دينة "مرسى علم" الساحرة
مقالات مختارة | دينا أنور
الخميس ٩ اغسطس ٢٠١٨
منذ أيام ....كنت مع أبنائي في حمام السباحة الرئيسي لأحد فنادق مدينة "مرسى علم" الساحرة .. و التي تحتل السياحة الأوروبية ٨٠٪ من نسبة إشغالها ..
الفندق يقدم خدمة (pool and beach bar) .. و هي خدمة تقديم المشروبات خلال التواجد على حمام السباحة أو الشاطئ ..
للبار جهتين .. جهة مُطِّلة على حمام السباحة لخدمة النزلاء بداخل المسبح .. و جهة مُطلة على كراسي الشاطئ لخدمة المتواجدين خارج المسبح ..
بعد جولةٍ من اللعب .. ذهبت أنا و أولادي لتناول مشروب بارد ... فجلست بجوار مصري ثلاثيني في الجهة التي تقع بداخل الماء .... بالطبع كان يرتدي المايوه و يضع في شعره الجل و يرتدي في رقبته سلسلة فضيّة لزوم الروشنة .. شأنه شأن ٩٩٪ من الرجال المصيفين و غير المصيفين ..
بينما على الجانب الآخر من البار .. المتواجد خارج الماء .. تجلس زوجته .. ثلاثينية رقيقة الملامح ... و لكنها بالطبع محجبة ... ترتدي ( تربون) مليئ بالورود فوق شعرها المختنق بالقماش تحت درجة حرارة ٤٠ ... ترتدي أيضاً مايوه شرعي أزرق قاتم في هذا الحر الرهيب .. تجلس في الجانب الحار من البار رغم كل ماترتديه .... بينما زوجها يجلس في الماء البارد بين مرتديات البيكيني و هو يرتدي المايوه ....!
طبعاً هذا المنظر بالنسبة لنا كمصريين و دول شرق أوسطية و إسلامية منظر مُعتاد و عادي جداً ... و لا يوجد به أي غضاضة .. !
فلقد إعتدنا بحكم ثقافتنا الشرقية و إمتيازات الرجال الدينية و المجتمعية ... أن نتقبل إستمتاع الرجال مقابل تكفين النساء... و أن نتقبل خضوع النساء لأزواجهن خشية خراب البيوت.. و أن نتقبل سيطرة الذكور على النساء و إهانتهن .. بل و ضربهن .. طالما كانوا تحت ولايتهم ..!
و لكن ..!
ليست كل شعوب الأرض تتقبل ما نتقبله.. و تبرِّرُ ما نبرِّرُه ..!
فبينما كنت أجلس بجوار الزوج المصري .. و تقريباً في مواجهة الزوجة ... وجدت سائحةً بولندية أربعينية ... تجلس و زوجها كما تجلس المصرية و زوجها على البار ... و لكن البولندية طبعاً ترتدي المايوه و من فوقه "كاش مايوه" بسيط .. و زوجها أيضاً في الماء و يرتدي المايوه ..
بدأت البولندية بالتحدث للمصرية باللغة البولندية ... و فهمت بعض كلماتها من تعبيراتها و إشاراتها ... فهمت أنها تستنكر ما ترتديه المصرية فوق جسدها و شعرها في هذا الحر القاتل .. بينما زوجها يرتدي ملابس مناسبة للمكان و الجو .. و يجلس في الماء بدونها ... و الحريات بينهما يجب أن تكون ( fifty fifty) على حد تعبيرها..!
جلست قليلاً في موقع المتفرجة .. لأشاهد ردة فعل المصري و زوجته .. بما أنني و أولادي و هم كنا النزلاء المصريين الوحيدين بالفندق تقريباً..
فوجدت أنهما يتظاهران بعدم الفهم ... خاصةً الزوج بكل تأكيد ...
فأستأذنت البولندية أن أرد عنهما إن كانت تفهم الإنجليزية ..بما أنني مصرية مثلهم..
فرحبت ... و رحب الزوجان المصريان اللذان كانا لا يجيدان التحدث بالإنجليزية على مايبدو ... و لكن يفهمونها ...
و وجدت غالبية الجالسين على الجانبين ينتظرون مرافعتي ☺️..
فبدأت .. و قلت لها :
" سيدتي ... هذه الملابس تابعة لثقافة دينية و مجتمعية متشددة .. تعتبر جسد المرأة سلعةً جنسية تُثير الرجال ..
و بالرغم من أن الإستثارة لرؤية إمرأة من عدمها ... شأنٌ يخص الرجل وحده ... و هو المسؤول عن التحكم فيه ...و هو الذي من المفترض أن يُعاقب إذا تجاوز في حق إمرأة أو ضايقها....
إلا أن هذه الثقافة تُلزم النساء فقط بتقييد حرياتهن و كبت أنوثتهن و تكفيين أجسادهن صيف شتاء ..كي لا يُستثار الرجل جنسياً ... !
و هو في ذات الوقت - أي الرجل- يتمتع بكامل حريته.. و يُسمح له بتعدد الزوجات ... و يعطونه الحق منفرداً في إنهاء علاقة الزواج بجملةٍ شفهية من كلمتين..! "
فرد زوج البولندية : و ماذا عن إستثارة النساء بالرجال ؟
لماذا تسمحون للرجال إذن بالمشي شبه عرايا و تمنعون النساء ؟
رددت :
" لا أحد في هذه الثقافة أصلاً يهتم لمشاعر المرأة و لا حقوقها...
هم يختزلون أهميتها في الطاعة و الإنجاب ...و الإتاحة الجنسية الدائمة للزوج .... و الرضوخ لأحقيته في تطليقها أو الزواج عليها متى أراد .....!
و يقنعونها أن الله سيدخلها جنة الآخرة ... بمقدار عذابها و تعذيبها في الدنيا ..!
أما الرجل ... فله كامل الحرية و كافة الحقوق في الدنيا ... و يقولون أن الله سيكافئه ب ٧٢ عذراء في الجنة .. يمارس معهم العلاقة الجنسية إلى الأبد ..!
نظر إلي الجميع و سألني أحدهم :
و لكنك تعيشين بينهم و لا ترتدين مثلهم ... و من الواضح أنكِ تستنكرين هذه الثقافة و لا تطبقينها على نفسك ..لماذا لا تفعل هي مثلك ..!
رددت:
" ربما هي تريد و لكنها تخشى الطلاق .. الزوجات هنا غالبيتهن لايعملن .. أو يرتضين بأعمال محدودة الدخل ليقضين غالبية أوقاتهن داخل المنزل ... لأن المجتمع يضع على عاتقهن مسؤولية شئون المنزل و رعاية الأبناء ..!
لذلك تكون غير مستقلة مادياً و مهددة.. و حتى إن إمتلكت المال أو العمل ... فالمجتمع لا يرضى عنها و لا يخشى أذيتها سوى لو كانت تابعةً لرجل.... لذلك تضحي بحريتها و إنسانيتها و حقوقها لتسدد فاتورة المفاهيم الدينية و المجتمعية ..! "
فثار الزوج المصري من كلامي .. و وجه لي الحديث غاضباً:
و مين قال لحضرتك إنها مش سعيدة و مستمتعة كده ... بلبسها ده !
رددت:
" أكبر دليل على ذلك أنك تتحدث بلسانها فيما يخصها ...و تستبق الدفاع بوجهة نظرك انت ... و تصادر على حقها حتى في التعبير عن حقيقة شعورها ! "
رد بحماقة الذكر الشرقي المغرور بلا سببٍ وجيه :
و الله بقى دي حاجة بيني و بين مراتي.. انا بقى عارف و متأكد إنها مستمتعة و مبسوطة !!!!!!!!!!!
نظرت في عينيها الهادئتين .. فرأيتُ صرخة أنثى مكبوتة و مقهورة ... تستغيث من خلف قضبان القماش القاتم ....
فوجهت لها حديثاً مختصراً يختصر كل ماقد قيل:
ببساطة الناس دول كلهم مستنكرين إنك مش لابسة زي جوزك .. و مش بتتمتعي زيه بالشمس و المية و الهوا ....و بيقولوا لك الحريات و القيود لازم يبقوا النص بالنص عليكم زي بعض..!
فإبتسمت لي إبتسامة إمتنان مقتضبة .. و قالت لي:
صدقيني فهمت ... فعلاً عندكم حق..!!!!!!
فأنهيت مشروبي و دعوت الجميع للعب كرة الماء ... و دعوت الزوجة المصرية لمشاركتنا ....فرحبت على الفور دون أن تسأل زوجها.... !
و هو بالطبع لم يعترض ... ربما لينفي عن نفسه تهمة الأنانية و الذكورية ....و ربما ليظهر بمظهرٍ أكثر تحضراً أمام الجميع..!
في اليوم التالي قابلتها على الإفطار ..... ألقت علي التحية و أمام زوجها .... و لمحت بعض خصلات الشعر الأمامية و الجانبية تحررت من قبضة "التربون" الذي كان مُحكماً على كامل الشعر بالأمس ...فأبتسمت و أثنيت على جمال شعرها !!!
و بعد الظهيرة .... رأيتها جالسة بجواره على البار .... بداخل الماء .... فتيقنت أنها الآن ...تقف على عتبة الباب المفتوح على الحياة و الحرية ...و الخطوة القادمة هي أن تعبُر لحق المساواة...!
و توتة توتة... بدأت الحدوتة...!
#الدكتورة_بنت_الباشمهندس
نقلا عن الفيس بوك