بقلم: حكمت حنا
عندما أقرت اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشعب مشروع قانون نقل الأعضاء تمهيدًا للموافقة النهائية عليه، أدركت وقتها أن القانون سيرى النور أخيرًا بعد مماطلات ليس لها مبرر، وسيكون هناك إجراء رادع على المخالفين وتجّار الأعضاء، لكن تبين أن القانون الجديد سيمنح رخصة للتجار أن ينمّوا تجارتهم، لأن المعايير التي وضعتها وزارة الصحة تحت إشراف الوزير بضرورة توافر المستندات الخاصة بالمتبرع والمريض وألا يقل سن المتبرع عن 12 سنة وتحديد مكان إجراء العملية وتوقيتها والطبيب الذي سيجريها وفي حالة المخالفة تغلق المنشأة لمدة سنة مع إيقاف الطبيب لمدة سنة وعند تكرار المخالفة تغلق المنشأة الطبية تمامًا، هذه المعاير لم تكن سوى حبر على ورق.
فهل من المتصور أن الطبيب المخالف سيبلغ وزارة الصحة بالعملية وميعادها ومكان إجرائها؟ والوقائع كثيرة بقيام كبرى المستشفيات بإجراء عمليات مخالفة دون علم نقابة الأطباء، وذلك قبل أن تسحب وزارة الصحة من النقابة سلطة الموافقة على إجراء العمليات لتضع موافقتها في الدرجة الثانية بعد موافقتها أولاً.
وبالرغم من رفض النقابة لإجراء هذه العمليات التي تبين أن الأسماء الموجودة بالمستندات المقدمة ليست حقيقية كما أنها غير مكتملة فضلاً عن التلاعب الواضح فيها، ألا أن المستشفيات كانت تجري هذه العمليات من وراء ظهر النقابة ورغم أنف الجميع، والأمثلة معروفة بالمستندات، وما قام به أحد أقارب حاتم الجبلي بإجراء عمليات مخافة بنقل الكلى بمركزه الخاصة للكلى بمصر الجديدة رغم إحالته للتحقيق الذي لم يمثل أمامه والخضوع للعقوبة اللازمة، فهل المخالف يستطيع أن يبلغ وزارة الصحة بإجراء عمليات متاجرة بالأعضاء؟ ومن أين ستعلم الوزارة إن لم يقوم هو بإبلاغها؟
فإذا كانت تجارة الأعضاء منتشرة في مجال الكلى والكبد مع عدم وجود القانون فإن وجوده سيجعل التجارة تصل لحد القرنية والعظام والقلب وأعضاء أخرى، خاصة مع المقترحات الخاصة بإمكانية النقل من المتوفى، وسيمارس التجار نشاط رائج لتوسيع العملية بالنقل من المتوفى حتى لو وصل الأمر إلى قتل الناس في الشارع لنقل أعضائها بحجة إنقاذ مريض يحتاج للحياة وسيدفع.
فالمشكلة ليست في عدم وجود تشريع يضمن نقل الأعضاء بل المشكلة في التشريع نفسه الذي لم يفعل شيء سوى وضع حماية لمزيد من المتاجرة.
وحتى إذا (شمت وزارة الصحة على ظهر أديها) وعلمت بحالات مخالفة تقوم بإجراء عمليات غير مشروعة إذا لم يكن الطبيب على صلة بالقيادات سيُحال للتحقيق، وإذا ثبتت المخالفة يُحال لمجلس التأديب وإذا وقعت عقوبة في أسوء الظروف يستطيع إسقاطها من خلال مجلس التأديب الإستئنافي.
وللأسف أصبحت مصر الآن معروفة بين دول العالم أجمع بظاهرة بيع الأعضاء، لدرجة أنها أصبحت مقصد رسمي لكل جنس بشري يرغب في البحث عن تاجر أعضاء لنقل أي عضو يريده طالما يستطيع الدفع لانتشار السماسرة اللذين يبحثون عن الضحايا وتكوين علاقات بأطباء هم في الأصل تجار مهنة.
أتمنى أن وزارة الصحة تفلح فيما لم تستطع فعله نقابة الأطباء ولا تقوم بحفظ المستندات التي يتبين بها تلاعب من جانب المستشفى التي تتقدم للحصول على موافقة بعملية نقل أعضاء (إذا حدث طبعًا) كما كانت تقوم نقابة الأطباء وتأكدها من تزوير الأوراق بدلاً من أن تقوم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتكون العملية تمت علمها، كما أتمنى لهذا القانون أن لا يرى النور بعدما كنت انتظر ظهوره لأنه ببساطة (ضحك على الدقون).