الأقباط متحدون - صورة للعدرا وبلكونة وشارة للأهلى.. أحلام المُشردين فى «مدينة الإنسانية»
  • ٠٧:٥٤
  • الاثنين , ٣٠ يوليو ٢٠١٨
English version

صورة للعدرا وبلكونة وشارة للأهلى.. أحلام المُشردين فى «مدينة الإنسانية»

أخبار مصرية | المصري اليوم

٥٤: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٨

النزلاء داخل دار بسمة لإيواء المشردين
النزلاء داخل دار بسمة لإيواء المشردين

لوحة صغيرة، تستقبلك وأنت على أعتاب طريق «الزقازيق» الصحراوى، يكسر لونها الأزرق المساحات الصفراء الشاسعة، ويكسر وقع عنوانها، ما تتحمله النفس يومياً من أعباء، يقف أمامها مجموعة من الشباب، يخططون، يحدثون أنفسهم فى شغف، هنا مساحة كبيرة خضراء، أشجار توت، وحمامات سباحة، وأصوات ضحكات تملأ سكون الصحراء، أو هكذا يحلمون وكتبوا على لوحتهم: هنا «مدينة الإنسانية».

فبعد إعلان إدارة دار «بسمة لإيواء المُشردين»، على صفحتها الشخصية، بموقع التواصل الإجتماعى «فيسبوك»، بإنشاء مدينة الإنسانية، والمقرر وضع حجر الأساس الأسبوع المقبل، فى الزقازيق، وهى أول صرح مجهز فى مصر لإيواء المُشردين من الشوارع، بعد أن نجحت تجربتهم الأولى فى إنشاء الدار، ذهبنا لرصد أحلام وطلبات المُشردين فى مدينة إنسانية.

بوابات الدار عند عبورها، تشعر كأنها خطٌ فاصل بين عالمين، بين ذاك العالم الخارجى، الملىء بالزحام، الضوضاء، الظلم، والخذلان الذى أتى بهم إلى هنا، وبين عالمهم الداخلى القائم على فطرتهم الأولى، بين مقاصد الحياة الدنيا، وزُهد الآخرة، وبعد الدخول تستقبلك أرواحهم الطيبة، وقليلٌ من البهجة، وكثيرٌ من الأسى، أصوات الأغانى، ورائحة الطهى تملأ الأرجاء، بينما الحب كان سيد الموقف بين العاملين والنزيلات.

درجة الحرارة يومها تخطت الـ40، ومع ذلك كانت ترتدى كريمة أو «كوكى»- إحدى النزيلات- (معطف صوف)، وأسفله عدة طبقات من الملابس الشتوية، كانت تقف بالدور الأول، تسير ببطء شديد، ملاصقة للحائط، دون أن يشعر بها الزائر الجديد ولا المقيم، ترتجف يداها بشدة عند السلام على الغرباء، تتحدث بصوت لا يسمعه إلا من يلاصق أذنيه بالقرب من فمها، على هذا الحال «كوكى» منذ أن جاءت إلى الدار- على حد قولهم- بعد أن تخلى عنها أهلها.

«عاوزة تليفون عشان أكلم خالى وأخواتى ياخدونى..عاوزة أروّح، ومش عاوزة أى طلبات تانية»، تقول تلك الجملة فقط، وترددها مراراً طوال اليوم، فلم يكن عند كوكى أى أحلام أو طلبات فى المدينة الجديدة، فمازلت حبيسة من خذلوها، على عكس معظم زميلاتها التى أخذتنا إليهم فى الطابق العلوى، وعندهم كان المشهد عبثيا بعض الشىء، فبين الزغاريد والرقص، والبكاء، والحكايات المأساوية، وأحلامهم البريئة، ورائحة المعطر الممزوجة برائحة الأدوية كان الوضع.

«بطة ونوجة» صديقتان حجرة واحدة، كل منهما تؤنس وحدة الأخرى، منذ مجيئهم للدار، نوجة، امرأة خمسينية، يتيمة الأب والأم، بعد أن انفصلت عن زوجها، ورفضتها باقى عائلتها، لم تجد لها مأوى إلا الشارع، وتبدأ الحديث بعد وصلة من العناق توزعها على كل الجالسين، وتقول: «بقالى سنتين هنا ومرتاحة، لو باكل لقمة بملح وقاعدة هنا هبقى مرتاحة».

فى مدينة الإنسانية أحلام نوجة كانت بسيطة، وملائكية: «عاوزة راديو وشرايط لأم كلثوم، وبراد شاى، أصلى بحبه أوى، وأفضل طول اليوم أسمع الست وأشرب شاى، ويزرعوا نعناع عشان أقطف منه طول النهار». وتكمل: «عاوزة كمان الناس تزورنا هناك كتير». بنفس البساطة اتسمت أحلام شريكتها بطة، والتى ظلت فى الشارع بعد حبس ابنها الكبير، وتخلى أهلها عنها، وتقول بلهفة طفولية: «عاوزة ملاهى هناك وزرع يملى المكان، ومرجيحة، عشان تفكرنى بابنى الصغير كل ما ألعب فيها»، تصمت قليلاً، ثم تذرف عيناها بالدمع، وتبكى نوجة لبكائها، ولم يستطيعا سرد باقى أحلامهما، بينما عواطف تحلم بـ«صليب وصورة للعدرا»، وتقول: «كان عندى سلسلة عليها صورتها وصليب لكن ضاعوا».

فى الحجرة المقابلة، وبابتسامة واسعة، استقبلتنا الحاجة فاطمة، 66 عاماً، أو «بهجة الدار»، كما يقال عنها، قصيرة القامة، هزيلة البنية، قوية الشخصية، تجرّ قدميها بصعوبة أثناء التحرك فى المكان، من هيئتها يبدو عليها أصلها، امرأة أرستقراطية، كانت موظفة فى كلية فنون جميلة، عاشت عمرها كله بالإسكندرية، كان البحر فيه قادراً على التئام جُرحها ولكن بشكل مؤقت، حتى ذهب عملها ومالها.

«لما كنت بزعل كنت بروح للبحر يرجعلى نفسيتى الطبيعية، لإنى بلاقى نفسى فى أى مكان بعيد عن الشعب»، ثم تسرد فاطمة أحلامها التى تتمناها فى مدينة الإنسانية، وتقول: «الرعاية الطبية، وأشجار كتير أقعد تحت ظلها، ويكون فى حمام سباحة بدل البحر».

على بُعد 3 كيلومترات، كان يقع مقر الرجال من المُشردين، وليّنا وجهنا إلى هناك، لنرصد أحلامهم البسيطة هى الأخرى، المكان عبارة عن صالة كبيرة، تنتهى بممر طويل مظلم، يجلس فيه النزلاء فى صمت يشاهدون التلفاز، متراصين جنباً إلى جنب، يهيمون بنظراتهم فى دنيا أخرى، تشعر وكأنهم فى مستشفى ينتظرون أدوارهم التى لن تأتى، فالوضع لم يختلف كثيراً، فإذا كانت ظهرت على وجوه السيدات الهزائم والخيبات التى مروا بها، أيضاً عند الذكور كان القهر، وقلة الحيلة سيد الموقف.

«مُنى عينى أشوف الأهلى بيلعب»، قالها عم سند بجدية، رجل ستينى، يرتدى ملابس رياضية، وفى يده أسورة للنادى الأهلى، فمنذ جلوسه لم يرغب فى الحديث فى شىء إلا عن الأهلى، ويقول: «المدينة الجديدة نفسى يبقى فيها علم وتيشيرت للأهلى فى أوضتى، وملعب كرة ونعمل فريق للدار يلاعب لاعيبة الأهلى.. ويا سلام لو أشوف الخطيب حبيبى».

فى خلفية المشهد، بينما يكمل سند حديثه، يقاطعه صوت سماوى عذب، يضيف للمكان قدسية وخشوعا، وهو صوت عبدالعزيز، الذى يجلس فى ركن وحيداً طوال اليوم على كرسى متحرك، يرتل القرآن مقلداً أصوات الشيوخ، ويقول: «نفسى يبقى معايا شرايط أسمع فيها الشيخ جبريل والسديسى، وأفضل أقرأ سورة مريم للناس طول اليوم.. عشان فيها سلام وحب».

«بلكونة»، كان حلم ناصر البسيط، شاب ثلاثينى، طويل القامة، مملوء الجسد، والذى أكمل شهره السادس فى الدار، ويقول: «بخاف جداً من الشارع عشان كان العيال بيضربونى دايماً فيه، فمش عاوز أنزل تانى، ولكن عاوز بلكونة أقعد فيها أشوف منها الشارع».

وفى نهاية الحديث معهم عن أحلامهم، تكمل رنا الغبارى، المدير التنفيذى للدار عنهم: «هدفنا نحقق لهم فى مدينة الإنسانية كل أحلامهم، ونستقبل حالات أكثر لأن عندنا 2000 بلاغ مش عارفين نستقبلهم، وبنتمنى الناس تتبرع، وتيجى تزورهم، لأن الدعم النفسى أهم شىء بالنسبة لهم».

الكلمات المتعلقة
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.