بقلم دكتور رؤوف هندي
رحب الكثيرون بفكرة مشروع قانون حذف خانة الديانة من الاوراق الرسمية للجهات الحكومية بالدولة باعتباره قانون ينتصر لقيم ومفاهيم المواطنة الحقيقية ويصب فى مصلحة الدولة المدنية وخطوة هامة فى بنائها، ولكن هناك جانب من المشكلة لا نستطيع إغفاله.. فأسماؤنا تدل على هويتنا الدينية.. إذ ما معنى أن تلغى خانة الديانة لـ أحمد مثلا أو مرقص، فأسماؤهم خير دليل على ديانتهم..
كنا فى وقت سابق عندما نختار الأسماء نختارها حسب هوايتنا أو حسب ما نحب من أسماء فنانين، فمثلا من كان اسمه شوقى كان يطلق على ابنه اسم فريد لحبه فى وحش الشاشة فريد شوقى أو علماء أو حتى رؤساء.. أو كانت تعبر عن هوايات الآباء أو كانوا يسمون أسماء مركبة مثل مى زيادة أو غيرها من الأسماء. ولكن مع بداية الثمانينات بدأت الأمور تتغير وأصبحنا نميز أولادنا بالأسماء، فظهرت بشدة أسماء ... مينا . جرجس . شنودة . كيرلس .. مارينا .. سوسنة .. وغيرها من الأسماء التى تدل على الهوية المسيحية وعلى الجانب الآخر ظهرت فاطمة.. خديجة .. عائشة .. محمد .. أحمد .. وهكذا حتى استطعنا من مجرد السؤال على الاسم أن نعرف إذا كان مسلماً أم مسيحياً .. طبعا أنا لا أنكر على أحد حريته الكاملة بإطلاق الأسماء التى يريدها على أبنائه، ولكن كيف تطلبون عدم التمييز وأنتم قد ميزتم أنفسكم بأسمائكم؟.
ومع أن الغاء خانة الديانة مطلب مشروع، إلا أنه في رأيي لن يجدى نفعاً .. إذن المشكلة ليست فى إلغاء خانة الديانة أو إبقائها ولكن المشكلة فى من يميز أو يتعامل على أساس التمييز فمن يميز اسمى غدا، سيميز عملى كما يميزون ما بين المحجبة وغير المحجبة..
من الجائز أن الرجوع إلى الأسماء التى لا تميز أحدا، هو جزء من الحل ولكن الحل الأكبر هو قبول الآخر، كما هو دون تمييز لونه أو جنسه أو عرقه او دينه او معتقده . وفي الحقيقة هناك نقاط عديدة في غاية الاهمية والخطورة ويجب ان تكون تحت نظرنا وقبل ان نقرر لأن تجاهلها قد يفـرّغ القانون من هدفه ومضمونه بل قد تؤدي لمشاكل مجتمعية أكثر مما متواجد حاليا ففكرة حـذف خانة الديانة من بطاقات الرقم القـومي ليست بجديدة بل أُثيرت منذ مايقرب من عامين والـفكرة في حد ذاتها رائعة بل هي إجدى الإجراءات لتفعيل المفهوم العام للمواطـنة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين والجنس أواللون أوالعقيدة وحين ترتقي الفكرة لقانون من المفروض أن يسري على كل المواطنين فهنا يجب أخذ الحيطة والحذرمن بعض العبارات والكلمات التي قد شملها مشروع نص القانون والتي قد تفـرّغه تماما من مضمونه بل وقد تـنسف المضمون ذاته !
فمنذ عامين تقريبا كانت هناك مسودة مشروع قانون لحذف خانة الديانة من الأوراق الرسمية للدولة وبطاقات الرقم القومي واستبشرالمواطنون خيرا ولا سيما الأقليات المصرية التي تعاني قهرا بسبب دينها أومعتقدها ولكن كان هناك في مسودة مشروع ذلك القانون عبارة في غايةالخطورة نصها كالاتي (منعا للتميز بين المواطنين تحذف خانة الديانة من كافة الأوراق الرسمية وبطاقات الرقم القومي على ان يقـوم المواطـن بإحضار شهادة هوية دينية حين تطلب منه بعض جهات ومؤسسات الدولة ذلك لترتـيب مركـز قانوني كالميراث والزواج وغيرها وتحدد اللوائح ذلك) فالمواطن المسلم بإمكانه إحضار شهادة هوية دينية من مؤسسة الازهر والمواطن المسيحي بإمكانه إحضار تلك الشهادة من الكنـيسة ولكن ماذا عـن بقـية الأقـليات المصرية كالشيعة واليهود والبهائيين وكل هؤلاء مواطنين مصريين ليس لهم مؤسسات رسمية في مصر تعترف بها الدولة فمن أين سياتي هؤلاء المواطنون بشهادات هويتهم الدينية ؟! وهناك أيضا نقطة اخرى في غاية الخطورة قد تضع كل المواطنين المصريين تحت رحمة المؤسسات الدينية فأي مؤسسة دينية في حال عدم رضاها عن مواطن ما لسبب ما وسواء أكان مسلماأ ومسيحيا فسوف يواجه صعوبات عديدة وصعبةفي الحصول على شهادة هويته الدينية وهنا تكريس وتفعيل خطير لدولة دينية بمفهومها الثيوقـراطي البحت ولا عـزاء للدولة المدنية التي دوما ينادي بها فـخامة الرئيس..
أنا مع مضمون الفكرة بشرط صياغتها قانونيا في المطلق وليس مشروطا بعبارات تبيح للوائح عـقيمة بالية عـفا عليها الزمن وتخطاها أن تنسف القانون من جذوره بل والاخطر ان تلك اللوائح بغمكانها وعن عمد إضافة أعباء وقهر مقنن على الأقليات المصرية وربما ايضا على الأغلبية الغير مرضي عنها !
باختصار إن تفعـيل المواطـنة بمفهومها الواسع الشامل يحتاج إلى جُـملة من الإجراءات الدستورية والقانونية وتحتاج إلى إرادة سياسية حقيـقية لتقعيل دولة مدنية حقيـقية معيار التقييم فيها للمواطن هو القانون والعلم. وفي رأيي ان الأهم من حذف خانة الديانة هو تغيير العقل الجمعي للمصريين من أجل خلق مجتمع متسامح لديه القدرة على التعايش وقبول الاخر في ظل التعدد والتنوع الفكري والثقافي والديني في إطار إحترام الجميع لبعضهم البعض ومن هنا فـتطـويـر المناهج التعليمـية والدور الفعال لـقصور الثقافة وإحياء قيمة القوى الناعمة المصرية كلها عوامل فاعلة وهامة ومؤثرة في تغـيير ثقافة المجتمع وجعله مجتمعا قادراعلى التعايش في ظل تنوع وتعـدد الأسرة المحلية ومن ثم الأسـرة الإنسانية.
وأخيرا أقول الهوية المصرية هي الهـوية الوطـنية وليست الهوية الدينية..هوية تاريح وحضارة عريقة إمتدت عبر آلاف السنين ونشأت على ضفتي النهر الخالد ..ومصرية كل واحد فينا تسبق ديانته وهذا ليس إقلالا من شان الدين ولكن لكوننا جميعا ومن خلال اجدادنا المصريين في الأصل قبل ان نكون أصحاب ديانات وهذه هي الهوية المصرية الحقيقية التي كان يجب أن يتضمنها االدستور. إحذفـوا خانة الديانة واكتبوا بدلا منها الديانة مواطن مصري.
أنا مع قانون حذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية والاوراق الرسمية بصورته المطلقة وبدون لوائح منظمة قد تنسف القانون وتخرجه عن معناه الراقي الإنساني ولكن الأهم أن يتوقف الإنسان المصرى عن التفتيش فى ديانة الآخرين وتعلم ثقافة قبول الآخر والتعايش معه ضمن منظومة قانونية يحتمي تحت مظلتها الجميع بدون تفريق او تمييز فهذا أهم من حذف خانة الديانة من الأوراق الرسمية وصدقوني أن (الديانة مصري) عبارة كنتُ أتمنى أن يتضمنْها الدستور بدلا من الإصرار على الإشارة فقط لثلاثة ديانات لايمثل تابعوها غير 48% من اهل ديانات العالم وهذا الإصرار جعلنا كدولة في حالة خصام وتنافر مع اكثر من نصف سكان العالم وأتمنى ان يُعالج هذا العوار الدستوري في أقرب فرصة .إنَّ الهوية المصرية الحقيقية هي الهوية الوطنية وليست الدينية هوية تاريخ وحضارة عريقة أمتدتْ عبر آلآف السنين ونشأتْ على ضفتي النهر الخالد فمصرية كل واحد فينا تسبق ديانته زمنا وتاريخا.