الأقباط متحدون - هل أديت صلاة الخسوف؟
  • ٠٠:٤٢
  • الاثنين , ٣٠ يوليو ٢٠١٨
English version

هل أديت صلاة الخسوف؟

مقالات مختارة | أمينة خيري

٢٨: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٨

أمينة خيري
أمينة خيري

كلما حدثت ظاهرة فلكية فريدة أو وقعت حادثة طبيعية غريبة أو طرأت تغيرات مناخية رهيبة نلجأ سريعًا للبحث فى كتب التراث والتنقيب فى مراجع القدماء حول نوع الصلوات التى تقام فى مثل هذه الأحوال.

وفى حالة «القمر الدامى» الذى أدمى عيون المتابعين إعجابًا، لجأ كثيرون إلى البحث عن «صلاة الخسوف»، وأمضوا الليل يصلون ويدعون ويتضرعون إلى الله سبحانه وتعالى، وكلما فرغ أحدهم من صلاة الخسوف هرع إلى «فيسبوك» و«تويتر» يدعو أصدقاءه إلى صلاة الخسوف. وذهب البعض أبعد فى طريق «الإيمان» و«التدين» فحذر أصدقاءه وأنذر أقاربه من عدم تأدية «صلاة الخسوف» مستشهدًا بما قاله «علماء دين» فى هذا الشأن. ومن أكثر ما قيل إن الغرض من الخسوف أو الكسوف أن يخيف الله بهما العباد من عقوبة انعقدت أسبابها، وإنها وسيلة ليتضرع بها الناس إلى ربهم حتى لا تقع بهم هذه العقوبة التى أنذر الله الناس بها بواسطة كسوف الشمس أو خسوف القمر.

وقد أمعنت صحفنا ومواقعنا الخبرية فى نشر وتحميل طريقة أداء صلاة الخسوف، وهو ما أعيد نشره ومشاركته وتحميله حتى تعم الفائدة على الجميع ويحظى أكبر عدد ممكن بثواب صلاة الخسوف.

فى تلك الأثناء، وفى مواقع أخرى على الكوكب، وبقع قليلة من المحروسة، كان آخرون حريصين على متابعة الظاهرة وتسجيل لحظاتها النادرة باعتبارها مشهدًا علميًا إضافة لكونه صورة رومانسية حالمة جميلة. الغريب أن هؤلاء لم تعترهم مشاعر الذعر المشار إليها سابقًا ولم تتملكهم هواجس أن تغضب عليهم السماء أو ينتقم منهم الله سبحانه وتعالى. بل العكس هو الصحيح.

كثيرون ممن انشغلوا بالخسوف بكونه ظاهرة فلكية حمدوا الله على هذا المشهد الرائع دون تحميل الظاهرة ما لا تحتمله من تهديد ووعيد. وهناك من وجد فى الظاهرة فرصة ذهبية لإثراء العقل وتعميق المعرفة. فبحث عن التفسيرات العلمية للظاهرة، ووجد نفسه يتنقل من تفسير لعلمى موثق لـ«القمر الدامى»، لآخر مصور عن «القمر الأزرق العملاق»، ومنه إلى شروحات عن الخسوف الكلى والجزئى وشبه الظل، وهلم جرا.

وجرى العرف أن نستمسك بمقولة خالدة ألا وهى أن «خير الأمور الوسط». كما نشأنا على مقولة أخرى تشير إلى أنه «ساعة لقلبك وساعة لربك». بمعنى آخر، لا يكون الإنسان سويًا إن أفرط فى توجه ما مهما كان هذا التوجه نورانيًا وروحانيًا. وقبل أن تصوب سهام الهسهس وتتدلى عناقيد الغضب، أقول إنه بينما كان هناك أشخاص على هذا الكوكب يبحثون فى الخسوف الدامى، ويسألون عن أصله وفصله، وينقبون عن أثره وشكله، كان هناك آخرون غارقون فى تهديد من فاتته صلاة الخسوف ووعيد من شغل نفسه بالمريخ. وقرأت بنفسى سجالات عنكبوتية تجرأ فيها البعض من المتشوقين لقليل من العلم ردًا على تدوينات وتغريدات تحث الجميع للصلاة وعد إهدار الوقت فيما لا ينفع. ووصل الأمر لدرجة تداول عبارة استفسارية غرضها الحث ألا وهى «هل أديت صلاة الخسوف؟!»

أحد «المطوعين» المصريين أمعن وأسرف وأفرط فى ملء صفحته الفيسبوكية دعوات لا تخلو من تهديدات لجميع الأصدقاء بالقيام فورًا لأداء صلاة الخسوف. أحد أصدقائه تجرأ ونصحه بألا يفوت هذه الفرصة، وبعد أن ينهى صلاته يتابع الخسوف، لا سيما وأن كوكب المريخ سيكون مقابلاً للقمر بعد غروب الشمس، وإنها فرصة ذهبية نادرة لرؤية المريخ كجرم برتقالى لامع، مع الإشارة إلى الكشف العلمى المثير والمهم قبل أيام والذى يشير إلى وجود بحيرة جوفية شاسعة من المياه السائلة عليه. فما كان من «المطوع» إلا أن نصحه بالهداية وأكد له أنه فى يوم الحساب لن ينفعه مريخ أو بطيخ أو حتى فسيخ.

هذا الوضع الذى نعيشه والذى يبدو تمامًا أنه مريح ووثير لنا يجعل العالم من حولنا يسير فى طريق التحليل والتعلم والتعليم، بينما نحن نسير فى اتجاه فصل العلم عن الدين، والتعلم عن التدين، ففاتنا الكثير، والقادم أعتى.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع