الأقباط متحدون - أشرف العشماوي .. الروائي الدؤوب
  • ٠٣:٥٠
  • الاربعاء , ٢٥ يوليو ٢٠١٨
English version

أشرف العشماوي .. الروائي الدؤوب

٢٣: ١٢ م +02:00 EET

الاربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٨

أشرف العشماوي
أشرف العشماوي
في آواخر عام 2014 وعقب فوز روايته البارمان ، تنبأ له الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور بأنه سيكون من أهم الروائيين العرب خلال خمس سنوات فقط ، وشاركه النبوءة الراحل مكاوي سعيد ورئيس جمعية النقد الأدبي صلاح فضل والروائي العالمي علاء الأسواني وأيضا الكاتب الكبير ابراهيم عبد المجيد ، اليوم وقبل إنتهاء العام الرابع ، تتبلور نبؤة عصفور وغيره من النقاد والكتاب بشكل واضح الملامح ، فالعشماوي نجح خلال السنوات الماضية فى تحويل دفة مشروعه الأدبي نحو النجاح ببراعة ، رغم تيار الهجوم الذي صاحب وصوله لجائزة البوكر العالمية عام 2012 برواية تـــويا ، ثم فوز روايته المرشد بجائزة العمل الأكثر جماهيرية عام 2013 في استفتاء جريدة الدستور القاهرية لقراء الجودريدز أشهر مواقع القراءة العالمية ، وأخيرا جائزة الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة عن رواية البارمان كأفضل عمل روائي عربي وقتها . وهي الجائزة التي تنافس عليها قديما محفوظ ويوسف ادريس وغيرهم كثيرين من فطاحل الأدب العربي .
 
لكن الهجوم انطلق ضد العشماوي بضراوة من منصات مقاهي وسط البلد الثقافية كلما فاز بجائزة أو قفزت مبيعاته لعشرات الآلاف مع كل رواية ، بل إن عصفور نفسه شارك فى هذا الهجوم الغير مبرر من البداية ، قبل ان يغير من الدفة و يصفه بعدها في ندوة عامة بأنه من أحفاد نجيب محفوظ روائيا، كان ذلك باحتفالية نظمتها الدار المصرية اللبنانية باصدار رواية تذكرة وحيدة للقاهرة في نفس يوم ذكرى وفاة محفوظ ، قبلها وصف عصفور روايات العشماوي أنها رائجة ، في إشارة واضحة إلى تجارية الكتابة وخفتها وتوالى الهجوم عليه من بعدها بقسوة وضراوة غير مبررة أبدا ، في تلك الفترة كان أفضل مهاجمي العشماوي يصفونه بأنه أشبه باحسان عبد القدوس ، يقصدون بالطبع كتابة صحفية إخبارية سريعة سلسة تعمل على جذب القارئ كي لا يترك الكتاب .
 
 على الطرف الآخر كان العشماوي الذي تضايق بالطبع ولم يعلن عن ضيقه ، منشغلا بالكتابة ، لم يلتفت للرد أبدًا ، حتى في أغلب حواراته الصحفية أو التلفزيونية كان يسخر من بعيد ممن يهاجمونه ويتسائل باستنكار وسخرية واضحة عما إذا كان الانتصار للحكاية صار عيبا أدبيا هذه الأيام ، وهل يتعين عليه أن يتقعر ويكتب بقصدية ليكون مملا وينصرف عنه القاريء فيضمن النجاح المنتظر ؟
 
بالطبع العشماوي الساخر بطبعه من كل شئ في الحياة أدرك بفهم واضح أن الحكي والسرد المتماسك هو قمة الأدب وأرقى أنواع الروايات ، وكلما كان مشوقا بلغة سلسة قوية لكان أفضل ، وهو أمر يصعب على كثيرين الإتيان به بسهولة ، وهو مكمن القوة التي يعتمد عليها العشماوي في كل رواياته خصوصا الأربعة الأخيرة من اجمالي سبعة طويلة .
 
 وفي تقديري أن التفاته لاستكمال مشروعه بلا دخول في معارك فيسبوكية أو صحفية هو سر نجاحه أو أحد هذه الأسرار، كما انه شخصية حادة الذكاء يتجنب الصدام الاجوف الذي يحدث فرقعة بلا جدوى ولا يسير مع القطيع أبدا ، والمتابع لأعماله سيدرك بوضوح تلك النقلة النوعية الهائلة والقفزة الناجحة التي قام بها العشماوي في رواية البارمان، لتخرج لنا بعدها ثلاث روايات بقلمه غاية فى الابداع ، بداية من كلاب الراعي درة التاريخ القديم ، وتذكرة وحيدة للقاهرة وهي إبداع مذهل عن مأساة النوبة والتهجير بصورة متفردة ، ختاما بسيدة الزمالك التي أمسك فيها بمشرط جراح بارع ، ليقدم لنا المجتمع المصري خلال سبعين عاما بكل مميزاته وعيوبه ، فكانت مرآة تاريخية اجتماعية سياسية اقتصادية مدهشة لمصر التي لا نعرفها .
 
اللافت في تطور العشماوي دأبه الشديد على تطوير الكتابة من حيث اللغة والأسلوب وطريقة بناء كل رواية ، أيضا تشعر بأن وراء كل عمل فريق متكامل للبحث والتحري والتدقيق في كل معلومة تاريخية وتفصيلة صغيرة،وهو ما يجيب عنه العشماوي موضحا أن لديه محرر أدبي قوي ومتميز يقرأ معه نصوصه ويستمع لمشورته ، فضلا عن أصدقاء معدودين يثق في رأيهم للغاية يقرأون مسوداته قبل النشر، ويتولى بنفسه البحث على مدار شهور طويلة قبل كل رواية فى أرشيفات الجرائد ودار المحفوظات القومية والوثائق الرسمية ، هذا الجهد لابد وأن يثمر دوما عن عمل قوي يحترم عقل القارئ ، وهو في ظني ما جعل العشماوي يتبوأ قوائم الأكثر مبيعا منذ عام 2014 وحتى الآن بسهولة .
 
أما ما يوجه له من نقد حاليا عن كثرة كتابته عن العصر الملكي وثورة يوليو والستينيات وأنه مصاب بنوستالجيا لا براء منها ، فلا اعتقد أنه صواب ، فنجيب محفوظ تخصص فى الكتابة عن الحارة ، والغيطاني كتب عن المماليك والقاهرة القديمة ، وخيري شلبي كتب عن المقابر والمهمشين أغلب رواياته ، فلماذا لا يكتب مثلهم فيما هضمه وقرأ عنه الكثير ، الناجحون في رأيي هم من يعرفون نقاط القوة لديهم ويعملون على إبرازها ، أما من يغير ثوبه ويرتدي مقاسا لا يناسبه كل مرة ، فهو شخص حائر متردد لا يثق بموهبته ، فكيف له أن يطلب من القارئ الوثوق بها ؟