بقلم / رأفت تادرس
قمار الإسلاميين علي طريقة طز في مصر
لعل هذا الموضوع أو العنوان غير مألوفين للكثيرين منا، ولكن لي العذر أننا في زمن نسمع فيه أيضًا عن مصطلحات مثل "الويسكي الإسلامي" و"سيجارة السعادة"، كما اخبرتنا وسائل الإعلام عن أحدث اختراعات بني أو بنات العرب، فلا مانع إذا من تقديم "البوكر الشرعي" وشرح قواعده.
تعريفات ضرورية
بداية يا عزيزي القارئ نطرح بعضًا من التعريفات الواردة في موسوعة الويكيبيديا:
القمار: أو "الميسر" بحسب التراث العربي - هو كل لعب بين متنافسين على مال يجمع منهم، ويوزع على الفائز منهم ويحرم الخاسر. ويوجد الكثير من أشكال القمار من أشهرها ألعاب اليانصيب واللوتري.
البوكر: هي رياضة من عائلة لعب الورق التي تتشارك في قوانين الرهان. ألعاب البوكر تختلف في كيفية التعامل بالأوراق، كيفية تكوين اليد (مجموعة الأوراق لدى اللاعب)، حدود الرهانات وعدد الجولات المسموح بها. في معظم ألعاب البوكر الحديثة، فإن الجولة الأولى للرهان تبدأ برهان إجباري، ثم يبدأ اللاعبون في اللعب على التوالي. كل لاعب يجب أن يراهن بنفس أكبر رهان سابق أو يمتنع عن اللعب في الجولة، وتسمى هذه العملية fold.
وأضيف هنا أن البوكر، الذي يعد من أشهر أنواع القمار الحديثة، هي لعبة كروت (كوتشينة) تعتمد على قدر كبير من المخاطرة والرهان على نتيجة معينة، مع محاولة التأثير على اللاعبين الآخرين وتوجيههم، ولو بالخطأ، إلى ما فيه مصلحة اللاعب وبالتالي خسارة الآخرين. حيث أن قانون اللعبة يحتم وجود فائز واحد فقط لكل جولة، وكل الآخرون خاسرون.
الجولة الأولى
حين قامت الثورة المصرية التي أبهرت العالم، كان الموقف الواضح للإسلاميين، ممثلًا في الإخوان المسلمين والتيار السلفي، هو الابتعاد عن الثورة وإدانتها بأحكام أسموها شرعية ودينية تحمل الوعد بعذاب الله على مخالفها. وكان هذا هو الرهان الإجباري الذي تبدأ به لعبة البوكر. وأما النتيجة فمعروفة، حيث خسر الإسلاميون هذه الجولة الأولى لصالح ثوار التحرير، الذين فُرِض عليهم العسكر كحكام غير منتخبين بصورة انتقالية.
ثم شاءت الأقدار أن يطول الهدى الإسلاميين، حين تبين لهم فجأة وكأن الله ورسوله يؤيدون الثورة والثوار. وانقلبت أحكامهم وفتاواهم لتحمي الحكام الجدد، وتصب جام الغضب على كل مخالف ولو بالحق. ولأن لعبة البوكر تلزم كل اللاعبين بأعلي رهان موجود على المائدة، فقد زايد الإسلاميون وراهنوا، كعهدهم للأسف، علي خيارات السلطة الحالية، أو المجلس العسكري الحاكم. وإلى الحين يتمسك الإسلاميون بهذا الرهان على تحالف العسكر معهم، فنرى حساباتهم وقرارهم دائمًا محكومين بهذا الرهان، حتى أنه يخيل لي أنهم يتصرفون بناء على أوامر أو اتفاقات مع العسكر في كل تحركاتهم.
وأرجو ألا يغفل علينا أن العسكر أيضًا على مائدة الرهان. ولكن الرهان في هذه المرة هو هو نفس الرهان، ولكن من وجهة النظر الأخرى؛ فالمجلس العسكري يراهن على أن المستقبل لحلفائهم الإسلاميين. ولذلك يمعن في إرسال الهدايا إليهم، ويمهد لهم كل السبل الممكنة لتحقيق هذا الرهان. فنراهم يستخدمونهم إعلاميًا لحل المشاكل المدنية في المجتمع، أو يشكلون لجنة تعديل الدستور، بما يتيح لهم فرض شروطهم على الانتخابات ثم "تدليعهم" والطبطبة عليهم، عندما يثيروا الفتنة الطائفية بردود فعل شديدة الغرابة، إلى حد يثير آلاف الشكوك، مثلًا عندما يقطعوا أذن القبطي فنجد المجلس العسكري فجأة مصابًا بالعمى والصمم، ولا مانع أيضًا من الشلل الذي يمنعه من القبض على الجناة (لا يضر كثيرًا فالمجني عليه مجرد ذمي كافر ودانه ماتساويش ضفر سلفي مؤمن) أو التردد في القبض على عشرات المجرمين الذين حرقوا الكنائس، وروعوا الأقباط بل والمسلمين أيضًا وقتلوهم من المنيا إلى قنا، ولا مانع أيضًا من حلوان والإسكندرية وإمبابة، والقائمة تطول وللأسف أيضًا لم تغلق، وشهيتها مازالت ماشاء الله مفتوحة لإضافة المزيد من المدن والأشخاص واللأحداث التي لا تبقي مجالًا للشك في من هم "الأعلون".
لاعب أم ملعوب به؟
عودة إلى مائدة اللعب ترينا أن هناك أوراقًا أو كروتًا يملكها لاعبون يراهنون بحسب قواعد اللعبة المتعارف عليها. ولكي تتضح لنا الصورة يجب علينا توزيع الأدوار بما يتيح لنا فهما اكثر لمسار اللعبة ورهاناتها. وسؤالنا هنا بالتحديد هو: هل المجلس العسكري لاعب علي المائدة؟ وهل الإسلاميون ايضا أحد اللاعبين؟ وما هي بالضبط الكروت المطروحة للعب؟
في تقديري أن كلًا من العسكر والإسلاميين يرون في أنفسهم لاعبًا وفي الآخر ملعوبًا به أو كارتًا في اليد. بمعنى آخر يرى الإسلاميون أنهم اللاعب الأهم على المائدة، في حين أن المجلس العسكري في نظرهم مجرد "كارت" يلعبون به. والكارت كما هو معروف له وظيفة محددة لتنفيذ غرض واضح، ثم ينتهي دوره أو يعاد توزيعه بعدما يكون المنتصر قد "قش" الدور فيمكن إعادة أستخدام الكارت في الدور الجديد. والدور الحالي ينتهي، في نظر الإسلاميين، حين يحصلون علي السلطة برلمانًا ودستورًا وربما رئيسًا أيضًا.
أما عن المجلس العسكري؛ فأنا أعتقد أن له نفس ذات وجهة النظر، فقط مع عكس الأدوار بالطبع. فالمجلس العسكري لن يكون لديه أي مانع من أن "يقش الدور" بنفسه، فيحصل على كل السلطات، ولو أتيحت له الفرصة فلن يتردد لحظة في اقتناصها ليصبح الإسلاميون كارتًا ملعوبًا لا يصلح إلا للرمي. وعموما فالجائزة التي يسيل لها لعاب الاثنين بقرة حلوب تدر مليارات بلا حساب أو -على الأقل- صمت الحكام القادمون (الإسلاميون الذين يراهن عليهم العسكر) علي المليارات المنهوبة بالفعل من قبل الخديوي الجديد والأربعين رجلًا الذين معه. وكان الله في عونك يا مصر.
رابح أم خاسر؟ وقاعدة قلب الترابيزة
البوكر هي بطبعها لعبة لا تحتمل إلا كاسب واحد والباقون خاسرون. ولعلها فرصة لكي نلقي نظرة علي المنافسين. فإذا صح ظني وكان كل من الإسلاميين والعسكر يرى في نفسه اللاعب الأهم، وفي الآخر مجرد كارتًا يلعب به، فمن هو يا تري اللاعب المنافس الذي يري فيه كل منهما خصما علي المائدة؟ أرى أن هذا الخصم الذي يخشاه كلاهما هو الشعب المصري نفسه أو مصر ذاتها. ولكي أشرح هذه النقطة دعني أطرح سؤالًا مبررًا: أليس هناك لاعبون آخرون على المائدة؛ الليبراليون على كافة طوائفهم مثلًا؟ والرد على هذا السؤال يحتاج إلى سؤال آخر مجددًا: تخيل، عزيزي المصري الذي لا يخفى علي ذكائه شيئًا، رد فعل الإسلاميين في حالة عدم الوصول إلى أهدافهم في نوال السلطة الكاملة. هل سيؤيدون مثلًا الفائز في الانتخابات؟
خطورة الإسلاميين أنهم يفترضون أن سلطتهم هي سلطة مستمدة من الله، وبالتالي هي سلطة مطلقة. وكونها مطلقة يعني أن لهم أيضًا حق مطلق فيها لا يسمح لأي نوع من المعارضة والرأي الآخر. كما أنها سلطة أبدية لأن الله أبدي، فلا خوف من عدم إعادة انتخابهم، لأن سلطة الله ابدية. وفي كل هذا نوع من البارانويا، أو جنون العظمة شديد الخطورة.
لذلك لا يمكنني تخيل أي سيناريو في حالة خسارتهم، غير انهم سيقلبون المائدة عاليها واطيها وسوف يسعون بكل قوتهم "لمعاقبة" المصريين الذين لا يريدون ما يراه الإسلاميون "شرع الله" والله منه براء، لأنهم يلهثون فقط وراء السلطة. وأما مصر فما ينطبق عليها هو ما قاله كبير حكمائهم: "طز في مصر وفي شعب مصر". ولكي يصبح للإسلاميين اي فرصة ليس لديهم أي خيار آخر سوي إيهام المصريين بأنهم ليسوا لاعبين على المائدة وأن المنافسة هي فقط بين فصائل من نوع إسلاميين أم ليبراليين، وأما المصريون فعليهم أن يكتفوا بدور "الجائزة" التي ينالها الفائز. ولذلك فإن أكبر مخاوفهم تظهر حين يقرر المصريون الذهاب إلى ميدان التحرير، لأنه أصبح المكان الذي يظهر فيه المعدن الحقيقي للشعب المصري البرئ من "طز" الإسلاميين.
في المقابل نرى أن الليبراليين، في حالة فوزهم أو خسارتهم، لديهم حصانة طبيعية ودرجة أقل كثيرًا من الاستعلاء الذي نراه من الإسلاميين، ولأنهم ببساطة ليست لديهم رفاهية الهذيان بأن ما يقولونه له سلطة إلهية كما يدعي أخواننا الملتحون. لذلك فليس لديهم أي خيار سوى إثبات حسن نيتهم، وقدرتهم على خدمة هذا البلد وشعبه العظيم. وهم بالتالي لن يصيروا حكامًا مطلقين كما أنهم لن يسعوا "لمعاقبة" شعب مصر في حالة خسارتهم.
إشارتك حمراء يا مصر!
ولعل أصلح تشبيه هو أن مصر المكافحة، تقف الآن في إشارة مرور كل مصابيحها حمراء. فإذا فاز الإسلاميون فإن فترة من العنف والتسلط والاستعلاء وغياب الحقوق على الأبواب. وأما خسارة الإسلاميين فلن تعني إلا انتقام ودم من هؤلاء العطشى للسلطة. الاحتمال الثالث هو أن يستولي العسكر على السلطة بأي أسلوب أو حجة، وهم أيضًا ليسوا أرحم من الفئة الأولى وكفانا ما حدث لمصر منذ مجيء العسكر عبر ستين عامًا.
أخي المصري حفيد بناة الحضارة العظام، أثق أن لديك مخزونًا هائلًا يبهر كل من يجهل قدرك بالحكمة والقدرة على مواكبة الصعاب والتغلب عليها، كما أثق في قدراتك الفائقة التي تجعلك مستحقًا لمكانتك الحقيقية في طليعة شعوب العالم، فلن تسمح لنفسك أن تصير مجرد كارت في أيدي لاعبين غير أمناء على مصرهم.
مع خالص تحياتي وشكري