الأقباط متحدون - ربح العالم وخسر نفسه!
  • ٠٧:١٥
  • الأحد , ١٥ يوليو ٢٠١٨
English version

ربح العالم وخسر نفسه!

مقالات مختارة | بقلم : الأنبا موسى

٥٥: ٠٦ م +02:00 EET

الأحد ١٥ يوليو ٢٠١٨

الأنبا موسى
الأنبا موسى

 مشكلة كبيرة يجب أن نتعامل معها وهى:

أولاً: الانحصار فى الزمن:
 
بمعنى أن لا يهتم الإنسان إلا بما هو زمنى أو مادى أو أرضى.. وهذا خطأ كبير لأن الإنسان فى أصله وجوهره هو كائن روحى، أبدى، وسمائى بمعنى أنه:
 
1- مع الجسد والنفس عنده روح تتصل بالخالق.
 
2- وكذلك فهو أبدى بمعنى أن له وجودا بعد الموت فى حياة أبدية، أيًا كان نوعها!.
 
3- وسمائى: بمعنى أنه مخلوق للحياة الأبدية مع الله فى ملكوته، إذا أحسن الاختيار، وسلك بما يرضى الرب.
 
من هنا كانت الاهتمامات الأرضية فقط نزولا بالإنسان والإنسانية من علياء السماء، إلى طين الأرض، فالإنسان أصلاً مخلوق إلهى، نسمة من القدير، استودعت فى التراب، والمادة، والأرض، لفترة محددة من الزمن، ولكنها سرعان ما تعود إلى أصلها السمائى الإلهى الروحانى، حيث الخلود فى الملكوت.
 
لذلك فإن محاولة حصر الإنسان فى الزمن، خنق خطير لإمكانيات الإنسان الأبدية، وكذلك فإن التركيز على الترابيات فقط، دفن لروح الخلود فينا فإذا كان فى الإنسان جسد يسعى على الأرض، ويقتات بالطعام الحسى، الذى تنبته لنا الأرض، ففى الإنسان روح خالد يتطلع إلى السمائيات، ويتجاوز التراب، والزمن والمادة، والكواكب بكل أنواعها، متسامياً إلى اللاهوت والأبدية.
 
ثانيًا: لا فصل ولا تناقض:
 
على أن هذا الاهتمام الأبدى، لا يعنى إطلاقاً إهمال الأرض والجسد والمادة والتاريخ وقضايا المظالم الإنسانية للأسرة والمجتمعات.. بل بالعكس، فإن الكشف عن جوهر الإنسان الأصيل كنفحة قدسية، تتجاوز إنسانيتها، وترابيتها، وتتعرف على مصدرها الأساسى، وهو الرب، وموطنها الحقيقى، وهو السماء.. هذا الكشف عن جوهر الإنسان، يجعله ليس مجرد إنسان، بل إنساناً حقيقياً، سمائى الطبيعة، يتسامى على الأطماع الفانية، يبذل نفسه عن أخوته، ويعطى حباً عملياً بلا حدود كخالقه الله تعالى.
 
وكما أن الاهتمام الأبدى، والإيمان بالله، يعطى سنداً قوياً للإنسان أمام مصادمات الحياة اليومية، واحتياج الخبز اليومى- كذلك فإن هذا الاهتمام يشرق على أيام الإنسان فى الزمن، نوراً خاصاً، ويعطى لحياته معنى وقيمة، إذ يحس أنه سفير عن السماء بين سكان الأرض، ورسول لرب المحبة، فى عالم تنقصه المحبة!!.
 
إن الزمن محتوى فى الأبدية، لا فصل بينهما، ولا تناقض بل تقديس وارتفاع وأحياء.. لأننا حين نهتم بالملكوت، نخدم أنفسنا، وأحباءنا والعالم كله. فالملكوت ليس مستقبلاً بعيداً، بل هو حضور ملكوت الله تعالى فى داخل الإنسان: «ها ملكوت الله داخلكم» (لو 21:17).
 
الملكوت بداية فى القلب، ينمو مع الزمن، ويصل إلى الخلود.. الخلود الذى لا ينتهى أبداً.. إذ نكون مع الله تعالى كل حين!!.
 
ثالثًا: المستقبل يلد الحاضر:
 
هناك تصور خاطئ فى ذهن الناس، أن المستقبل هو نتاج الحاضر، وأن ما نزرعه اليوم نحصده غداً، هذا سليم ماديًا، يمكن الإنسان يرسم خطوته الحاضرة على ضوء تصور معين فى المستقبل، وليس العكس، فالمستقبل حاضر فى ذهننا كاختبار، وتوجه، ورؤيا، وأمنية، والحاضر هو خطوات متتالية، تود أن تصل بنا إلى هذا الحلم، وأخطر شىء فى حياة الشباب ألا يكون له حلم، وتكون له رؤيا.
 
لذلك فرسم المستقبل هو السبيل السليم الوحيد، من أجل حاضر مثمر وسعيد.
 
رابعًا: مستقبل ومستقبل:
 
هناك فرق بين إنسان يرسم مستقبله الزمنى فقط، ولا يهتم بمستقبله الأبدى، فالأول محصور فى الزمن، يغمط الإنسان حقه فى الخلود والملكوت، أما الثانى فيتسامى بالإنسان إلى أصله الحقيقى، خليقة الله ابن السماء، والمستقر نهائياً فى السماء، فى شركة مع إلهنا العظيم الخالد.
 
لذلك فنحن لا نلوم شبابًا يهتم بدراسته أو ملكاته الفنية، أو مواهبه الاجتماعية والإدارية، أو مهاراته التى يمكن أن تساعده فى تكوين أسرة سعيدة، فهذا كله مطلوب ومحبوب، ولكن الأهم والأخطر، هو أن ننسى الخلود ونرتبك فى الزمان، ونختنق فى تراب.. الأفضل أن نهتم بأبديتنا وخلودنا، وليس فقط بأمور هذا الزمان.. «ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه» (مت 26:16).
 
خامسًا: منهجان فى الحياة:
 
إنه تشبيه جميل، ذلك الذى يفرق بين مجتمع النمل ومجتمع الصراصير، كما تحدث عنه الآباء: فالنمل يخزن للمستقبل.. إذ لديه رؤيا، لذلك فلديه خطة فى الحاضر، واجتهاد فى العمل، أما الصراصير فلا ترى إلا ما تحت أقدامها، وليس لها رؤيا مستقبلية.
 
ولعل هذا هو الفرق بين مجتمعات العالم المتقدم، والعالم الفقير الباحث عن النمو، إنه «عالم المستقبل» (Futurology). وهو ما حدثنا عنه الراحل الكبير أحمد بهاء الدين.
 
أما الأهم والأخطر فهو أن نرسم للمستقبل بمفهومه الأوسع والخالد، وليس فقط بمفهومه الزمنى والضيق فالأبدية أهم من الزمن وأبقى!!
 
* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع