بقلم: مجدي ملاك
اتهام أقباط المهجر الدائم بالمسئولية عن كل ما يحدث داخل مصر هو نوع من أنواع محاولة الابتعاد عن دراسة المشكلة أو الهروب من أسباب ما يحدث وما يتعرض له الأقباط من مشاكل سواء كانت تلك المشاكل مشاكل بسيطة أو معقدة، فالمتابع لما نُشر في أحد الجرائد الأسبوعية هذا الأسبوع والتي ركزت فيها على ندوة أقيمت بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية وتحدث فيها كورنيلس هولسمان مدير مركز تقارب الثقافات والترجمة، مؤكدًا على أن أقباط المهجر وغيرهم من الناشطين حاولوا الترويج لفكرة التعرض للظلم وعدم الحصول على حقوقهم، وأن استخدام مصطلح اضطهاد أمر مبالغ فيه.
وفي الحقيقة لا أعرف من هو كورنيلس هولسمان، ولم أقرأ له أبحاث قيمه في هذا المجال، ولا أعرف كيف يحصل على معلوماته ومن هو مصدرها، ولكن المؤكد أن كل من يحاول أن يدرس القضية القبطية يتعرض لنوع من أنواع التضليل بشكل أو بآخر، لأنه لا يمكن لباحث منصف أن يدرس القضية القبطية بإنصاف حتى يستطيع أن يضع يديه على جوانب الظلم التي يتعرض لها الأقباط، وأنا هنا لا أكتب دفاعًا عن أقباط المهجر ولكن فقط أحاول أن أضع أمام هذا الباحث بعض من النقاط التي ربما ساعد الآخرون في تضليله ومن ثم الخروج بنتائج بحثية لا تمت للواقع بصلة.
فالباحث هنا تحدث عن الدور السلبي لأقباط المهجر واعتبرهم السبب في زيادة التوتر بين المسلمين والمسيحيين، وهنا لا بد أن أوضح له أن هجرة الأقباط من مصر في الأساس جاءت بسبب عوامل اضطهاد وتمييز شعر فيها الأقباط أنهم لن يستطيعوا أن يحققوا شيئًا في هذا المناخ وبدأت هذه الهجرة بقوة أيام الرئيس الراحل أنور السادات الذي شهدت أيامه اضطهاد منظم للأقباط، وتشجيع للجماعات الإسلامية التي كانت تعتبر الأقباط في حكم الكافرين الذي يجب التخلص منهم باعتبارهم أعداء الله، ومن ثم لجأ هؤلاء إلى الهجرة في المجتمعات المفتوحة والتي تسمح لكل من لديه قدرة على العمل والإبداع بالعمل وتحقيق أعلى المراكز، والدليل على ذلك أن الكثير من الأقباط يتمتعون بمناصب كبيرة في الخارج والكثير منهم ربما حقق نجاح يفوق ما يحققه أهل تلك البلاد أنفسهم، وطوال تلك الفترة لم يكن لأقباط المهجر نشاط سياسي كبير، بل يمكن القول كانت هناك حركات بسيطة أو يمكن أن نطلق عليها تأسيسية مثل التي قام بها الدكتور شوقي كراس وهو واحد من أهم نشطاء أقباط المهجر، وأول من أسس جمعية في الولايات المتحدة للدفاع عن أقباط مصر في الداخل وكان معه في هذا الوقت مجموعة أخرى من أمثال الدكتور العظيم والمستشار سليم نجيب وغيرهم، ومن ثم يمكن القول أن نشاط أقباط المهجر وثورة الإتصالات التي لم تكن متوافرة في ذلك الوقت كان له أثر في عدم وصول صوت أقباط المهجر إلى الداخل بالشكل الذي يسمح بأن يساعد ما يقوم به أقباط المهجر على توتر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وعلى الرغم من ذلك حدثت أحداث داخل مصرية دموية ودون أن يكون لأقباط المهجر أي دور فيها، كتلك التي حدثت في الزاوية الحمراء أو في أبو قرقاص وغيرها من الأحداث التي يمكن لأي باحث منصف أن يصل لها ويدرسها ليخلص بنتيجة مفاداها أن أقباط المهجر لم يكن لهم أي دور في توتر العلاقة بين المسلمين والمسيحين، بل كان أقباط المهجر يكتفون برد الفعل أي التعبير عن غضبهم حين تحدث تلك الأحداث.
ثم انتقل عمل أقباط المهجر إلى مرحلة أخرى منذ ثورة الإتصال والإنترنت التي جعلت العالم قرية واحدة ويستطيع الكل أن يؤثر في مجرى الأحداث، ومن ثم بدأ أقباط المهجر في مراقبة الأوضاع عن كثب ومحاولة إظهار تلك الانتهاكات للرأي العام العالمي من خلال المواقع الإلكترونية التي أصبحت حق للجميع ووسيلة هامة من وسائل التكنولوجيا التي مكنت الجميع من التضامن والتعبير والكتابة والتعليق عن كل ما هو غير إنساني بشكل عام، وعن كل ما يتعرض له الأقباط بشكل خاص، ومن ثم وعلى سبيل المثال ظهر موقع الأقباط متحدون الذي كان له بصمة كبيرة في إظهار الحقيقة لما يتعرض له أقباط الداخل دون تهوين أو تهويل، وعلى الرغم من أن موقع الأقباط متحدون يمكن اعتباره واحد من أنشطة أقباط المهجر، حيث يعتبر منظمة غير حكومية مقرها في سويسرا، إلا أنها في عملها استخدمت صحفيين من داخل مصر على أساس أنهم الأكثر قربًا للأحداث والأكثر معرفة بما يدور في الداخل دون أن يكون هناك تضخيم لحجم المشكلات، واستخدم الموقع الصوت والصورة حتى يعبر بمنتهى الموضوعية عن كل الأزمات التي يتعرض لها الأقباط بعيدًا عن بعض ما يكتب دون أن يكون شاهد للأحداث.
ومن ثم تمثل دور أقباط المهجر في تلك اللحظة في النقل الأمين لكل ما يحدث ومحاول التعبير عن ما يحدث بالكتابة، وفي الكتابة لا يمكن أن ننكر أن هناك بعض من الأفراد الذين يسيئون التعبير عن تلك المشكلات من خلال بعض الطروحات التي لا تناسب الواقع القبطي، ولكن في المقابل هناك الكثير منهم أيضًا يتحدث بموضوعية وبوثائق وبأسلوب موضوعي في طرح المشكلات وتقديم حلول لها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال منع هذا أو تلك من التعبير، والعبرة يجب أن تكون للحكمة ومن يكتب بها في هذا التوقيت.
وبعد تلك المرحلة أدركت الدولة نفسها أهمية أقباط المهجر وأهمية التواصل معهم بشكل أو بآخر وكان هذا واضح من خلال تصرفات الحكومة، وبصرف النظر عن تقييم تلك التجربة فقد كان لها مدلول كبير يتمثل في أن أقباط المهجر هم جزء من الحل وليس جزء من المشكلة نظرًا لتأثيرهم وقدرتهم على التعبير التي أتيحت لهم في الخارج وانتقلت تلك العدوى في الداخل، ليصبح الداخل والخارج متحد في وجوبية التعبير عن تلك المشاكل وإن اختلف الأسلوب والمنهج المتبع.
تعليق مشكلات التوتر بين المسلمين والمسيحيين على شماعة أقباط المهجر هو تحليل غير علمي وغير موضوعي ومتحيز بدرجة كبيرة، والمعروف أن الباحث يجب أن يكون في أقل درجات التحيز في بحثه حتى يستطيع الخروج بنتائج تقترب من الواقع حتى لو لم تعبر عنه بشكل كامل، لذلك فما يطرحه هولسمان في الندورة التي عُقدت بكلية سياسة واقتصاد تفتقر إلى الدقة البحثية وتتمتع بتحيز كبير كافي للخروج بنتائج بحثية مغلوطة ومشوهة، نتيجة تعرضه لأبحاث أو استخلاص نتائج دون معايشة للواقع الحقيقي الذى يعيشه أقباط المهجر، ثم أن تركيزه فقط على قضية اختطاف البنات وأنها قضية يتم المغالاة فيها أمر غير صحيح من الناحية البحثية، لأن من يريد أن يدرس قضية لا يجب أن يركز على جانب واحد فقط منها بل عليه أن يدرس كل الجوانب ثم يحاول الربط بينها في إطار منهجي سليم، فأقباط المهجر هم جزء من الحل وليس جزء من المشكلة ومن يريد الترويج لغير ذلك فهو يريد فقط أن يضع شماعة من أجل المماطلة في إيجاد حلول واقعية لمشاكل الأقباط، والبحث عن شماعة للفشل على مستوى الدولة وعلى المستوى البحثي.