الأقباط متحدون - «الغناء لناصر حباً أم خوفاً أم نفاقا؟»
  • ٠٧:٣٤
  • الاثنين , ٢٣ يوليو ٢٠١٨
English version

«الغناء لناصر حباً أم خوفاً أم نفاقا؟»

مقالات مختارة | طارق الشناوي

٣٩: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٨

طارق الشناوي
طارق الشناوي

المؤكد أن الثورة كانت حلما فى خيال المصريين لإنهاء الاحتلال البريطانى، حيث تجسدت حدود الوطن فى جمال عبدالناصر، إلا أن هذا لا ينفى قطعا أن هناك من غنى لأنه يخشى أن يتهم بالتقاعس، والثورة الوليدة بطبعها لا ترحب بأى موقف حيادى أو حتى عقلانى، ولهذا كان الجميع يشاركون فى الغناء للزعيم واختلطت المشاعر ما بين الحب والخوف والنفاق.

بعد أسابيع قليلة من الثورة قرر اللواء محمد نجيب وكان وقتها هو قائد الضباط الأحرار، ولهذا سارع بإصدار بيان توجه به مباشرة للفنانين احتل الجزء الأكبر منه السينمائيون، كان الهدف هو إملاء مطالب السلطة الجديدة، وكان قد سبق هذا البيان وبعد قيام الثورة بيان أصدره نجيب عنوانه «الفن الذى نريده» جاء فيه «السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه وعلينا أن ندرك ذلك لأنه إذا ما أسىء استخدامها فإننا سنهوى بأنفسنا للحضيض وتدفع بالشباب للهاوية»، ولم يكتف بهذا القدر بل أصدر بعدها تحذيرا آخر جاء فيه أيضا وبشكل أكثر حدة «لا يوجد فيلم إلا وأقحمت فيه راقصة وهذا كان يليق بالعهود البائدة ولكنه لا يليق بمصر الثورة»، وبدأت لقاءات السلطة مع السينمائيين وحرص أغلبهم على مجاملة رجال الثورة بارتداء زى عسكرى، ولم يعترض على رؤية الضباط الأحرار للسينما سوى المخرجين أحمد بدرخان ومحمد كريم وحسن رمزى حيث قال الأخير: «نحن شعب مرح وليس معنى الثورة أن ننتج أفلاما حزينة»، وبالطبع ظل تواجد الراقصات على الشاشة يحتل القسط الأكبر من زمن الفيلم رغم تحذير نجيب.

الظاهرة الملفتة أن عددا من الأفلام والتى كان يتم تصويرها تغيرت أسماؤها لمواكبة الثورة لتصبح مثلا (يسقط الاستعمار) والأخرى رحبت على (الأفيش) و(التترات) بالثورة، حيث يُكتب هذا الفيلم يعلن صُناعه تأييدهم لرجال الجيش، وشهدت بعض الأفلام إقحام أغنية أو مونولوج مؤيد للثورة على الأحداث مثل فيلم (اللص الشريف) يقول مطلعه (20 مليون وزيادة) والمقصود بالرقم عدد سكان مصر، تردد فيه اسم محمد نجيب فى مقطع (الجيش ونجيب/ عملوا ترتيب).

تعددت المواقف بين الثورة والفنانين، وجاءت نقطة فارقة جدا من خلال دعم الثورة الوليدة لإنتاج أفلام يلعب بطولتها النجم الكوميدى الأول فى تلك السنوات إسماعيل يسن، وكانت البداية (إسماعيل يسن فى الجيش) والمقصود هو تقديم دعوة غير مباشرة للشباب لحثهم على الالتحاق بالجيش المصرى، وهكذا تعددت الأسلحة التى يقدم عنها إسماعيل يسن أفلامه مثل (الأسطول) و(الطيران) و(البوليس الحربى) وغيرها، وكان إسماعيل يواكب المتغيرات السياسية، وعند إعلان الوحدة بين مصر وسوريا قدم (إسماعيل يسن فى دمشق)!!

العديد من الأفلام حاولت رصد ثورة يوليو، ولكن كان هناك عدد من المحاذير لا يجوز اختراقها منها شخصية محمد نجيب، حيث تم حذفها تماما من فيلم (الله معنا) عام 1955، وكان هذا هو شرط جمال عبدالناصر للتصريح بالعرض، بعد إزاحة محمد نجيب عن الواجهة وتحديد إقامته.

كان هناك تسابق غنائى لكى يردد الجميع اسم جمال عبدالناصر فى كل مناسبة، البعض أكد أن الرئيس كان يضج من ذلك، بل كما قال لى الإذاعى الكبير جلال معوض إنه فى أحد حفلات (أضواء المدينة)، طلب مباشرة عدم الغناء باسمه، وبالفعل التزم الجميع حتى قرب النهاية، عندما جاء دور الكحلاوى، برغم أنه متخصص فى الغناء الدينى، إلا أنه غنى موالا لعبدالناصر، فلم يستطع معوض السيطرة بعدها على المطربين.

لو كان عبدالناصر يريد إيقاف هذا الفيضان لأصدر أوامره الملزمة للجميع، والدولة وقتها تملك كل وسائل الإعلام، فهو يقينا كان سعيدا أن يستمع لاسمه يتردد بين الناس، فتسابق الجميع، حبا أو خوفا أو نفاقا، وتلك هى الطبيعة البشرية، فلا يمكن أن نصف الجميع بالصدق، ولا يجوز أيضا أن نعتبرهم جميعا منافقين!!
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع