة.. فالحزن والأسف على ضياع الأشياء قد يعوضه شراء غيرها.. وإن كنت أعرف كثيرين ممن يرتبطون بأشيائهم ويحزنون لفقدان سيارتهم مثلًا حتى لو اشتروا أعظم منها.. على الوجه الآخر، لا يوجد ما يعوِّض خسارة الناس.. وخصوصًا إذا كنت قد بذلت من أجلهم حبًا كبيرًا أو أخذت منهم حبًا كبيرًا.. ربما لو أعدتَ تقييم شخص ما، تسعى لإيجاد بديل أفضل منه!!! وإن كنتُ شخصيًا لا أتصور أبدًا أن يحل إنسان محل آخر مهما كان!!

تبقى المشاعر ومناقشتها موضوعًا وعلمًا مفتوحًا.. يسعى الإنسان إلى فهمه كما يسعى لفهم جسده.. ولا يصل لمنتهى تلك العلوم أبدًا.. أليست معجزة الإنسان هى أكثر معجزات الخالق إبهارًا؟!

ويبقى الحزن علمًا، ومعلمًا، وإلهامًا، وثمنًا للحب، وموضوعًا للشِعر، وقِبلة للمتألمين، وقُبلة على الجبين، لكل الدامعين المحزونين.
نقلا عن مبتدا

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع