الأقباط متحدون - تحليل الخطاب: ٥٧٣٥٧
  • ٠٤:١٢
  • الثلاثاء , ١٧ يوليو ٢٠١٨
English version

تحليل الخطاب: ٥٧٣٥٧

مقالات مختارة | عبد المنعم سعيد

٥٩: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٨

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

أحيانا يكون الاشتباك الفكرى حول موضوع بعينه فرصة لكى نتعرف على النخبة المصرية أكثر وطريقتها فى التفكير وعما إذا كنا نختلف حقا وعلى أمور جوهرية أم أن الأمر كله سوء تفاهم يمكن عبوره. بالطبع فلابد وأن تكون القضية ذات أهمية حتى يكون تحليل الخطاب العام حولها ضروريا؛ ولذا فإن ما دار حول مستشفى ٥٧٣٥٧ على جانبى التأييد والاختلاف هو شهادة لها بأنها استدعت كل هذا العدد من المعلقين والمهتمين فى وسائل إعلامية متنوعة حتى استدعت تدخل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والنيابة العامة أيضا. ورغم أن الجدل كان حول «مستشفى» فإنه ولأول مرة لم يكن الذى اعتدناه حول إهمال الأطباء وأطقم التمريض، وشكوى هؤلاء من غياب الإمكانيات من أول الأجهزة الضرورية وحتى «الشاش» و«القطن» و«السرنجات»، ولا كانت الاتهامات الخاصة بالنظافة والمخلفات وتبعاتها مما يؤثر فى صحة النزلاء. لم يكن أى من ذلك حاضرا لأول مرة فيما طرح على الجانبين، واستبعد الجدل حول «المستشفى» تماما المرضى وأسرهم، فلا جاءت منهم شهادة ولا قول ولا صورة ولا زيارة من أهل أو أصدقاء ينقلون لنا مشاهدة ما يجرى فى بيت الشفاء. وما كان مسكوتا عنه أكثر أن هناك شهودا لا يمكن تجاهلهم فى القضية كانوا دوما جزءا من الصورة «القومية» للموضوع، فإعلانات المستشفى حفلت بتمثيل القوات المسلحة، والشرطة، والأندية الرياضية، وشخصيات عامة لفنانين وأدباء ورؤساء من كل حدب وصوب، وحضر الأزهر والكنيسة، وربما لأول مرة فى التاريخ المصرى المعاصر أن المستشفى كان له الريادة فى أن يكون جزءا من المزاج الوطنى. انكسر الحاجز بين الناس ومرض مستعص مثل السرطان، وفتح الباب للتعامل العلمى مع المرض فباتت ٥٧٣٥٧ مدرسة تخرج من نموذجها كثرة من الجمعيات الأهلية والمستشفيات الأخرى.

الفارق بين هذه المدرسة فى أصلها ومن تخرج من مدرستهاـ مستشفيات وجمعيات- وبين ما اعتدنا عليه من مستشفيات هو الفارق ما بين «النوع» و«الكم»؛ وحتى نختصر طريقا طويلا من البحث فى المفاهيم فإن «النوع» هنا يعنى أن تقدم خدمة وفقا للمعايير العالمية والدولية فى دول متقدمة، أما الكم فإن التراث المصرى حكم عليه بأنه «العدد فى الليمون»، أما فى الواقع أن تكون لديك مستشفيات لا تعالج مرضى أو بالكاد تفعل عند حده الأدنى، وكذلك مدارس لا تعلم الكثير أو بالكاد تخرج خريجين لا يفيدون فى سوق العمل، وأن تكون لديك «مساكن شعبية» لا تلبث أن تصفها بالعشوائية. الفارق ما بين الكيف والكم هو فى بعد هام منه هو فارق فى التكلفة والإنفاق والموارد الحقيقية والقدرة على تعبئتها وحشدها واستخدامها لصالح المهمة والخدمة والمنتج. ولن يختلف أحد على أن من زاروا مستشفى ٥٧٣٥٧ أو دخلوه لسبب طبى فإن الانطباع الفورى سوف يكون أنه يدخل ذات المستشفى لعلاج مرضى سرطان الأطفال فى دول متقدمة؛ ومن ثم فإن المقارنة التى يقدمها المستشفى يكون دائما فى مدى الاقتراب والابتعاد عن المستويات العالمية. ولم تكن هناك صدفة أن غالب الهجاء والاستنكار جاء من الكم، فكانت هناك «خضة» أن حجم التبرعات وصلت إلى مليار جنيه، ويتلوها بعد ذلك تناول أعداد الأسرة والمرضى ومرتبات الموظفين والأطباء وما هو أكثر من تفاصيل تجعل مظهر ومخبر المستشفى طريقا للعلاج، ومأمنا للمريض وأسرته، ووفقا للمقاييس الدولية المتقدمة. ومنها على سبيل المثال أن غالبية مرضى السرطان يوجدون خارج المستشفى وليس بداخلها، وبينما يكون العلاج لهذا وذاك حسب الحاجة والضرورات الطبية التى تستدعى طبيا متفرغا يعمل لمدة ثمانى ساعات من العمل لا يجرى بعدها لكى يتنقل من مستشفى لآخر، ومن عيادة خاصة لعيادة نقابية. وفى مستشفى «نوعى» يعتمد على آخر ما وصل إليه العلم من أجهزة وأدوات، فإن مليار جنيه لا يجب النظر له على أنه «مليار» وإنما ٥٠ مليون دولار وفقط لا غير. وفى مقاييس العالمية «النوعى» أنه لا يوجد لا خجل ولا عار فى المرض، ولا أعرف مستشفى فى العالم المتقدم، وقد عرفت بعضها، إلا ويعلن عن مرضاه سواء فى مجال عرض إنجازاته، أو الدعوة للمساهمة والتبرع.

«الخضة» من الأرقام هكذا لا يوجد ما يبررها، ويصبح العجب مدهشا بطرح التساؤل أو الاتهام المبطن عن كيفية إنفاق هذه الأموال طالما أنه لا أحد يعلم عنها شيئا! لأن الحقيقة هى أننا نعلم أن هناك من يعلمون وهم الأجهزة التى خول لها القانون القيام بهذه المهمة نيابة عن المجتمع من أول وزارة التضامن الاجتماعى وحتى الأجهزة الرقابية المتعددة فى مصر. لم يرد فى عرائض اتهام المستشفى ما يشير إلى خداعه للأجهزة المختصة، ولا جاءت تهمة استنادا إلى مخالفته نصا قانونيا محددا اللهم إلا ذلك الحديث البالغ العمومية عن إهدار المال العام، وفى كل الأحوال فإن الإنسان والمؤسسات يعيشون حالة البراءة حتى تثبت إدانتهم بنص القانون. كما تجرى «الخضة» أيضا على قيام المستشفى بإجراء البحوث الدولية بما فيها التجارب السريرية التى تعنى فى ظل مؤسسات «النوع» و«الكيف» أن المؤسسة بات أولا معترفا به ومقبولا منه إجراء هذه البحوث والتجارب والتى لا تحدث فى العالم المتقدم إلا وفق تقييم دقيق للقيمة العلمية للمؤسسة التى تقوم بما يظهر فى صورة شهادة للمستشفى بالمعرفة والقدرة. وثانيا أن الأدوية التجريبية لا تستخدم لدينا أو فى العالم المتقدم إلا عندما يصل المريض إلى حالة صحية متأخرة لم تعد الأدوية والحلول المتاحة تنفع معها. لقد حدثت قفزة كبيرة فى بحوث أدوية السرطان خلال السنوات الأخيرة أدت إلى ظهور نوعيات جديدة من الأدوية «الذكية» التى تستهدف الخلايا السرطانية وحدها دون الخلايا الأخرى التى تستمر فى أداء مهامها فى الجسد الإنسانى. مثل ذلك لا يحدث إلا بموافقة المريض، وبعد شرح لكل الاحتمالات الأخرى، وعرض للمدى الذى وصل إليه النجاح داخل العينة التى يجرى عليها البحث، ويعفى المريض من ثمن الدواء لأنه ليس تجاريا بعد.

فى كل بلدان العالم فإن هناك مؤسسات عامة حكومية، وأخرى خاصة، وثالثة أهلية؛ وهذه الأخيرة باتت تلعب دورا هاما فى التنمية المصرية لا يمكن تجاهله. وبعضها يأخذ الآن نهجا يتماشى مع المقاييس العالمية، فدعونا لا نحرم الوطن منها.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع