الرهبنة طريقاً للكمال المسيحى
بقلم - الأب القمص / أفرايم الأورشليمي
الرهبنة مابين الأنجيل والتاريخ ..
+ ان للحياة الرهبانية جذورها الضاربة فى قدم التاريخ ، فهي تمثل حياة الطاعة والغربة والعفة والزهد من أجل الله ، ونجد فى حياة ايليا النبى فى القرن التاسع قبل الميلاد مثالاً لها ، فقد كان إيليا يعيش زهداً كاملاً، وأحب الله الذى ملك قلبه وملك على كل كيانه ، حتى انه كان دائما يردد { حي هو رب الجنود الذي انا واقف امامه }(1مل 18 : 15). لقد القى العالم خلف ظهره لأنه علم يقيناً ان العالم يمضى وكل شهوتهٌ معهُ. لم يعطى أهمية لحاجات الجسد او راحته أنما أراد أن يدخل فى دائرة السمائيات منجذبا اليها ليتمتع فى عالم الروح بحياة ملائكية مع السمائيين فى تسبيحاً دائماً. وكان يلبس ثوبا من الشعر ومنطقة من الجلد على حقويه (2 مل 1: 8) رمزا للأستعداد للعمل الروحى والجهاد . والمسوح التى كان إيليا النبى يغطى بها جسده تشير إلى حياة الأنسحاق والتذلل قدام الله، ومع هذا كان ايليا يحمل فى انسحاقه الداخلى قوة الهية أستطاع بها ان يقف فى وجه أخاب الملك وزوجته الشريرة ايزابل ، وفى وجه انبياء البعل وان يرد الشعب قديما الي عبادة الله { فتقدم ايليا الى جميع الشعب و قال حتى متى تعرجون بين الفرقتين ان كان الرب هو الله فاتبعوه و ان كان البعل فاتبعوه فلم يجبه الشعب بكلمة }(1مل 18 : 21). وعندما قدم كهنة البعل ذبيحتهم ولم تنزل نار من السماء لتقبلها قدَم ايليا ذبيحته ووضع عليها الماء ليؤكد المعجزة ولتشير الى عمل الروح القدس الناري وصلي الي الله { استجبني يا رب استجبني ليعلم هذا الشعب انك انت الرب الاله وانك انت حولت قلوبهم رجوعا. فسقطت نار الرب و اكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة. فلما راى جميع الشعب ذلك سقطوا على وجوههم و قالوا الرب هو الله الرب هو الله} 1مل 37:18-39.
+ يوحنا المعمدان ايضا يشبه ايليا النبى . ومنذ ما يقرب من الفي عام سار في نفس الطريق فى القداسة والزهد والبتولية والجهاد { في تلك الايام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية. قائلا توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات. فان هذا هو الذي قيل عنه باشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة. ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الابل وعلى حقويه منطقة من جلد وكان طعامه جرادا وعسلا بريا. حينئذ خرج اليه اورشليم و كل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالاردن.واعتمدوا منه في الاردن معترفين بخطاياهم} (مت 1:3-6).لقد كان ممهدا الطريق للرب ، ووقف فى وجه هيرودس الملك الشرير حتى وان كلفه ذلك حياته ، لان حياته لم تكن ثمينة عنده في سبيل الحق { فان هيرودس كان قد امسك يوحنا و اوثقه و طرحه في سجن من اجل هيروديا امراة فيلبس اخيه. لان يوحنا كان يقول له لا يحل ان تكون لك} مت3:14-4. استشهد يوحنا المعمدان ولكنه بقى صوتاً نبوياً حياً يشدنا الى الكمال الرهبانى كقدوة ومثال لحياة الزهد والقوة والعفة والطاعة والجهاد للوصول الى الملكوت .
+ وعلى هذا النهج أختار الاباء القديسين حياة البتولية والزهد سواء فى رهبانية عابدة فى الصحراء أو رهبانية خادمة لكنيستها ومجتمعها . ليس تحريما للزواج كرباط مقدس ولكن برغبة صادقة لتكريس القلب للتفرغ للحياة الروحية وعيش مذاقة الملكوت الملائكية من الان على الارض { لانهم في القيامة لا يزوجون و لا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء }(مت 22 : 30). وتتميماً لقول السيد المسيح { لانه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون امهاتهم و يوجد خصيان خصاهم الناس و يوجد خصيان خصوا انفسهم لاجل ملكوت السماوات من استطاع ان يقبل فليقبل }(مت 19 : 12). لقد قبل الرهبان حياة البتولية كطريقا للسمو والكمال مع أقرارهم بقدسية سر الزواج المقدس ، لهذا راينا من الرسل من كانوا متزوجين كبطرس الرسول ومن كانوا متبتلين كيوحنا الحبيب وبولس الرسول ، وعلى هذا النهج على جبل التجلى ظهر مع السيد المسيح في تجليه موسى النبي الذى كان متزوجا وايليا النبى الذى عاش البتوليه والنسك .
+ القديس بولس الرسول وجد فى البتولية طريقا ووسيلة لتكريس القلب فى صلاة دائمة وخدمة لله باسفار مراراً كثيرةً ، فى زهد وعمل وجهاد روحى { انتم تعلمون ان حاجاتي و حاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان} (اع 20 : 34).وهكذا يشجعنا على الصلاة مع العمل {و ليتعلم من لنا ايضا ان يمارسوا اعمالا حسنة للحاجات الضرورية حتى لا يكونوا بلا ثمر} (تي 3 : 14){ لاني اريد ان يكون جميع الناس كما انا لكن كل واحد له موهبته الخاصة من الله الواحد هكذا والاخر هكذا} .1كو 7:7. ان حياة البتولية تعطى الأنسان تفرغاً من أجل خدمة الله { فاريد ان تكونوا بلا هم غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. واما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امراته.ان بين الزوجة و العذراء فرقا غير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدسة جسدا و روحا و اما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضي رجلها. هذا اقوله لخيركم ليس لكي القي عليكم وهقا بل لاجل اللياقة و المثابرة للرب من دون ارتباك.اذا من زوج فحسنا يفعل و من لا يزوج يفعل احسن} 1كو 32:7-35،38. هكذا عاش القديس بولس الرسول حياته جامعا بين حياة الصلاة والخدمة ، العمل والـتأمل والتتلمذ على كلمة الله { و فيما هم سائرون دخل قرية فقبلته امراة اسمها مرثا في بيتها. و كانت لهذه اخت تدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع و كانت تسمع كلامه. و اما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة فوقفت و قالت يا رب اما تبالي بان اختي قد تركتني اخدم وحدي فقل لها ان تعينني. فاجاب يسوع و قال لها مرثا مرثا انت تهتمين و تضطربين لاجل امور كثيرة. و لكن الحاجة الى واحد فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها} لو38:10-42. الراهب اذا هو أنسان وجد فى التكريس لله والبتوليه طريقاً ووسيلة للكمال المسيحى والتعلم والتلمذة المستمرة على الأنجيل ، سائرا فى طريق القداسة التى سار عليها الانبياء والرسل والتي دعا اليها السيد المسيح من أستطاع ان يقٌبل .
+ وتتميماً لقول السيد المسيح له المجد للشاب الغني استجاب القديس الانبا أنطونيوس لدعوة الإنجيل للسير فى طريق الكمال المسيحى { ان اردت ان تكون كاملا فاذهب و بع املاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء و تعال اتبعني }(مت 19 : 21). فباع كل ما ورثه عن ابيه وما كان له وزعه على الفقراء وسار فى طريق الرهبنة مخصصا كل وقته وقلبه وحياته وأقوله من أجل ارضاء الله فى حياة الفضيلة والبر . وعندما انتهى عصر الأستشهاد الكبير فى القرن الرابع فى عصر قسطنطين الامبراطور كانت الرهبنة طريقا للاستشهاد الابيض بالزهد عن العالم وشهواته وأمتلات صحاري مصر بالزهاد والمتبتلين مقتدين بالقديسين العظماء انطونيوس ومقاريوس وباخوميوس ، واجتذبت الرهبنة المصرية تلاميذ وأتباع لها من كل العالم وانتشرك الرهبنة فى كل كنائس العالم كمنهج لحياة الجهاد والزهد والمحبة الكاملة لله . ووجد فى كل جيل منذ ذلك الحين أمثلة مباركة للساعين فى حياة الصلاة والمحبة والتكريس .
+ ان كان قد انحرف البعض في اي عصر عن الهدف السليم للرهبنة ، فليس ذلك مدعاة لشن هجوم من البعض على الرهبنة وانكارها كطريق ومنهج للحياة يجد جذوره فى الكتاب المقدس والتاريخ واليه يرجع الفضل فى قيادة الكنيسة عبر العصور. وهل نمنع السفر بالطائرات لسقوط طائرة ما فى حادث ؟ او نحرم الزواج تحت حجة فشل بعض الأسر أوعدم أستمرارها أوتماسكها وسيرها فى الطريق السليم لتكوين اسرة سعيدة؟ ان اي أنحراف عن الهدف السليم للرهبنة يجب ان يقوم بالحكمة والمحبة والنصح والا بالبتر للشخص المسئ دون تقليل من قيمة الرهبنة كطريق ملوكي موصل للسماء ، لهذا يجب ان يكون هناك تدقيق فى قبول المقبلين على الرهبنة ، كما يجب علي الذي يختار الرهبنة طريقا ان يختبر نفسه جيداً لئلا يبتدى ولا يقدر ان يكمل . وعلينا كرهبان ان نلاحظ أنفسنا وان لا يغيب ابدا هدف محبة الله والتكريس الكامل لخدمته والتأمل فى كلامه من أمام عيوننا كما نصح القديس بولس تلميذه تيموثاؤس { لاحظ نفسك و التعليم و داوم على ذلك لانك اذا فعلت هذا تخلص نفسك و الذين يسمعونك ايضا }(1تي 4 : 16). متمثلين بمخلصنا الصالح ورسله القديسين{ كونوا متمثلين بي كما انا ايضا بالمسيح }(1كو 11 : 1) .{ كونوا متمثلين بي معا ايها الاخوة و لاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة }(في 3 : 17). { و ان تكون سيرتكم بين الامم حسنة لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلي شر يمجدون الله في يوم الافتقاد من اجل اعمالكم الحسنة التي يلاحظونها }(1بط 2 : 12).
الرهبنة طريقا للنمو والكمال المسيحي .
+ قام قداسة البابا شنودة منذ عدة أيام مضت برسامة مجموعة من الاباء الرهبان لدير القديس مقاريوس الكبير ثم لدير القديس مارمينا بمريوط ، ثم دُعيت مع الاباء الذين يخدمون مع نيافة الحبر الجليل الانبا أنطونى فى ايبارشية ايرلندا واسكتلندا وشمال شرق انجلترا للمشاركة فى رسامة راهبين فاضلين أتيا من صعيد مصر من حملة الشهادات العليا والخبرة فى الحياة العملية ، جاءا يحملان فى قلبيهما المحبة لله وعلى كتفيهما شرف تمثل الرهبنة القبطية العريقة فى أنجلترا لكل زائري الدير من ابناء كنيستنا والكنائس الأخرى ومن الأنجليز الذين يودوا ان يتعرفوا على نبع الرهبنة وروحانيتها وكشهادة حية على الموت عن شهوات العالم المعاصر، حياة السعى نحو الكمال ، وقد تمت رسامتهم بمباركة قداسة البابا وموافقة مجمع الاباء فى الايبارشية و بعد قضاء فترة أختبار مناسبة فى دير القديس أثناسيوس الرسولى بانجلترا ، ولما كان غالبية الاباء الذين يخدمون الايبارشية من الرهبان من أديرة مصر المختلفة والعامرة بالاباء فقد كانت لقاءاتنا عامرة بالمحبة والصلاة والتسبيح والتأملات الروحية وتبادل الخبرة فى الخدمة . فهذه المقالة تعتبر فى غالبيتها نابعة من روح هذا اللقاء الأخوى .
+ كيف نوفق بين عالمنا المعاصر وما فيه من وسائل تواصل وأتصال وبين رهبنة القرون الأولى وما فيها من حياة الفضيلة والبر والجهاد الروحى والبعد عن الخلطة بالناس؟ وكيف نجمع بين حياة الخدمة والتأمل فى كلمة الله ؟ كيف نحيا روح الرهبنة فى القرن الواحد والعشرين ؟ .
ان التحديات التي تواجه الراهب فى حياته الخاصة والعامة هى نفس التحديات التى تواجه إنسان القرن الحادي والعشرين الذي يريد ان يحيا إيمانه المسيحي فى جهاد روحي بالصلاة والصوم مضافا اليها اداء الراهب لقوانينه الرهبانية وجهاده الرهباني لاقتناء الفضيلة والوفاء بنذوره الرهبانية من طاعة وعفة وفقر اختيارى ، كيف يوفق الراهب وقته بين حياة العبادة والصلاة والتأمل وبين العمل ومقابلة وخدمة الذين يلتقي بهم فى محبة روحية تخلص نفوسهم وبدون دالة خاطئة وفى قداسة السيرة ؟ كيف نحيا القداسة وطهارة الفكر مع كل التقدم التقني والعلمي وعصر المادية والأباحية وعالم القرية الواحدة وعصرالاتصالات المتطور ؟.
+ الرهبنة موت عن العالم ..
الراهب بالحقيقة هو إنسان مات عن العالم ومن أجل هذا فى الطقس الرهبانى يصلى عليه صلوات التجنيز وفى نهايتها يقوم لياخذ أسما جديداً وشكلا جديدا بالزي الرهباني { مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا في فما احياه الان في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسه لاجلي} (غل 2 : 20). ولهذا يجب ان نتذكر اننا بالبرهبنة كما العماد نموت عن شهوات العالم لنقوم مقدمين حياتنا واعضائنا الات بر لله { نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها.ام تجهلون اننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته ، فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما اقيم المسيح من الاموات بمجد الاب هكذا نسلك نحن ايضا في جدة الحياة.لانه ان كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير ايضا بقيامته.عالمين هذا ان انساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد ايضا للخطية. لان الذي مات قد تبرا من الخطية.فان كنا قد متنا مع المسيح نؤمن اننا سنحيا ايضا معه... كذلك انتم ايضا احسبوا انفسكم امواتا عن الخطية و لكن احياء لله بالمسيح يسوع ربنا. اذا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواتها. ولا تقدموا اعضاءكم الات اثم للخطية بل قدموا ذواتكم لله كاحياء من الاموات و اعضاءكم الات بر لله} (رو2:6-13).{ هادمين ظنونا و كل علو يرتفع ضد معرفة الله و مستاسرين كل فكر الى طاعة المسيح }(2كو 10 : 5).والذى مات عن العالم لا يحزن لذم ولا يفرح لمدح من أحد ؟ ويحيا شاهدا للمسيح الذي دعاه من عالم الظلمة الى نوره العجيب ويلبس دائما اسلحة البر مجاهدا فى حياة الصلاة الدائمة ليس من أجل ذاته فقط ولكن من أجل خلاص كل أحد ، البعيدين والقريبين ، والساقطين والخطاة والمرضى والمحتاجين والرعاة والرعية ، وسلام الكنيسة والعالم ، فالانبا بولا اول السواح الذي عاش سائحا ومتوحداً لستين سنه فى وحدة تامة ، عندما تقابل مع الانبا أنطونيوس بادره بعد السلام والصلاة بالسؤال عن الكنيسة ومصر واحوالها والعالم والإيمان فيه .
+ والرهبنة نمو فى المحبة لله .
الراهب يسعى للنمو فى محبة الله يوما فيوم ولسان حاله قول القديس بولس الرسول { ليس اني قد نلت او صرت كاملا و لكني اسعى لعلي ادرك الذي لاجله ادركني ايضا المسيح يسوع.ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت و لكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء و امتد الى ما هو قدام.اسعى نحو الغرض لاجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع . فليفتكر هذا جميع الكاملين منا و ان افتكرتم شيئا بخلافه فالله سيعلن لكم هذا ايضا} في12:3-15. هكذا يضع الراهب نصب عينيه هدفا روحياً هو النمو فى المحبة والكمال المسيحى للاتحاد بالله ، متخذا كل الوسائل والوسائط الروحية المناسبة التى تؤدي به نحو الغرض السليم والهدف الصحيح من الرهبنة كطريق ملوكى ضيق ومفرح للروح والنفس وكاشف لاسرار وغوامض قلب الإنسان الداخلي وبقدر امانتنا للهدف الروحي وسعينا للوصول نظل ننهل من محبة الله التي تغربنا عن العالم وشهواته ومقتنياته وتقربنا من الله حتى نحيا مذاقة الملكوت من الان { لان ليس ملكوت الله اكلا و شربا بل هو بر و سلام و فرح في الروح القدس} (رو 14 : 17). والراهب النشط الأمين مع تقدمه فى محبة الله ينمو فى تواضعه ومعرفة بضعفه وحاجته لعمل نعمة روح الله القدوس التى تسند وتقوى وتهب الحكمة والارشاد للسائرين فى طريق الكمال المسيحي { لكي يعطيكم بحسب غنى مجده ان تتايدوا بالقوة بروحه في الانسان الباطن.ليحل المسيح بالايمان في قلوبكم. و انتم متاصلون ومتاسسون في المحبة حتى تستطيعوا ان تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض و الطول و العمق و العلو. وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا الى كل ملء الله ، والقادر ان يفعل فوق كل شيء اكثر جدا مما نطلب او نفتكر بحسب القوة التي تعمل فينا} أف 16:3-20. محبة الله والوفاء لتعهداتنا الرهبانية أمام الله والكنيسة تجعلنا نركض فى ميدان الجهاد الروحى ونسعي لاشعال نار المحبة لله والناس فى قلوبنا الى النفس الأخير .
+ الراهب والجهاد الروحي .
عندما نتجند فى خدمة رب الجنود لابد ان نلبس أسلحة الحرب الروحية وندرك جيداً ان لنا أعداء خفيين يتربصون بنا ويسعون لسقوطنا { فان مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات } (اف 6 : 12). ولهذا يوصينا الانجيل في القراءات التى تقرأ في يوم الرهبنة ان نهيئ أنفسنا للتجارب ونداوم على ذلك . بالتوبة والسهر والتدقيق وكلمة الله والصلاة والتأمل والتواضع وممارسة الاسرار المقدسة بامانة فان روح الله ينصر الراهب فى جهاده مقدسا اياه كما يعلمنا القديس الانبا أنطونيوس الكبير قائلاً: (والآن فيما يخص أولئك الذين دخلوا بكل قلوبهم وقرروا أن يحتقروا كل شدائد الجسد وبشجاعة يقاومون الحرب التي تقوم ضدهم إلى أن ينتصروا، فإني اعتقد، أولاً أن الروح هو الذي يوجه اليهم الدعوة وهو يجعل الحرب هينة وسهلة بالنسبة لهم، ويجعل أعمال التوبة حلوة ويريهم كيف يجب أن يتوبوا بالجسد والنفس حتى يبلغ بهم إلى التحول الكامل إلى الله الذي خلقهم..... ويعطيهم أعمالاً بواسطتها يمكنهم أن يقمعوا النفس والجسد حتى يتطهرا ويدخلا معاً إلى ميراثهما . فإن الجسد يتطهر بالصوم الكثير وبالسهر وبالصلوات وبالخدمة التي تجعل الإنسان ينضبط في جسده ويقطع من نفسه كل شهوات الجسد. ويصبح روح التوبة هو مرشده في هذه الأمور، ويختبره بواسطتها لئلا يقتنصه العدو إليه مرة ثانية. وعندئذ يبدأ الروح الذي يرشده، أن يفتح عيني نفسه لكي يعطيها التوبة ايضاً لكيما تتطهر ويبدأ العقل ايضاً في التمييز بين الجسد والنفس، وذلك عندما يبدأ أن يتعلم من الروح كيف يطهرهما بالتوبة. ويصبح الجسد تحت سلطان العقل المتعلم من الروح كما يقول الرسول بولس "أقمع جسدي واستعبده" (1كو 9: 27) لأن الروح يطهره في أكله وفي شربه وفي نومه، وبكلمة واحدة فإنه يطهره في كل حركاته. حتى انه من خلال طهارة الروح للعقل يتحرر الجسد حتى من الحركات الطبيعية التي فيه . أما إذا تمم الراهب ما قد قلته فإن الله يترأف على تعبه ويمنحه ناره غير المرئية التي ستحرق كل الشوائب منه، وسوف تتطهر روحنا؛ وعندئذ سيسكن فينا الروح القدس ويمكث يسوع معنا، وهكذا سنكون قادرين أن نسجد للآب كما يحق). اننا فى جهادنا لاقتناء الفضيلة تصبح طاعة الله واب الاعتراف حلوه وسهلة ومحببة لديه { واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر و ضمير صالح و ايمان بلا رياء }(1تي 1 : 5). وتصبح البتوليه وطهارة الفكر هي وفاء من الراهب وحرصاً لديه على محبة الله من كل القلب والفكر والنفس وعملا على خلاص كل احد ، كحرصه على خلاص نفسه { فاجاب و قال تحب الرب الهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل قدرتك و من كل فكرك و قريبك مثل نفسك} (لو 10 : 27). ولا يعد الفقر ان لا نملك شئ بل ان لا يمتلكنا شئ فنحن قد صرنا ملكا لله وكل حياتنا وأوقاتنا وما لدينا فى خدمته وخدمة كنيسته التي اقتناها بدمه الثمين على عود الصليب.
+ الرهبنة والصلاة الدائمة ..
الصلاة الدائمة هى حياة الراهب كمكرس لله وان كان الله علمنا ان الصلاة كل حين فرض على المؤمنين كافة، فكيف يجب ان تكون حياة الراهب ؟ { و قال لهم ايضا مثلا في انه ينبغي ان يصلى كل حين و لا يمل. قائلا كان في مدينة قاض لا يخاف الله و لا يهاب انسانا. وكان في تلك المدينة ارملة و كانت تاتي اليه قائلة انصفني من خصمي. و كان لا يشاء الى زمان و لكن بعد ذلك قال في نفسه و ان كنت لا اخاف الله و لا اهاب انسانا. فاني لاجل ان هذه الارملة تزعجني انصفها لئلا تاتي دائما فتقمعني. و قال الرب اسمعوا ما يقول قاضي الظلم. افلا ينصف الله مختاريه الصارخين اليه نهارا و ليلا و هو متمهل عليهم. اقول لكم انه ينصفهم سريعا و لكن متى جاء ابن الانسان العله يجد الايمان على الارض} لو 1:18-8. علاقة الراهب بالله هى عشرة حب دائم وصلة متواصلة بالله . وكما سار أخنوخ مع الله ولم يوجد لان الله نقله ، علينا ان نتخذ الله اباً ومحباً وصديقاً ومدافعاً وعوناً فى كل أمور حياتنا . لهذا يوصينا القديس مكاريوس الكبير بالصلاة بهدوء وثبات عظيم وباجتهاد قلب مثبتين نظر عقولنا وارواحنا نحو الله : (أولئك الذين يقتربون إلى الرب ينبغي أن يقدموا صلواتهم بهدوء وسلام وثبات عظيم، ويثبتوا نظر عقولهم نحو الرب، ليس بصرخات غير ملائمة ومضطربة، بل باجتهاد قلب حار وأفكار يقظة. ولا ينبغي لأي واحد من خدام الله أن يفقد ضبط نفسه، بل ينبغي أن يكون في كل وداعة وحكمة، كما يقول الرب " إلى من انظر - ألاّ إلى الوديع والمتواضع الروح والمرتعد من كلامي" وفي حالة كل من موسى وإيليا نجد في الظهورات التي مُنحت لهم، .. أن حضور الرب كان يتميّز بين الكل وعن الكل، وكان يظهر في هدوء وسلام وراحة لأن الكتاب يقول: "وإذ صوت منخفض خفيف" (1مل19: 2) وكان الرب في هذا الصوت. وهذا يبين أن راحة الرب هي في الهدوء والسلام والسكون).
على الراهب كما المؤمن الأمين ان يجهاد من اجل التخلص من ضعفاته الشخصية فى سعيه نحو الكمال وان يثقل نفسه بالدراسة والقراءة الجيدة ليتخلص من أفكار العالم ولكى يكون لديه مادة مقدسه وأفكار صالحة للصلاة . كما عليه ان ينمو فى الفضائل والقداسة للأتحاد والعشرة بالله وقديسيه متاجرا حسنا بالوزنات المعطاه له ، وان يكون أمينا فى عمله الموكل اليه لا كمن يرضي الناس بل يرضي الله فى كل فكر وقول وعمل ليسمع الصوت القائل { قال له سيده نعما ايها العبد الصالح و الامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك }(مت 25 : 23).
اتبعني انت (يو 21 : 22)..
+ ربي ومخلصى اذ سمعت صوتك الحنون بان اتبعك انت سرت وراءك فى الطريق واثقا انك انت هو الراعي الصالح الذي يسعي لخلاصنا وقد تجسد لتكون لنا حياة أفضل وبعد الانتقال من هذا العالم حياة ابدية . وها انا اريد ان اتبعك لا خوفا من العقاب ولا طمعا فى المكأفاة والثواب بل اريد ان أعبر عن محبتى ووفائي واخلاصي لمن مات ليعطينى حياة ابدية ، ارجو ان تقبل ذبيحة حبى واخوتى الرهبان لتكون مقبولة أمامك معلماً ايانا فى الطريق نحو الكمال والفضيلة والاتحاد بك .
+ ربى الغنى الذي تجسد وتأنس من أجل خلاص جنس البشر ومن اجل السرور الموضوع أمامه وضع نفسه وأطاع حتى الموت ، موت الصليب ، علمنا ان نطيعك فى كل شئ فانت هو المعلم الصالح وان نتبعك في كل شي حتى الى جثيماني ، يامن أفتقر لكي ما نستغني بفقره علمنا ان نزهد فى قنية وممتلكات هذا العالم الزائل وان تكون انت وحدك غني نفوسنا ، علمنا ان نمتلك كنز الروح السماوي ليغنينا بالفضيلة والقداسة لكى لا نوجد عراة فى اليوم
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :