عظة للأنبا أبيفانيوس يروي فيها الميراث الروحي والإنساني للأب متى المسكين وكيف تتلمذ على يديه
أماني موسى
الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٨
كتبت – أماني موسى
عقب إعلان وفاته المفاجئة التي شابها الغموض، ساد الحزن بين قطاع كبير من الأقباط على رحيل الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير أبو مقار بصحراء وادي النطرون، الأب والمعلم واللاهوتي وتلميذ الأب متى المسكين.. نورد بسطورنا المقبلة بعضًا من عظته تحت عنوان "الميراث الإنساني والروحي للأب متى المسكين".
ألقى مثلث الرحمات الأنبا أبيفانيوس عظته خارج مصر، في الذكرى العاشرة لرحيل الأب متى المسكين، قائلاً: الذي تتلمذنا على يديه وتعلمنا منه الكثير ومازلنا كل يوم نتعلم من كتاباته وسيرته التي تركها لنا زخرًا للكنيسة الجامعة، والذي رحل في عام 2006 وكان الأب الروحي لدير القديس أبو مقار في صحراء وادي النطرون الغربية بمصر، تاركًا ميراثًا روحيًا وإنسانيًا لازالنا نغترف منه حتى الآن ولا ندعي أننا قد استطعنا أن نستوعبه كله أو حتى ندرك أبعاده.
الأب متى المسكين والانفتاح على الكنيسة الجامعة
وأضاف، أشعر أن لكتاباته أكبر الأثر فيّ، الأب متى المسكين والانفتاح على الكنيسة الجامعة، قائلاً: من العصب على غير الدارسين لتاريخ الكنيسة القبطية في العصر الحديث أن يدركوا مدى الأثر الذي تركه الأب متى المسكين في نظرة الأقباط للكنائس الأخرى أو مدى تأثير الأب متى المسكين على الحياة الرهبانية وعلى حقل الدراسات الإنجيلية والآبائية في مصر، ففي النصف الأول من القرن العشرين بدأت في مصر حركة مدارس الأحد التي كان يقودها الأرشيدياكون حبيب جرجس، وكان كل ميراث هذه الحركة يتمثل في كتابات جدلية وكتابية واردة من الكنائس الأخرى، ولم يكن هناك أية دراسات أبائسة معروفة أو تفاسير الكتاب المقدس في يد القارئ القبطي باللغة العربية، سوى بعض الكتب المترجمة عن كتاب من الكنائس البروتستانتية وكانت أهم هذه الكتابات وأكثرها شيوعًا تفاسير ماثيو هنري، وعلى هذه الكتابات تتلمذ معظم قادة الكنيسة في هذا الوقت، وفي حقل الدراسات اللاهوتية، لم تكن الكنيسة تعرف سوى كتاب علم اللاهوت، تأليف القمص ميخائيل مينا ناظر مدرسة الرهبان في هذا الوقت، والذي كتبه في عام 1938، وكان يتبع اللاهوت الغربي، المعروف باسم اللاهوت النظامي.
وبين عامي 1951 و 1953، صدر للأب متى المسكين كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية وهو أول كتاب يصدر له بعد تكريس حياته للرهبنة بثلاث سنوات، وكان لهذا الكتاب صدى واسع عند الناطقين باللغة العربية داخل مثر وخارجها، حتى أن جناب المطران جورج خضر، بجبل لبنان للروم الأرثوذكس، قال بأنه أول كتاب في العصر الحديث لكاتب قبطي يتتلمذ عليه رهبان الروم، إذ لم يكن هذا الكتاب مجرد بحث في أصول الروحانية الأرثوذكسية، بل كان نافذة أطل منها الأقباط على ماضي حياتهم الروحية والرهبانية والآبائية، وكان له تأثير بالغ في حياة الأقباط الذي صار منهم قادة للكنيسة بعد ذلك، وتم ترجمته للإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأوكرانية.
ومن أهم ما تضمنه هذا الكتاب هو ذكر أقوال لقديسي الكنيسة غير الأقباط، أي من الكنيسة الجامعة مثل القديس غريغورس الكبير والقديس يوحنا الدمشقي، مما فتح للأقباط نافذة جديدة على الكنائس الشقيقة الأخرى، والتي كنا ننظر إليها لسنوات طويلة على أنها كنائس معادية لنا، فإذا بنا نقرأ سير قديسيها وأقوالهم ونتمثل بحياتهم، وكان هذا إيذانًا بقبولنا الآخر، الذي لم تستطع المجامع المسكونية حتى الآن أن تحققه.
ولقد أدرك الأب متى المسكين وقتها أهمية هذا الكتاب، فكتب في عام 1968 في مقدمة الطبعة الثانية منه تعليقًا على كلمة المطران جورج خضر، قال فيها: "أن الله اختار هذا الكتاب ليكون فيه كلمة مصالحة ونقطة تقابل لا على صعيد الحوار الفكري أو الجدل اللاهوتي بل على مستوى وحدة الحياة الروحية وتجليات الإيمان الذي يتجاوز العجز اللفظي إلى نور الحق الإلهي المعاش".
الكنيسة الجامعة ووحدانية جسد المسيح
وتابع مثلث الرحمات في عظته قائلاً: كان لمثل هذه الكتابات والأقوال أثر فعال في حياة الأقباط تجاه الكنيسة الجامعة، مع الإحساس العميق بوحدانية جسد المسيح.
وأضاف، لعل تواجدنا الآن في دير كنيسة شقيقة لهو إحدى ثمار مثل هذه الكتابات، وأيضًا التواجد المستمر لرهبان وراهبات من الكنائس المختلفة للأديرة القبطية على مدار العام، لهو ثمرة أيضًا لروح الحب والتفاهم التي غرستها فينا كتابات الأب متى المسكين.
وروىَ الأسقف الراحل موقف حدث معه أثناء زيارته الأولى لإيطاليا خلال حضوره المؤتمر الدولي للدراسات القبطية، الذي انعقد عام 2012، حيث أنه أثناء زيارته لكاتدرائية ميلانو وتقابله مع الآباء المسؤولين عن هذه الكاتدرائية، وبمجرد أن عرفوا أنه والوفد المرافق من مصر، كان أول سؤال طرحونه: هل تعرفون الأب متى المسكين؟ فأشار الأب الأسقف المسؤول عن الوفد المصري نحوي وقال "هذا ابنه"، فأقبل عليَّ الآباء يقبلونني ويرحبون بي بحرارة، وعندما استفسرنا منهم عن سبب هذه المحبة الغامرة له، قال لهم الآباء: نحن من تلاميذ الأب متى المسكين وفي ديرنا هنا نقرأ كتاباته كل يوم.
وقد قام أحد أديرة إيطاليا بترجمة العديد من الكتب للراحل الأب متى المسكين.
الأب متى المسكين والتجديد الرهباني
قال الراحل الأنبا أبيفانيوس، انه حين ترهب الأب متى المسكين كانت حالة الأديرة يرثى لها، كما لم يكن هناك الكثيرين من أصحاب الشهادات العالية، ووضع في قلبه منذ أول يوم في رهبنته وضع في لقبه أن يحيا حياة رهبانية تقوم على مبادئ الإنجيل وآباء الرهبنة مثل الأنبا أنطونيوس والأنبا مقار والأنبا باخوميوس. كما قدم فاض عمله لخدمة المحتاجين.
الأب متى المسكين والتعليم الكنسي
أحدثت كتاب الأب متى المسكين تغييرًا ملحوظًا في مجال التعليم في الكنيسة القبطية، والسبب الحقيقي في هذا التغيير أن الأب متى المسكين لم يتتلمذ على التعليم اللاهوتي القبطي المعاصر المنتشر في هذا الوقت، وحصل على مجموعة كاملة مترجمة لأقوال الآباء إلى اللغة الإنجليزية، وقرأها بنهم، فانطبع فكر الآباء على تفكيره.
ولأول مرة في الكنيسة القبطية في العصر الحديث كتابات عن الروح القدس وتأثيره فينا.