الأقباط متحدون - «التعتيم» هو الحصن الآمن للشائعات
  • ١٥:٤٣
  • السبت , ٤ اغسطس ٢٠١٨
English version

«التعتيم» هو الحصن الآمن للشائعات

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٣٩: ١٢ م +02:00 EET

السبت ٤ اغسطس ٢٠١٨

سحر الجعارة
سحر الجعارة

نحن شعب نهوى «النميمة».. والفرق بين النميمة و«الشائعة» ليس كبيراً، لأن جلسات النميمة ترتبط بالكذب، أو على الأقل بإضفاء «التاتش الخاص» على المعلومة، لنجعل (من الحبة قبة).. وبعدما كان ولعنا بالشائعات يرتبط بالزواج والطلاق، والخوض فى سمعة المشاهير والفنانين و«كريمة المجتمع».. لم يعد المجتمع المخملى كافياً ليروى ظمأ البعض للطعن فى سمعة الناس والخوض فى حياتهم الخاصة.. فقد خلقت لنا «مواقع التواصل الاجتماعى» فضاء أرحب لنستمتع بكوننا خبراء فى الدين والسياسة والفن والعشق.. وحرب الكواكب وحتى الحروب الحقيقية التى تدور على حدودنا.. فكلنا خبراء استراتيجيون نفهم فى السلم والحرب والمفاوضات والنزاعات.. ربما نعوض «نقصاً ما» نعانيه أو نحقق أحلامنا وأوهامنا فى العالم الافتراضى!.

وعندما نبه الخبراء الحقيقيون، وقادة الفكر والرأى إلى أن «الشائعات» إحدى أهم آليات ما يسمى بـ«حروب الجيل الرابع».. لم يستمع أحد، فلكل مصرى الحق فى إطلاق شائعة وتغذيتها حتى لو كانت من صنع الأعداء، (الإخوان، قطر، تركيا)، أو كانت تشيع روح اليأس والإحباط بين الناس وتهدد السلم الاجتماعى!.

هناك عصابة لخطف الأطفال وسرقة أعضائهم، وعصابة أخرى لتثبيت السيارات وسرقتها، الدولار سيرتفع الحق اشترى.. سينخفض الحق بيع.. والنتيجة حالة من الذعر تسيطر على الناس.. وضرب لاقتصاد البلد، وتطفيش متعمد للسياحة والاستثمار!.

الرئيس «عبدالفتاح السيسى» حذر، خلال حفل تخريج دفعات جديدة من الكليات العسكرية، من أن الدول العربية ومن بينها مصر تواجه خطر التفجير من الداخل نتيجة انتشار الشائعات الرامية إلى تقويض الاستقرار، وقال الرئيس إن (الضغط والشائعات والأعمال الإرهابية وفقد الأمل والإحساس بالإحباط.. كل الأمور دى بتشتغل بمنظومة رهيبة جداً الهدف هنا حاجة واحدة بس هو تحريك الناس لتدمير بلدهم).. وأضاف «التدمير لبلادنا مش هيكون غير من جوانا.. (لا بد إننا) نخلى بالنا وننتبه تماماً لما يحاك بنا»، وأكد «السيسى» أن السلطات رصدت 21 ألف شائعة خلال ثلاثة أشهر. وهنا علينا أن نسأل هل تحرك الإعلام لمواجهة تلك الشائعات أم «استخدمها» لجلب الإعلانات، وتحقيق نسب مشاهدة أعلى؟ الحقيقة أن «غياب المعلومة» جعل بعض البرامج تتاجر بالشائعة، مثل قتل أطفال المريوطية الذين اتضح أن أمهم قتلتهم بعد أيام تحدث فيها الإعلام عن احتمالات سرقة أعضائهم دون انتظار لتقرير «الطب الشرعى» أو تحريات المباحث وكلاهما يتأخران عادة! والبعض الآخر قرر أن ينشر الشائعة، (ولكن نقلاً عن السوشيال ميديا)، مثل استيراد الحكومة لسمك صينى بلاستيك، أو التحذير من «البيض الصينى البلاستيك».. رغم أن من ذهب للصين يعلم جيداً أن هذه الأطعمة لا وجود لها فى مخيلتهم أصلاً!.

معظم، (إن لم يكن كل)، أحداث الفتنة الطائفية بدأت بشائعة عن تنصير مسلمة أو علاقة مسيحية بمسلم، أو بناء كنيسة دون ترخيص! وكل من تلاعب بالدولار فى السوق السوداء كان يستجيب لشائعة سقوط الجنيه، فرأينا كما قال الرئيس: (من باع أرضه ومن باعت ذهبها للمضاربة على الدولار)!.. وهذا ضرب متعمد للعمود الفقرى للاقتصاد، ومجافاة للمنطق الذى يؤكد أن «الذهب» هو المستودع الآمن للنقد حتى قبل العقار.

لقد افتعل الشعب بنفسه عدة أزمات، صنع «الكذبة» وصدقها، وكانت النتيجة هى تكتيف وسائل الإعلام عن طرح قضايا الفساد أو مناقشة القضايا الشائكة مثل: (عصابات الاتجار بالأعضاء أو مافيا الأدوية المغشوشة، أو حتى الفتاوى الشاذة).. واكتفت الفضائيات بتنويهات تبين الشائعة من الحقيقة وكأنها تكفر عن ذنب شعب بأكمله اختار الانحياز للنميمة وتبعاتها!.

أصبح مفروضاً علينا الخرس حتى لو تعرضنا للنصب والاحتيال، أو كنا ضحية لشلة فساد، حتى لا نتهم بنشر الشائعات.. لكن لأن (العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة من السوق).. بعض الصحف والفضائيات لا تهاب الفساد ولا تهرب من مواجهته -ما دامت معلوماتها موثقة- إنها حربنا المقدسة التى نخوضها دفاعاً عن الدولة من محاولة إفشالها وإسقاطها من الداخل.. فلا شىء يحارب الشائعة إلا «الحقيقة» مهما كانت مؤلمة.. ولهذا نلح دائماً فى طلب المزيد من الشفافية وحرية تداول المعلومات.. لأن «ثقافة التعتيم» تخلق المناخ الخصب للشائعات!.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع