الأقباط متحدون - عن نياحة الأنبا إبيفانيوس...
  • ٠١:٤٦
  • الخميس , ٩ اغسطس ٢٠١٨
English version

عن نياحة الأنبا إبيفانيوس...

مقالات مختارة | حازم حسين

٠٠: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ٩ اغسطس ٢٠١٨

الأنبا إبيفانيوس
الأنبا إبيفانيوس

على مدى أسبوع تقريبا بعد حادث القتل اللي حصل فجر الأحد 29 يوليو، التزمت الصمت لضخامة الحدث وحساسية القضية، وخوفا على الكنيسة الأرثوذكسية العريقة، اللي رغم هويتي الإسلامية بعتبر نفسي من المنتمين المباشرين ليها، وطول عمري كنت حريص على التعمق في معرفة اللاهوت وتاريخ الكنيسة والبطاركة والمجامع المسكونية، بقدر حرصي على معرفة القرآن والفقه والتاريخ الإسلامي.

كتبت البوست الأول والوحيد تقريبا يوم السبت اللي فات، وبعد 4 أيام من كتابته، و11 يوم من الحادث، مفيش موقف إيجابي ممكن أعمله بشكل شخصي إلا الصمت عن الكلام في القضية تماما، لكن هستغلها كمدخل لإثارة نقاط مهمة وحساسة أعتقد تحتاج للتوقف الجاد في ظل المعلومات اللي كشفتها القضية.

مبدئيا الجهات المختصة توصلت تقريبا للقاتل وأداة الجريمة وفكت الخيوط والتشابكات، وبتستكمل باقي الصيغة القانونية تمهيدا لإعلان الأمور.. المؤكد من البداية إننا كلنا عارفين إن الشق الجنائي في الموضوع هينقضي بنتيجة واضحة ومعلنة، ومن البداية كنت شايف بشكل شخصي إن المشكلات الفكرية وحروب التيارات اللي ورا الجريمة أكبر وأهم من القاتل والمقتول، رغم فداحة خسارة عالم مستنير زي الأنبا إبيفانيوس.

فيه معلومات جديدة بالوقائع والأسماء يصعب ذكرها، لاعتبارات قانونية أو إنسانية، ولاعتبارات تخص محبتي للكنيسة اللي ذكرتها في بداية الكلام. المعلومات دي على مكتب البابا تواضروس دلوقتي، ومهم جدا يتدخل بشكل حاسم للتعامل مع الاختلالات المريعة اللي كشفتها القضية، خاصة إن دير الأنبا مقار من المعاقل العلمية المهمة واللي ليها نظام وأسس متماسكة، حتى لو البابا شنودة اتكلم في أوقات سابقة عن إن فيه 40 راهب منه في مستشفى بهمن النفسي.. الكلام كان في إطار حرب مقصودة على القمص متى المسكين، والوقائع بتقول إن فيه رهبان كتير من أديرة تانية عدوا على بهمن، وإن الانحرافات وسط الرهبان أكبر من حسابها على دير أو أب بعينه، ولو فيه محبة حقيقية للكنيسة والمسيحية لازم يبقى فيه وقفة جادة مع كوارث الرهبنة، ومع ميراث البابا شنودة.

مضطر أقول حاجة حتى لو هتزعل الناس. بداية توظيف السياسة في تدعيم الكنيسة الأرثوذكسية كانت مع البابا ثاؤفيلس في القرن الخامس الميلادي، واستكمل ابن أخوه كيرلس الأول «عمود الدين» التحالف مع الملكة إفذوكسيا والبلاط البيزنطي. فيه تجاوزات حصلت في حق يوحنا ذهبي الفم وغيره من الرهبان، وتسببت كنيسة الإسكندرية في الانقسامات المسكونية اللي بدأت من صراع خلقدونية واتكررت في أفسس وغيره، ورغم الوجه اللاهوتي للصراع بين الطبيعة الواحدة والطبيعتين والمونوثيليتية والديوثيليتية وأم الرب أو أم المسيح، كانت حقيقة الخناقة إنها صراع سياسي وانعكاس لتشابكات روما وبيزنطة، وده كان يُوجب على الكنيسة تُجري مراجعة جادة للفكر ده وأفكار ثاؤفيلس وعمود الدين من 15 قرن، لأن تبعات الفكر ده ممتدة وبتأثر على الكنيسة لحد دلوقتي.

الحقيقة مش قادر أشوف البابا شنودة خارج حكاية «عمود الدين». البابا الراحل كان شخص مثقف وذكي وحازم، أعاد ترتيب الكنيسة وسيطر على كل المفاتيح، وكان قادر على المواجهة حتى وهو أسقف تعليم في وجود بطريرك تاريخي مبهر زي البابا كيرلس السادس، ونتيجة صراعه مع السادات وخروجه واستعادته لوضع الكنيسة عند الدولة والنظام، ظهر في صورة المخلص وغذّى فكرة الفداء في نفوس الأقباط، فاتمتع بشعبية كاسحة بين شعب الكنيسة، تماما زي ما كان عمود الدين عنده شعبية وظفها في قتل «هيباتيا» وسحلها والتنكيل بيها.. أحباب عمود الدين زمان تجاهلوا إنه بيوظفهم وبيوظف الكنيسة لتحقيق أغراض سياسية والسعي للسيطرة على كنيستي أنطاكية والقسطنطينية، وأحباب الأنبا شنودة تجاهلوا إنه شق صف الكنيسة وسعى لتحقيق مجد شخصي وحضور سياسي على حسابها، الأول اعتبر آريوس والإخوة الطوال والخلقدونيين وغيرهم مهرطقين، والتاني قال على الأدفنتست والسبتيين وشهود يهوه مهرطقين، وخاض حروب شرسة ضد الكنايس الباقية ورفض إقرار عماد الكاثوليك رغم إن فيه مخطوطات ووثائق بتثبت إقرار كتير من الكهنوت الأرثوذكسي ليه من قرون، وكان متى المسكين شايف كده برضه.. باختصار البابا شنودة زي البابا كيرلس الأول، الاتنين أضروا الكنيسة، دي الحقيقة حتى لو كان الشعب بيحبهم.

المؤكد إن البابا تواضروس مش من مدرسة الأنبا شنودة، لكن قدرته على تجاوز الميراث ده تظل مُحاصرة بوجود الصقور، الأنبا موسى والأنبا بيشوي وغيرهم. الحقيقة اللي لازم يواجهها الأقباط قبل غيرهم إن أشرس أعداء الكنيسة وأخطرهم جواها مش براها، كتير منهم لابسين ملابس الأساقفة والرهبان وموجودين في المجمع المقدس والإيبارشيات والأديرة، وكتير منهم مش أمناء على ميراث المسيح ومرقس الرسول والدماء الصادقة اللي سالت في عصور الشهداء. الرأس مختل ولو الجسم ما واجهش الحقيقة دي هيُفاجأ بأعراض وأمراض متواصلة، وتحت ضغط الصورة الملائكية اللي راسمها للرأس هيشخص المرض غلط، وهيتهم أي حد وكل حد حتى نفسه، ومش هيشاور على المتهم الحقيقي.

الوضع القائم بيشير لمشاكل ضخمة في الرهبنة وداخل أغلب الأديرة. رهبان وادي الريان كانوا خارجين على البطريرك، راهب أبو مقار المشلوح كان بيتحدى أبوه رئيس الدير وبيناطحه وبيكون جبهة ضده. الانحرافات المالية والجنسية موجودة ومتنامية داخل أسوار الأديرة (بالمناسبة فيه واقعة أخيرة تخص دير الأنبا أبو مقار متورط فيها اتنين رهبان، دي اللي امتنعت عن ذكر تفاصيلها، وأعتقد البابا تواضروس هياخد موقف تجاهها).. ده مش ميراث الرهبنة المصرية، دي مش «رهبنة الكفن» ولا هي «الموت عن العالم» ولا ده ميراث القديس أنطونيوس اللي أخد البابا شنودة اسمه في الرهبنة، بس ما أخدش روح فلسفته وتعاليمه.

الكنيسة محتاجة تجديد دم حقيقي، تنظيم جديد للرهبنة، ضبط للأوضاع المالية واقتصاد الأديرة ونفقات الرهبان. محتاجة تحجيم لسلطات الكهنة على شعب الكنيسة، لما أقر المجمع الملي لايحة 1938 للأحوال الشخصية في وجود بطريرك زي الأنبا يوأنس التاسع عشر متضمنة 7 أسباب لانقضاء الزواج بجانب الزنا والوفاة والرهبنة، أكيد ما كانوش ناقصين إيمان عن البابا شنودة اللي رفض اللايحة وتشدد في إن لا طلاق إلا لعلة الزنا.. مش مفهوم إن رهبان انقطعوا عن العالم يتحكموا في حياة ناس اختاروا يبقوا بشر عاديين، في الوقت اللي الوقائع بتكشف إن كتير من الرهبان دول عندهم مشاكل مزعجة، من تحرش لاستغلال أطفال لعلاقات مثلية.. وده مش تجنّي، كل الأقباط اللي مش بيكابروا عارفين اللي بقوله ده ومتأكدين منه.

لما بنقول إن القمص متى المسكين كان أكثر إجلالا للكنيسة من البابا شنودة مش بننحاز، لا حد فيهم قريبنا ولا صاحبنا، بينا وبينهم اللاهوت وميراث يسوع ومرقس الرسول. وفي الوقت اللي البابا شنودة حط الكنيسة طرف في المعادلة السياسية على حساب وضعها الروحي، وتسبب في تمرد كتير من الشباب والأجيال الجديدة، كان متى المسكين بيعيد اكتشاف ميراث الآباء الأوائل وفلسفتهم في ضوء روح الكرازة وروح المسيحية الحقيقية.. البابا شنودة مش شيطان والقمص متى المسكين مش ملاك، الاتنين بشر، يحكمهم اللاهوت والتاريخ والواقع وعقل العاقلين، ودي النقطة اللي تضمن ثبات الكنيسة واستقرار دعائمها زي ما كانت طول القرون اللي فاتت، مش تسليم العقول للكهنوت وتوقيع شيكات على بياض.

المسيحية عقيدة محبة، يسوع قال ما جئت لأنقض الناموس، يعني ما نفاش اليهود واليهودية رغم كل اللي عملوه فيه وفي تلاميذه، ده سبب كافي للجزم بإن اللي بينفي ويستبعد ويتهم بالهرطقة والتجديف مش بيحترم ميراث يسوع ولا رسالته في المحبة والفداء، النور اللي جه لخراف بني إسرائيل الضالة لا يمكن يفرح بالضلال ويشجع عليه، بالتأكيد بيقرّب ويحتضن ويلمّ أكتر ما بيبعد ويطرد ويفرّق.. المجامع المسكونية كانت الظل المباشر لاشتباك المسيحية والبطاركة مع السياسة، زي ما وضع الرهبنة دلوقتي ظل لاشتباك البابا شنودة مع السياسة.. المسيحية الصافية في الكتاب المقدس وحكايات الكرازة والشهداء، مش في خناقات الإكليروس وصراعاتهم الداخلية على المكاسب والمناصب.

كلمة حق واللي يزعل يزعل.. الإكليروس هو عدو الكنيسة الأول، والسياق الطبيعي إنه يخضع للشعب مش العكس، الأنبا إبيفانيوس اتقتل بسبب ميراث التشاحن والعداء ده، والكنيسة اللي بترفع صليب المسيح اللي شاله على كتفه في الجلجثة واتشال عليه يوم الجمعة العظيمة، أو حتى أربعاء البصخة أو خميس العهد حسب بعض الآراء والروايات، لا يمكن ترفع سلاح ولا تهدر دم ولا تتخانق على عشور ورواتب وعربيات وسفريات.. الأنبا إبيفانيوس ضحية، لكن الأقباط اللي بيتلاعب بيهم الإكليروس هما الضحية الأكبر.

ده كلام لوجه المحبة.. واللي عايز يزعل براحته.

ملحوظة.. البوست مكتوب من الذاكرة وأنا في المواصلات، علشان كده تجاوزت كتير من التفاصيل والأرقام والمعلومات تجنبا لهفوات الذاكرة وخداعها.

** الصورة لـ #الأنبا_إبيفانيوس

#ميراث_يسوع_وميراث_الكهنوت
#عمود_الدين_والبابا_شنودة
#الكنيسة_في_مواجهة_الإكليروس

#ما_تزعلوش
نقلا عن الفيس بوك

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع