الأقباط متحدون - تساؤل مفيد عن الشّدة فى التربية!
  • ٠٩:٢٦
  • السبت , ٢١ يوليو ٢٠١٨
English version

تساؤل مفيد عن الشّدة فى التربية!

مقالات مختارة | مفيد فوزي

١٠: ٠٨ ص +02:00 EET

السبت ٢١ يوليو ٢٠١٨

مفيد فوزي
مفيد فوزي

هل تجوز الشدة مع أولادنا فى زمن السماوات المفتوحة والميديا المنفتحة، خصوصاً أن بعض الآباء اعترفوا لى وهم فى حالة ذهول أن أولادهم «سخروا» منهم على الفيس بوك دون إشارة صريحة واكتفوا بقولهم «يا بابا يا حبيبى الدنيا اتغيرت عن زمن جدو والأبيض وأسود، زمن المليم والنكلة والخمسة تعريفة»!!. قبل ٢٥ يناير كان «الطابق مستور»، وبعد ٢٥ يناير فقدت الأبوة لأى شىء معناها ولم يعد هناك «توقير للكبير» أو «حنان على الضعيف» وانحط الذوق العام وظهرت سفالة فى السلوك، لا أدرى إن كانت مختبئة أم هى وليدة الثورات؟ وجاءت التكنولوجيا فخلقت فى البيت الواحد انقساماً مريعاً، واختلى كل أفراد العيلة بموبايلاتهم، فذهبت «اللمَّة» وقل «التكافل» وتحول كل فرد إلى كيان مستقل وتدعمت الأنانية فى نفوسهم، وصار الثراء السريع منهجاً وما عادت المدرسة تؤدى ذلك الدور الذى كان، وأصبحت الحياة مجرد كومباوند يعيش فيه أفراد مختلفو السلوك. متناقض بين الذوق والانحطاط، وبين شخص متربى وآخر «مش متربى»، لكن المناخ العام فرض سياقه وصفاته، فحفيدى- مثلاً- جاء من بلد أوروبى يتعلم فيه و«مكلفش نفسه يسأل عن جدو بالتليفون»؟!! وأعتذر لأبويه إن ذكرت هذا العتاب علناً! فالعتاب بحجم الحب.

١

هذه تغريدة مستطردة، لا هى عمود صحفى ولا هى مقال! مجرد تغريدة فيها الآهة وقد تخذلنى دموعى ويطفح الشجن، أحمل تساؤلاً تربوياً مهماً: هل «تجوز» الشدة مع أولادنا هذا الآوان؟ ولست أقصد بالشدة الضرب والصفع أو الإهانة، وإن كان جيلى يؤمن بالضرب والصفع والإهانة! كان والدى رحمه الله يضربنى ويصفعنى إن عدت للبيت بعد التاسعة مساءً. ولم نكن نعيش فى القاهرة الساحرة بل نعيش فى بنى سويف حيث لا سهر ولا يحزنون، ومرة تجرأت وقلت لأبى: هوه أنا بنت؟! فحرمنى من النزول للشارع أسبوعاً ذقت فيه المرارة من الاعتقال، وكنت أسهر للحادية عشرة وقد أقنعت أبى أنى فى الكنيسة بينما أنا فى الحقيقة فى سينما الأهلى أشاهد فيلم «عدو المجتمع» لعباس فارس وعقيلة راتب واعتبرتها كذبة بيضاء ولكن ضميرى رفض الاستمرار فى الكذب واعترفت بخطيئة الذهاب للسينما، فصفعنى وربطنى ليلة كاملة فى السرير، وقال: «عمرك ما انت فالح»!!

٢

وأعترف بأن الشدة التى كان يعاملنا بها والدى أنا وإخوتى الصبيان كانت نوعاً من «الحزم» و«السلوك القويم» وهو ما يتصوره هذا الجيل المنفلت اعتداءً على الكرامة! أجيالنا بالأمس صنعت الرجال، فهى جيل السد العالى، السواعد القوية والالتزام وقواعد الاحترام، ولكى يتوازن الأمر فى البيت كانت أمى هى بلسم الحنان، هى التى علمتنى أن هناك فى مكتبة البلدية فى بنى سويف كتبا جديرة بالقراءة ربما أكثر من كتب المدرسة!! ومازلت أتذكر أول كتاب استعرته وكان عنوانه «عقلى وعقلك» لسلامة موسى، عكفت على قراءته بشغف المشتاق لحروف أخرى غير حروف كتب المدرسة وأدمنت الذهاب للمكتبة وكنت أعلق بقلم رصاص على هوامش الكتب المستعارة حتى لفتت أمى انتباهى للملاحظة، فمحوت ما كتبته بالأستيكة! كانت «مريم فرج» أمى حاصلة على شهادة الكفاءة وتعلمت الإنجليزية فى مدرسة الراهبات، كانت نبع الحنان مع حزم أبى، فتوازن الأمر. وكنت شغوفاً بالفن والأدب وأسمع الأغانى من راديو موبيليا معلق فوق رف خشبى، وعندما تغنى فايزة أحمد «يا أمه القمر ع الباب» ثم أسمع خطوات أبى على السلم الخشبى، كنت أغير الموشر وأفتح الباب لأبى ليسمع المذيع يعلن «صوت العرب من القاهرة» فيطمئن..! الشدة فى التربية لم تعقدنى بل جعلتنى ملتزماً.

٣

أعود للتساؤل: هل تجوز الشدة مع أولادنا فى زمن السماوات المفتوحة والميديا المنفتحة، خصوصاً أن بعض الآباء اعترفوا لى وهم فى حالة ذهول أن أولادهم «سخروا» منهم على الفيس بوك دون إشارة صريحة واكتفوا بقولهم «يا بابا يا حبيبى الدنيا اتغيرت عن زمن جدو والأبيض وأسود، زمن المليم والنكلة والخمسة تعريفة»!!. قبل ٢٥ يناير كان «الطابق مستور»، وبعد ٢٥ يناير فقدت الأبوة لأى شىء معناها ولم يعد هناك «توقير للكبير» أو «حنان على الضعيف» وانحط الذوق العام وظهرت سفالة فى السلوك، لا أدرى إن كانت مختبئة أم هى وليدة الثورات؟ وجاءت التكنولوجيا فخلقت فى البيت الواحد انقساماً مريعاً، واختلى كل أفراد العيلة بموبايلاتهم، فذهبت «اللمَّة» وقل «التكافل» وتحول كل فرد إلى كيان مستقل وتدعمت الأنانية فى نفوسهم، وصار الثراء السريع منهجاً وما عادت المدرسة تؤدى ذلك الدور الذى كان، وأصبحت الحياة مجرد كمبوند يعيش فيه أفراد مختلفو السلوك. متناقض بين الذوق والانحطاط، وبين شخص متربى وآخر «مش متربى»، لكن المناخ العام فرض سياقه وصفاته، فحفيدى- مثلاً- جاء من بلد أوروبى يتعلم فيه و«مكلفش نفسه يسأل عن جدو بالتليفون»؟!! وأعتذر لأبويه إن ذكرت هذا العتاب علناً! فالعتاب بحجم الحب.

٤

■ هل تصلح الشدة منهجاً للتربية هذا الزمان؟ الإجابة: لا!

■ هل الحزم مطلوب درءاً للانفلات؟ الإجابة: مطلوب بذكاء.

■ هل العقاب بالضرب من الحلول؟ الإجابة: بالتأكيد لا.

■ هل الحوار مع أولادنا ضرورى؟ الإجابة: بشرط أن نكسب ثقتهم.

■ هل للتليفزيون تأثير تربوى؟ الإجابة: هذا زمن اليوتيوب!

■ هل لاتزال المدرسة تربى؟ الإجابة: قليلاً!

■ هل «المثل الأعلى» قائم؟ الإجابة: صار شهرة نجوم الكرة وثرواتهم!

■ هل الكتاب يعيد السلوكيات الصحيحة؟ الإجابة: كان زمان.

■ هل انتهى دور الأب؟ الإجابة: تقلص وصار ممولاً..!

٥

لماذا طفرت عيناك بالدمع لأن حفيدك جاء ولم يسأل عنك؟

- ذلك لأنى عشت طفولته أيام كنت أصحبه إلى النادى وقلقت عليه حين سافر وحده وكنت ألاحقه بالتليفونات من قبيل الطمأنينة وأفرح عندما أسمع صوته، وتزورنى السعادة عندما ينجح وأحترم اعتماده على نفسه فى الحياة فى غربة، والدراسة بلغة صعبة والتآلف مع مجتمع له عاداته.

و... ولما اشتد عوده رمانى!.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع