الأقباط متحدون - الذكرى الـ 66 لحركة ضباط 23 يوليو
  • ١٢:٤٤
  • الاربعاء , ١ اغسطس ٢٠١٨
English version

الذكرى الـ 66 لحركة ضباط 23 يوليو

فاروق عطية

مساحة رأي

٢٢: ٠٩ ص +02:00 EET

الاربعاء ١ اغسطس ٢٠١٨

 ثورة البشموريين - تعبيرية
ثورة البشموريين - تعبيرية

 فاروق عطية

كنت قد أعلنت في المقال السابق أن مقالي الحالي سيكون عن ثورة البشموريين، ولكن نظرا لمرور الذكري الـ 66 لحركة 23 يوليو المؤسفة رأيت أنه من البديهي أن أسقط بقعة من الضوء علي ما حدث في ذلك اليوم وتبعاته التي نعيشها حتي الآن، فاستميحكم عذرا قرائي الأعزاء. لأن الأوهام التي علقت بتلك الحركة أوهام كثيرة صنعتها أجهزة الإعلام الناصرية.
 
عادة ما تسبق الثورات الحقيقية نظريات ثورية تعبّر عن مصالح الطبقة التي تقود هذه الثورة، كما هو الحال في الثورة الفرنسية التي قامت بها الطبقة البورجوازية (الرأسمالية) الفرنسية، أو الثورة الروسية التي قامت بها الطبقة البروليتارية (العمالية)، أو ثورة 1919 التي قام بها مثقفي مصر طلبا للاستقلال وتفويض سعد زغلول وأصحابه (حزب الوفد المصري) للتفاوض. أما ما حدث في 23 يوليو  1952 فلم يكن إلا  انقلابا عسكريا قام به مجموعة من الضباط بهدف اسقاط الملك فاروق من عرشه فقط، وتولية ابنه الطفل أحمد فؤاد خلفا له، والإبقاء علي القوي السياسية والاجتماعية التي كانت موجودة في النظام السابق للحركة التي عرفت في البداية باسم "الحركة المباركة" ثم أطلق عليها ثورة 23 يوليو عقب حل الأحزاب السياسية واسقاط دستور 1923 في يناير 1953. ولم يكن للحركة شعار ففبركوا لها شعارا هلاميا كوميديا نُظمت له الأغاني "الاتحاد والنظام والعمل". 
 
الإعلام الناصري كان يردد دائما أن تاريخ مصر الحقيقي يبدأ بثورة 23 يوليو وأن أول زعيم حقيقي لمصر وأول رئيس جمهورية لها هو عبد الناصر وأن قادة الثورة هم مفكروا العصر وهم من صاغوا النظرية الثورية. ولكن الحقيقة أن حركة الضباط حين بدأت لم يكن لها أي فكر ثوري أو  أجندة مستقبلية ولم تكن تنوي الاستمرار في الحكم، فقط كانت تستهدف خلع الملك فاروق بحجة أنه ملك فاسد وأنه العقبة الرئيسية ضد التطبيق الفعلي للدستور، وبالتالي لم يكن لدي أي من قادتها نظرية أو حتي مجرد رؤية ثورية. وقد صرح بذلك عبد الناصر نفسه حين قال في خطابه يوم 25 نوفمبر  1961: "في يوم 23 يوليو 1952 لم يكن بخاطرنا بأي حال من الأحوال أن نستولي علي الحكم، ولكن كنا نعبر عن أمل الشعب المصري في القضاء علي الملكية الفاسدة والقضاء علي حكم أعوان الاستعمار".
 
يوم التنفيذ  لاقتحام مقر  قيادة الجيش في كوبري القبةكان عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بالملابس المدنية في شارع جانبي مختبآن خوفا من فشل عملية الاقتحام، وعندما أيقنا من نجاح المهمة بادرا بالدخول. كان عبد الناصر يخشى الظهور منذ البداية بحجة أن له أطفال صغار فى حاجة للرعاية سوف يقاسون عند الفشل. وتوجه السادات إلى السينما ليلة 23 يوليو وافتعل معركة مع أحد رواد السينما وأصر على عمل محضر فى قسم البوليس ليكون دليل ابتعاده عند الفشل، والذي اقتحم مقر قيادة  الجيش في كوبري القبة يوم الأربعاء 23 يوليو 1932 هو الضابط يوسف صديق، أما نجيب الذي تنكر الكل له ولم يذكره أحد كأول رئيس فقد كان شجاعا لم يرهبه الموقف وكان مستعدا لتحمل كل العواقب بمفرده، وكان جزاء من اقتحم ومن عرّض نفسه للتهلكة كلاهما نال جزاء سنمار، وتمتع بكل المزايا من جبن.
 
الملك فاروق المفتري عليه كان محبا لوطنه مصر أكثر مما أحبها من انقلبوا عليه، ما حدث من جلالته حين طُلب منه التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، أنه كتب في وثيقة التنازل "نتطلب الخير دائما لأمتنا، ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنيب البلاد المصاعب التى تواجهها فى هذه الظروف الدقيقة، ونزولا على إرادة الشعب قررنا النزول عن العرش لولدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بذلك إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه"، كان بإمكانه الاستعانة بالقاعدة البريطانية بالقنال لإفشال الحركة لكنه آثر الحفاظ علي سلامة جيشه، كما كتب في مذكراته عن يوم 26 يوليو 1952 "إن نقطة دم مصريه أثمن عندي من كل عروش الدنيا، والرحيل فورا أهون على قلبي من سفك دماء مصريه حفاظا على منصبي". وفي ذلك اليوم غادر الملك فاروق مصر مستقلا اليخت الملكى المحروسة متجها إلى منفاه.
 
يقول محمد نجيب عن الحركة في كتابه كنت رئيسا لمصر: "كان للثورة أعداء، وكنا نحن أشدهم خطورة. كان كل ضابط من ضباط الثورة يريد أن يملك، يملك مثل الملك ويحكم مثل رئيس الحكومة، لذلك فهم كانوا يسمون الوزراء بالسعاة أو بالطراطير أو بالمحضرين. وكان زملاؤهم الضباط يقولون عنهم: طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشر ملكا آخر. هذا حدث بعد أيام قليلة من الثورة، منذ أكثر من 30 سنة، وأنا اليوم أشعر أن الثورة تحولت بتصرفاتهم إلى عورة، وأشعر أن من كنت أنظر إليهم على أنهم أولادى، أصبحوا بعد ذلك مثل زبانية جهنم، ومن كنت أتصورهم ثوارا أصبحوا أشرارا. لقد خرج الجيش من الثكنات، وانتشر فى كل المصالح والوزارات المدنية، فوقعت الكارثة التى لا نزال نعانى منها إلى الآن فى مصر. لقد سرق بعض الضباط الأحرار علنا فلوس معونة الشتاء، وسرقوا هدايا وبضائع قطارات الرحمة، وسرقوا تحف ومجوهرات القصور الملكية وباعوها، وسرقوا فلوس التبرعات الخاصة بالشؤون الاجتماعية. حاولت فعل المستحيل لأن أعيد الضباط الى ثكناتهم، وأصدرت قرارات مشددة بذلك وتكلمت مع الظباط أثناء زيارتى لهم فى الوحداث وأفهمتهم خطورة تدخلهم فى الحياة المدنية لكن كل ذلك لم يأتي بنتيجة".
 
لم يكن للحركة نظرية اجتماعية ثورية وتسبب ذلك في كثير من الكوارث والأخطاء الفادحة، فقد قامت الحركة بالتجريب في كل مجال من مجالات الحياة المصرية، والمؤسف أن التجريب لم يقم به أهل الخبرة إنما أوكل لأهل الثقة، حيث لم يكن للضباط أي كوادر قيادية مؤهلة لخوض التجربة الثورية تأهيلا نظريا يمكنها من فهم ما تقوم به وما تعمل علي تنفيذه.  أيضا كان هؤلاء الضباط كونهم منتمين للطبقة الوسطى، كانوا يتطلعون إلي اللحاق بالطبقة الأرستقراطية والانخراط فيها ماديا واجتماعيا مما دفع بهم لانحرافات خطيرة. ومثال لذلك ما عمد إليه صلاح سالم في الأيام الأولي للحركة ، من إقامة علاقات خاصة مع الأميرة فايزة أخت الملك فاروق وكان يفاخر بذلك بين أصدقائه المقرّبين، وقدم لها مقابل ذلك تسهيلات مكنتها من تهريب مجوهراتها خارج مصر، وبعد انفضاح تلك العلاقة اضطر عبد الناصر لإصدار أمر  عاجل بترحيل الأميرة فايزة خارج البلاد.
 
بدأ دخول الضباط في المناصب المدنية بتعيين رشاد مهنّا وزيرا للمواصلات ثم وصيا علي العرش، وتبع ذلك تعيين 18 من اللواءات وكبار الضباط، ثم تكليف أعضاء قيادة الثورة بمباشرة الإشراف علي الوزارات، فصار لكل وزارة مندوب للقيادة، وتدريجيا اتسع تسريب رجال الجيش إلي العمل التنفيذي بأشكاله المختلفة، وصار كل وزير محاطا بمجموعة من الضباط، ومن ثم تكونت شلل تحيط بكل عضو من أعضاء مجلس القيادة. وارتباط هذا العضو بمن يحيطون به جعله يتجاهل لما يصدر عنهم من أخطاء ويبرر تصرفاتهم، وتفاقمت هذه الظاهرة بعد تشكيل هيئة التحرير.
 
وقد روى محمد نجيب في مذكّراته نموذجا لاستغلال الضباط لمراكزهم، ذكر أن فريد أنطون وزير التموين قدّم استقالته لأن ضابطا كان يتوجه يوميا لأحد الأسواق بدعوى حماية الجمهور من من التجّار، كما قدّم الدكتور عبد الجليل العمري وزير المالية استقالته لتدخّل جمال سالم في شؤون بورصة القطن فيما يختصّ بأسعارها.
 
أسندت القيادة تنفيذ  أخطر التغييرات الاقتصادية والاجتماعية إلي أهل الثقة علي حساب الخبرة الضرورية المطلوبة. لقد بدأ الإصلاح الزراعي بداية طيبة علي يد جمال سالم وسيد مرعي، لكن الخلافات داخل مجلس قيادة الثورة قذفت بجمال سالم خارج المشروع وتحول الإصلاح الزراعي إلي وزارة تحكمها البيروقراطية ويتحكم فيها الروتين، وبعد أن كان عدد الموظفين بالمشروع لا يتجاوز ألفي موظف، تضخّم هذا العدد وتضاعف ولم يعد هناك ضابط ولا رابط للعمل والانتاج كما هو حادث في معظم مرافق مصر ومؤسساتها !. 
 
ومن أسوأ أخطاء قيادات المجلس اعتبارها أن السفارات والمفوضيات عزبة خاصة تعين فيها الضباط المرضّي عنهم مكافأة لهم، وفي بعض الأحيان اعتبرت بعض السفارات والمفوضيات منفي كسيبريا لنفي الضباط الغير مرغوب فيهم والتخلص منهم، فانقلبت الكثير من السفارات إلي مراكز لاستغلال النفوذ والأعمال التجارية بل للتهريب والسرقات.     
    
 وقال نجيب في مذكراته حين قال له السادات أنت حر طليق: "لم أصدق نفسي هل أستطيع ان اخرج وادخل بلا حراسة، هل استطيع ان اتكلم في التليفون بلا تنصت هل استطيع ان استقبل الناس بلا رقيب لم اصدق ذلك بسهولة، فالسجين في حاجة لبعض الوقت ليتعود على سجنه، وفي حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته، وانا لم اكن سجينا عاديا كنت سجينا يحصون انفاسه، ويتنصتون على كلماته ويزرعون الميكرفونات والعدسات في حجرة معيشته، وكنت اخشى ان اقترب من أحد حتى لا يختفي، واتحاشى زيارة الاهل والاصدقاء حتى لا يتعكر صفو حياتهم، وابتعد عن الأماكن العامة حتى لا يلتف الناس حولي، فيذهبون وراء الشمس، ولكن بعد فترة وبالتدريج عدت إلى حريتي وعدت إلى الناس وعدت إلى الحياة العامة. وياليتني ما عدت، فالناس جميعا كان في حلقها مرارة من الهزيمة والاحتلال، وحديثهم كله شكوى وألم ويأس من طرد المحتل الإسرائيلي، وبجانب هذه الاحاسيس كانت هناك أنات ضحايا الثورة الذين خرجوا من السجون والمعتقلات ضحايا القهر والتلفيق والتعذيب، وحتى الذين لم يدخلوا السجون ولم يجربوا المعتقلات، ولم يذوقوا التعذيب والهوان كانوا يشعرون بالخوف، ويتحسبون الخطى والكلمات وعرفت ساعتها كم كانت جريمة الثورة في حق الإنسان المصري بشعة، وعرفت ساعتها اي مستنقع القينا فيه الشعب المصري، الذي فقد حريته، فقد كرامته، فقد ارضه، وتضاعفت متاعبه، المجاري طفحت، المياة شحت، الأزمات اشتعلت، الأخلاق انعدمت، والإنسان ضاع".
 
لقد لخّص نجيب بكل بلاغة حال المصريين بعد حركة الضباط الأشرار وما يعانون ولا يستطيعون الجأر بالشكوي ولضيق الوقت والمساحة المتاحة أكتفي بهذا وفي مناسبات قادمة إن كان في العمر بقية سوف أسرد بإذن الله المزيد من الخطايا التي وصلت لمستوي الجرائم في حق الوطن والمواطنين من جرّاء هذه الحركة الغير مباركة.
         
 
الكلمات المتعلقة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع